حقيبة يد من الموصل تصبح محور معرض للفن الإسلامي في لندن

تتميز بوجود تصوير لمشهد من البلاط الملكي على غطائها

حقيبة أثرية تعود إلى عام 1300 من مدينة الموصل في العراق (كورتولد غاليري)
TT

يقام حاليا في كورتولد غاليري بلندن معرض متميز وفريد من نوعه أيضا. يمكننا قول ذلك بكل ثقة، فالمعرض هو الأول في مجال الفن الإسلامي للغاليري العريق، وأيضا يتميز بأنه يدور حول قطعة واحدة فقط أيضا فريدة من نوعها. هي حقيبة من النحاس المطعم بالفضة والذهب ظلت في مجموعة كورتولد غاليري، منذ أن أهداها صاحبها للغاليري في عام 1966. الحقيبة تحمل تاريخا خاصا، بعضه واضح والبعض الآخر مخفي دارت حوله كثير من التفسيرات ولكن المعرض القائم يقدم تفسيرا جديدا يبدو مقنعا لدرجة كبيرة.

المعرض يقدم لنا قطعة رائعة هي مثال على دقة وبراعة الحرفي بالعراق في ذلك العصر، فالحقيبة من النحاس المطعم بالذهب والفضة، على الغطاء في أعلاها نجد مشهدا دقيقا محفورا يصور حفلا ملكيا يتوسطه رجل وامرأة وحولهما عدد من الأشخاص منهم عازف موسيقى وشخص يحمل صقرا. الحقيبة تتوسط المعرض محاطة بأربعين قطعة مستعارة من جهات مختلفة منها المتحف البريطاني ومتحف فيكتوريا آند ألبرت ومجموعة ديفيد الخليلي.

حسب ما يرشدنا دليل المعرض، فالحقيبة صنعت في عام 1330 في شمال العراق وتحديدا الموصل. المثير في الأمر أن اعتبار تلك القطعة البديعة «حقيبة» هو أمر يثير الاستغراب، ولكن ليس لوقت طويل إذ تخبرنا راشيل وارد، منسقة المعرض أنها أرادت أن تثبت أن تلك القطعة التي أثارت كثيرا من التكهنات حولها، هي في حقيقة الأمر حقيبة يد، «حقيبة يد نسائية بالتحديد» تقول لنا خلال جولة في المعرض وتضيف: «نحن مقتنعون بأنها حقيبة يد نسائية على الرغم من أنها صنفت على أنها غير ذلك في الماضي». المعرض يقوم على تلك الفرضية ويحاول إثبات ذلك عبر عرض مجموعة من الوثائق والرسومات، وأيضا القطع المعدنية التي تحمل نفس السمات ويبدو أنها من نفس العصر.

الحقيبة «اللغز» تحمل تاريخا بعيدا وآخر أقرب، تبدأ راشيل بالتاريخ المعروف، وتشير إلى أن جامع تحف من العصر الفيكتوري اسمه توماس غامبيير بيري اشترى الحقيبة في عام 1858خلال رحلة إلى فينيسيا (البندقية)، وقام حفيده بإهداء الحقيبة لكورتولد غاليري في عام 1966. وقتها كانت القطعة تصنف على أنها حاملة وثائق أو حقيبة ملحقة بسرج الحصان. ولكن المعرض يحاول إثبات غير ذلك: أنها صنعت في الموصل في الفترة ما بين عامي 1300 - 30 وأنها كانت ملك سيدة من الطبقة الحاكمة خلال عصر الدولة الإيلخانية في العراق التي أسسها حفيد جنكيز خان.

تشير راشيل إلى أن الحقيبة في تاريخها شهدت محاولات لتغيير وظيفتها أو لتعديلها ربما، «خلال وجودها في أوروبا أستطيع أن أقول إنها استخدمت صندوقا ثبت له قفل وهو ما نستدل عليه من الفتحة المستطيلة في غطاء الحقيبة. نرى أيضا وجود حلقتين من الفضة على جانبي الحقيبة وهو ما يرجح استخدام حزام لحملها على الكتف. هناك أيضا بعض الخدوش في أعلى الحقيبة من المنتصف وهو ما يدل على محاولة إضافة مقبض».

