موجة برد تجتاح إيران وتكبد الزراعة خسائر فادحة

القطاع يوفر 23 في المائة من فرص العمل.. والمزارعون يتذكرون صقيع 2008

الأمن الغذائي في دول العالم وخاصة إيران يعد من الأركان الجوهرية للحفاظ على الأمن القومي (أ.ف.ب)
TT

ألحقت موجة البرد التي اجتاحت إيران خلال الأسابيع الماضية خسائر فادحة بقطاع الزراعة وبرزت مخاوف بين المواطنين والمسؤولين بشأن نقص المحاصيل الزراعية. ويرى البعض أنه ليس هناك ما يبرر هذه المخاوف لأن الحكومة اتخذت الإجراءات الوقائية اللازمة بهذا الشأن، في حين يعتقد آخرون أن موجة البرد التي أدت إلى تساقط الثلوج بغزارة في عدد من المحافظات تسببت في أضرار وتداعيات سلبية، ما يدعو إلى أخذ الأمر بجدية وعدم تجاهله.

وينتمي المزارعون إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة في المجتمع الإيراني. وقد تواجه هذه الشريحة حالة اليأس إزاء عدم تلقي الدعم الرسمي إذا تجاهلت الحكومة حقوقها، وستلجأ إلى طرق أخرى لتأمين لقمة العيش، مما سيلحق في النهاية أضرارا بالاقتصاد الإيراني.

وما زال المزارعون والمسؤولون يتذكرون موجة الصقيع غير المسبوقة التي ضربت البلاد في عام 2008 وأدت إلى تدمير المحاصيل الزراعية والمزارع. ولم تقدم الحكومة الدعم لمعظم المزارعين المتضررين من الحادث.

ويناشد المزارعون في الوقت الحاضر المسؤولين أن يضعوا الدعم والمساعدات المالية على رأس أولويات الحكومة وذلك نظرا للوعود التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاهتمام وتقديم الدعم لقطاع الزراعة. الأمر الذي قد يساهم في انتعاش هذا القطاع.

ويقول مجتبى ده أبادي أحد المزارعين المتضررين من موجة الصقيع في 2008 في أصفهان لجريدة «الشرق الأوسط» «أفادت وسائل الإعلام المحلية أن الحكومة تنوي تقديم الدعم للتعويض عن الخسائر التي لحقت بالمزارعين، وأصدرت الحكومة لاحقا مرسوما يقضي بتقديم المساعدات المالية للمزارعين. ونحن راجعنا مرات كثيرة منظمة الزراعة في الإقليم وأدركنا أنه لم يجر تخصيص ميزانية بهذا الشأن، وكل ما فعلته الحكومة هو مجرد إصدار بيان. واضطر المزارعون إلى التعويض عن خسائرهم المادية من خلال مصادر مالية أخرى».

وذكر غلام رضا عباس آبادي أحد المزارعين المتضررين من موجة البرد في 2008 في إقليم خراسان لـ«الشرق الأوسط» «أطلقت الحكومة في تلك الفترة شعارات بدعم المزارعين ولكنها لم تفعل شيئا. ودشن بعض الشباب برأس مال بسيط أعمالا أخرى فيما توجه الآخرون إلى المدن الكبرى للعمالة. ولكننا نناشد الحكومة الجديدة برئاسة روحاني عدم الاكتفاء بإطلاق الشعارات وتقديم الدعم للمزارعين».

وكان قطاع الزراعة يتمتع بالحيوية والنشاط لدى تسلم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الرئاسة وبلغ مستوى إنتاج القمح في إيران في العامين 2005 - 2004، 14 مليونا و307 آلاف طن، فيما وصلت الكميات إلى 14 مليونا و633 ألف طن في العامين 2006 - 2005 مسجلا نموا قدره 4.2 في المائة. وحقق مستوى إنتاج القمح في العامين 2007 - 2006 نموا قدره 5.8 في المائة ووصل إلى 16 مليون طن. الأمر الذي مهد الأرضية لدخول إيران منذ خمسين عاما ضمن الدول الاثنتي عشرة الأعضاء في نادي تصدير القمح في العالم. وقد انخفض مستوى إنتاج القمح في عام 2008 - 2007 إلى 6.9 مليون طن بسبب موجة الجفاف، ولم يتمكن المزارعون من تحقيق المستوى المطلوب من الإنتاج بسبب سوء الإدارة الحكومية.

