التلفزيونات اللبنانية تدعم صناعة المسلسلات المحلية لمكافحة التركية

حرب باردة بين «إم تي في» و«إل بي سي» التي حصدت المرتبة الـ 59 في لائحة المائة الأكثر مشاهدة

بطلا مسلسل «وأشرقت الشمس»
TT

«ما تنسى تلاقيني الساعة سبعة» هذه العبارة كانت بمثابة العنوان العريض للحملة الإعلانية الترويجية للمسلسلات اللبنانية على شاشة «إم تي في»، فقد اعتمدت المحطة المذكورة هذا التوقيت بالذات (السابعة مساء) ليشكّل صمام الأمان لأعمال الدراما المحلية؛ إذ كان سبق وخصص ليكون النافذة اليومية التي تطلّ منها المسلسلات التركية على شاشتها. فمختلف محطات التلفزة في لبنان عمدت منذ أكثر من سنتين إلى عرض الدراما المدبلجة، ولا سيما التركية منها، في هذا الوقت، لاعتباره موعد الذروة في الفرجة، بسبب اجتماع أفراد العائلة الواحدة، وهو ما يشكّل بداية السهرة.

هذه الحملة الترويجية التي أرادتها «إم تي في» وسيلة لإيصال رسالة مباشرة إلى باقي محطات التلفزة المحلية من ناحية، ولكسر قاعدة «ذهبية» متبعة من ناحية ثانية، استهلتها بعرض يومي لمسلسل لبناني بعنوان «اخترب الحي». يحكي المسلسل قصص حي شعبي تنقلب أوضاعه مع دخول أحد الأشخاص على حياة سكّانه، وهو من كتابة كارين رزق الله وإخراج جيسيكا طحطوح.

يشهد المسلسل نسبة إقبال لا يُستهان بها من قبل الشباب اللبناني، الذي وجد فيه فترة استراحة خفيفة يتمتّع بها، تفصل ما بين دوامه الجامعي أو المدرسي وساعات الدراسة المنزلية. قريبا تستعد «إم تي في» لإطلاق حملة ترويجية أخرى في هذا الخصوص بعنوان «عالسبعة حضار لبناني»، ليصبح هذا التوقيت بمثابة ماركة مسجلة باسمها.

مدير البرامج في «إم تي في» كريستيان الجميل يعلّق على هذه المبادرة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي خطوة جريئة وفريدة من نوعها؛ إذ لم يسبق أن اتبعها أحد التلفزيونات اللبنانية قبلنا، كما أن عملية إنتاج مسلسل مشابه تتطلّب تكلفة عالية ووقتا للتحضير والتصوير لا يمكن أن يتحملهما إلا أربابها». ويضيف: «لقد أخذنا على عاتقنا هذه المهمة التي نعتبرها نجحت بامتياز كون نسبة المشاهدة ما بين الحلقة الأولى والرابعة عشرة تضاعفت، وننتظر زيادة هذه النسبة في الأيام القليلة المقبلة، لا سيما أن المسلسل يتألف من 180 حلقة».

وبسؤاله ما إذا كانت هذه الخطوة بمثابة مقدّمة للاستغناء عن المسلسلات التركية في المستقبل؟ يردّ: «نقولها بكل صراحة: نعم. هذا هو هدفنا، وأعتقد أن باقي التلفزيونات ستتبع طريقتنا في المستقبل، ولكننا سنكون المؤسسين لها»، ويختم بالقول: «هدفنا الأول والأخير هو تشجيع صناعة الدراما اللبنانية، وعرضها الساعة السابعة مساء، كان بمثابة مغامرة أقدمنا عليها، لأننا نثق بإنتاجاتنا».

لم تتأثر قناة «إل بي سي آي» المستهدفة الأساسية من هذا التغيير، فحسب القيمين عليها، فإن التوقيت الذي تتبعه في شبكة برامجها، ولا سيما المسلسلات منها ما زال يحصد أهم مراتب نسب المشاهدة. وأكبر دليل هو أرقام الإحصاءات التي تشير إلى ذلك بوضوح.

فحسب إحصاء لائحة البرامج المائة الأكثر مشاهدة «100 most watched episodes» الصادرة عن شركة «ستات ايبسوس»، فقد شكّلت حصة الدراما اللبنانية النسبة الأكبر من مراتب اللائحة التي تتضمن أكثر ما شاهده اللبنانيون عام 2013 على الشاشات الصغيرة.

وحققت حلقات الدراما اللبنانية التي عرضتها «إل بي سي آي» المرتبة 59 من أصل المائة.

فمسلسل «وأشرقت الشمس» حصد وحده 26 مرتبة في اللائحة، كما حققت إحدى حلقاته المرتبة الأولى فيها. بينما دخل مسلسل «لعبة الموت» هذه السباق بـ15 حلقة. وتكرّ السبحة لتشمل مسلسلات «عندما يبكي التراب» و«آميليا» و«عيلة عا فرد ميلة» بحيث حصد الأول ثماني حلقات، والثاني سبعا منها، والثالث ثلاث حلقات من اللائحة المذكورة.