على جانب المعرض نرى رسما ضخما ينقل لنا تفاصيل المشهد المنقوش على أعلى الحقيبة، من خلاله يمكننا رؤية التفاصيل الدقيقة التي قد لا يمكننا رؤيتها بوضوح. «هذا المشهد نعتقد أنه يصور حفلا في البلاط الملكي ونستدل على ذلك من مقارنته بوثائق أخرى تحمل مشاهد مماثلة». تلفت وارد إلى أن الشخصين الرئيسين في الرسم هما لرجل وامرأة وهو ما كان غير مألوف في تلك الفترة، «فليس من المتبع أن نرى النساء، نساء الطبقة الحاكمة تحديدا، ضمن المشاهد التي وجدت في الوثائق والقطع التاريخية من تلك الفترة».

المثير أيضا في المشهد المحفور على الحقيبة هو وجود نقش يمثل فتى من الحاشية يحمل حقيبة على كتفيه، تبدو تلك التفصيلة كمفتاح لنا لمعرفة وظيفة الحقيبة محور المعرض، ويبعدنا عن نظريات وتكهنات أخرى. تشير وارد أيضا إلى أن المرأة في الرسم هي من الطبقة الحاكمة «لا نعرف إن كانت الحقيبة ملك لامرأة من العائلة الملكية، ولكن هناك احتمالا كبيرا جدا لعدة أسباب، أولا: لأن المشهد المصور أمامنا ينضح بالوجاهة والثراء، وثانيا لأن جميع الرسومات المشابهة والتي تصور نساء يحملن حقائب، كلها كانت لنساء من البلاط الملكي».

نلاحظ أيضا من المشهد تفاصيل الوجوه التي يبدو أنها تشير إلى أن أصحابها من المغول «الوجوه المستديرة والأنوف القصيرة تشير إلى ذلك» تعلق وارد وتستكمل: «ويبدو الفرق واضحا في تصوير وجوه الموسيقيين الذين يبدو أنهم من العرب». مما يرجح أن المشهد الذي جرى في البلاط المغولي أيضا هو تصوير الرجل والمرأة جالسين جنبا لجنب «لم يكن من المألوف تصوير النساء هكذا إلا في العصر المغولي، ونعرف أيضا من خلال روايات رحالة أن النساء لعبن دورا كبيرا في البلاط المغولي».

بالنظر إلى باقي المعروضات التي يحمل كل منها عنصرا مشابها للحقيبة سواء كان ذلك القطع النحاسية المنقوشة أو الخط، تقول وارد: «معظم هذه القطع حاولنا أن تكون أقرب ما يمكن للعصر الذي صنعت فيه الحقيبة، نحاول هنا أن نربط المشهد المنقوش على غطاء الحقيبة لمظاهر الحياة في ذلك الوقت. فهنا على سبيل المثال عرضنا قنينة زجاجية تشبه إلى حد كبير تلك التي يحملها أحد أفراد الحاشية في النقش على الحقيبة. هنا أيضا رسم مكبر لشخص يحمل صقرا أيضا نراه قريبا من النقش الأصلي، وهنا أيضا مرآة صينية الصنع تشبه تلك الموجودة في النقش وهو أيضا ما يأخذنا لحقيقة أن التجارة مع الصين ازدهرت خلال حكم المغول للعراق.

يحاول المعرض بدأب إثبات فرضية أن القطعة كانت مستخدمة كحقيبة وأنها لسيدة من البلاط الملكي وأيضا يحاول إثبات أنها صنعت في شمال العراق، الموصل تحديدا. ما الذي يدعم الفرضية الأخيرة؟ تشير وارد في حديثها إلى مبخرة دائرية الشكل من مقتنيات المتحف البريطاني وتقول: «من ملاحظة التقنية وطريقة النقش على هذه المبخرة التي تعود إلى عام 1232 (يشبه لحد كبير الحقيبة محور المعرض) أنها من صناعة الموصل، هناك أيضا أجزاء من القرآن الكريم كتبها خطاط شهير في الموصل في عام 1310 تعطينا فكرة أيضا عن الخطوط والنقوش التي ميزت الفنون في تلك الفترة».