وألحقت موجة البرد والجفاف غير المسبوقة في عام 2008 خسائر جسيمة بأكثر من 4 ملايين هكتار من مزارع القمح، وتسببت في انخفاض ملحوظ في مستوى إنتاج القمح.

وقال مدير نقابة العلوم النباتية بهزاد قره يازي لـ«الشرق الأوسط» «لن تؤثر موجة البرد وتساقط الثلوج التي ضربت البلاد خلال الأسابيع الماضية على تأمين موارد الرزق للناس. وعلى الرغم من الخسائر التي تسببت فيها موجة الصقيع غير المتوقعة في المحافظات الشمالية، غير أن الوزراء وخاصة وزير الزراعة المهندس جنتي يبذلون كافة جهودهم في هذه المناطق للاطلاع على حجم الخسائر، وتخصيص الميزانية للتعويض عن الخسائر والحد منها».

وتابع قره يازي «كان تأثير موجة البرد والثلوج على إنتاج القمح والحمضيات محدودا. كذلك أدت هذه الموجة إلى القضاء على آفات الأرز التي تنتشر في فصل الشتاء وهذا أمر إيجابي. ألحقت هذه الموجة خسائر جسيمة بالبساتين، ولكن هناك ليس ما يدعو للقلق في الإجمال، لأننا لن نواجه انخفاضا في مستوى الإنتاج الزراعي في العام المقبل».

وأشار المسؤول الإيراني إلى موجة البرد التي ضربت البلاد منذ أعوام وقال «أدى سوء الإدارة في الحكومتين السابقتين (فترة رئاسة أحمدي نجاد) إلى الانخفاض الحاد في حجم المحاصيل الزراعية وإلحاق خسائر جسيمة بالمزارعين. وتجاهل المسؤولون الأمر. فقد أعلن محمد رضا إسكندري وزير الزراعة في فترة رئاسة أحمدي نجاد الذي تعرض البلاد في فترة وزارته إلى موجة البرد غير المسبوقة أن (الكوارث الطبيعية أدت إلى تدمير 3 في المائة فقط من المحاصيل الزراعية، وبالتالي لا داعي للقلق بهذا الشأن). وقال إسكندري لاحقا إن (إيران قادرة على بلوغ الاكتفاء الذاتي في قطاع المحاصيل الزراعية خلال عام إلى ثلاثة أعوام). ولقد أثارت تصريحات الوزير السخرية بين الجميع».

وصرح نائب الأمين العام لنقابة المزارعين في إيران عنايت بياباني لـ«الشرق الأوسط» «قام المزارعون في محافظة مازندران (شمال) بعملية حصاد وتخزين نحو 400 ألف طن من الحمضيات. يبلغ حجم إنتاج الحمضيات في إيران سنويا نحو 4 ملايين و800 ألف طن، في حين تساهم محافظتا مازندران وغيلان اللتان تعرضتا لموجة البرد والثلوج في إنتاج جزء من هذه النسبة. ويترقب المحتكرون ومافيا الاستيراد عن كثب التصريحات الرسمية والإعلامية المتضاربة بهدف استيراد منتوجاتهم، الأمر الذي لا يخدم قطاع الزراعة في البلاد».

وقلل بياباني من أهمية موجة البرد الحالية على تدمير المحاصيل الزراعية وقال «لن تسبب هذه الموجة في إلحاق أضرار للمحاصيل الزراعية، فلم تكن فترة البرد والصقيع طويلة مقارنة مع موجة البرد التي اجتاحت البلاد في عام 2008».

ويساهم قطاع الزراعة في إيران في توفير 23 في المائة من فرص العمل، و14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و31 في المائة من الصادرات غير النفطية، و94 في المائة من حاجات البلاد الغذائية. وتؤثر التطورات في قطاع الزراعة بشكل ملحوظ على المؤشرات الاقتصادية المختلفة. والأهم من ذلك أن الأمن الغذائي في دول العالم وخاصة إيران بسبب ظروفها الخاصة يعتبر من الأركان الجوهرية للحفاظ على الأمن القومي.