أما فيما يخص المسلسلات التركية، فلم تشأ المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي) إجراء أي تغيير في توقيتها، وأبقت على عرضها مرتين في اليوم الواحد. فحاليا يتابع اللبنانيون مسلسلي «ياسمين» في السابعة مساء (طيلة أيام الأسبوع ما عدا السبت والأحد) و«على مر الزمان» في الـ11 من كل ليلة. وتقول مديرة البرامج في «إل بي سي» جوسلين بلال لـ«الشرق الأوسط»: «نوعية العمل هي التي تفرض نفسها على التوقيت الذي نتبعه، فمستوى العمل يبقى المحفز الأول لذلك»، وتتابع: «لقد كنا أول من أعطى الدراما اللبنانية حقّها، فعرضناها لأكثر من مرة في الأسبوع الواحد، وهو أمر لم يكن سائدا قبلنا. فعادة ما كان اللبنانيون يتابعون هذه المسلسلات بشكل متقطّع، بحيث تفصل بين كل حلقة وأخرى أسبوع بأكمله. هذا الأسلوب الجديد الذي اعتمدته المؤسسة اللبنانية للإرسال منذ نحو عامين ساهم في جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، مما دفع بباقي محطات التلفزيونات اللبنانية أن تتبعه بدورها».

هذا الصراع التلفزيوني على جذب أكبر شريحة من المشاهدين تركّز بشكل أولي على المسلسلات المحلية. ولوحظ في الآونة الأخيرة دفع مبالغ طائلة مقابل الحصول على حقوق عرض مسلسل ما على الشاشة الصغيرة. ولعلّ مسلسل «وأشرقت الشمس»، الذي فازت به «إل بي سي»، بعد أن دفعت، كما تردد، مبلغ «33 ألف دولار» مقابل الحلقة الواحدة منه هو أكبر دليل على الحرب الباردة الدائرة بين القنوات المحلية، ولا سيما بين «إم تي في» و«إل بي سي». وحسب ما دار في الكواليس، فإن المسؤولين عن هذا الموضوع في المحطة الأولى يعدّون أنهم لعبوا دورا أساسيا في رفع هذه الكلفة إلى هذا الحد، بعد عمل ما يشبه المزاد العلني للفوز به، وأنه عندما وصل السعر إلى هذا المستوى تركوه لـ«إل بي سي» لتتخبط بتكلفته العالية. إلا أن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر» كما يقول المثل اللبناني، لأن المسلسل حقق أعلى نسبة مشاهدة بين المسلسلات اللبنانية التي عُرضت في ذلك الموسم.

«إم تي في» التي بدأت في موسم الشتاء بعرض مسلسل تركي «القبضاي» في السابعة مساء، واستبدال به فيما بعد آخر لبنانيا «اخترب الحي»، كانت قد استبقته بمسلسل «حبيب ميرا»، الذي يعرض مرتين أسبوعيا في الثامنة والنصف مساء. ويقول كريستيان الجميل في هذا الصدد: «كل ما في الأمر أننا كنا نحضّر لمسلسل (اخترب الحي) فعرضنا (القبضاي) مؤقتا إلى حين جاهزية الأول، فكما تعلمون إنتاج مسلسل ما وتصويره والتحضير له يتطلب وقتا طويلا، وعندما صار في متناول يدينا بدأنا في عرضه».

هذه الخطوة المفاجئة التي استحدثتها «إم تي في» أخيرا هي نتيجة منافسة ساخنة تحدث بينها وبين «إل بي سي» بشكل واضح منذ عودة الأولى إلى الساحة التلفزيونية. فقد توقفت «إم تي في» عن العمل قسريا عام 2002، وعادت عام 2009.

قد تكون صناعة الدراما اللبنانية هي المستفيد الأول من هذه المنافسة العلنية بين المحطتين الأقوى حاليا، إضافة إلى أنها تضع الـ«إم تي في» في مقدمة التلفزيونات الراعية لها من ناحية ثانية.

استبدال الأعمال اللبنانية بالتركية قد يكون ضربة موفّقة لـ«إم تي في»، إلا أن مضمون الثانية وإيقاع الأحداث الدائرة فيها يشبهان إلى حد كبير الأسلوب المتبع في الدراما التركية الركيكة، الأمر الذي أثار حفيظة المشاهدين الذين أبدوا أفضلية للإنتاجات التركية، لأنها تبقى أكثر تشويقا حسب قولهم. أما مدير البرامج في الـ«إم تي في»، فيدافع قائلا: «يا ليتنا نصل إلى مستوى الانتشار الذي حققته الأعمال التركية، وإذا كنا نشبّه فيها اليوم، فهو أمر نعتز به بالطبع».

في إمكاننا أن نعد كل ذلك حربا باردة أو منافسة شرسة تجري بين القنوات المحلية اللبنانية، تحت عنوان «لعيون المشاهد»، إلا أنها في النهاية تصب في مصلحة الأعمال الدرامية اللبنانية. وعلى الرغم من أن المشاهد لا يستسيغ كثيرا متابعة المسلسلات الطويلة الأمد على طريقة المسلسلات المكسيكية أو تلك التي تذكرنا بـ«دالاس» و«داينستي»، إلا أنه لن يتوانى عن تشجيعها بين الحين والآخر حبا بنجومها.