شهلا زلاند.. مطربة أفغانية مناضلة تتسلح بالموسيقى والأغاني

عادت إلى بلادها بعدما حققت نجاحا في أميركا

شهلا زلاند
TT

تعد شهلا زلاند واحدة من أهم نجوم الغناء في أفغانستان. وهي تنتمي لأسرة فنية؛ فوالدها وشقيقها من الفنانين المعروفين في إيران وأفغانستان، ولوالدتها سارة زلاند وخالتها جيلا أغان جميلة يتذكرها الجيل الأفغاني الأقدم.

ويعد جليل زلاند والد شهلا من قدامى الملحنين الأفغان؛ فقد لحن مجموعة من الأغاني القديمة الرائعة لعدد من المطربين البارزين في إيران وأفغانستان، منها أغنية «من آمده ام» (أنا قادمة) للمطربة الإيرانية الشهيرة كوكوش التي نالت شهرة واسعة في إيران. كذلك لحن فريد شقيق شهلا الكثير من الأغاني الرائعة لجيلين من ألمع نجوم الغناء الإيراني حققت شهرة واسعة.

والمعروف أن شهلا توجهت إلى إيران وهي في الثامنة من عمرها، حيث عاشت فترة الانفتاح الثقافي الذي كان سائدا في عهد الشاه. وشهدت قيام الثورة الإسلامية، من ثم غادرت في منتصف الثمانينات إيران متوجهة إلى الولايات المتحدة لتلحق بأسرتها الفنية.

وبدأت في الغناء في الولايات المتحدة بتشجيع من والدها الذي حرص على إحياء الطرب والموسيقى الأفغانية في المهجر. وسعت شهلا زلاند وأسرتها في الولايات المتحدة إلى إحياء الذكريات الجميلة لسنوات ما قبل الحرب للمواطنين الأفغان، في الوقت الذي شنت فيه حكومة طالبان في أفغانستان حملة اقتلاع الفن والفنانين في أفغانستان.

وقررت شهلا زلاند، وخلافا للكثير من الفنانين الأفغان، أن تعود إلى أفغانستان منذ ثلاث سنوات بعد تحسن الأوضاع في البلاد. وأدت أغنيتها الشهيرة «دخت أفغان» (البنت الأفغانية) في الولايات المتحدة قبيل عودتها إلى أفغانستان، إذ أظهرت هذه الأغنية بوضوح نوايا شهلا في العودة إلى بلادها.

وهذه الأغنية من تلحين شقيقها فريد بينما كتبت نادية أنجمن كلماتها التي تحكي قصة الصعوبات والظلم الذي تواجهها المرأة الأفغانية وخاصة خلال فترة حكومة طالبان المظلمة على البلاد. وتقول مقتطفات من الأغنية: «لا أملك الشوق لتأدية الأغاني فما يا ترى لماذا أغني؟ ولا يختلف الأمر سواء أغني أم لا أغني، لأن الزمان لعنني. لا أستطيع أن أتكلم عن الشهد لأن طعمه مر في فمي. الويل من الظالم الذي لكمني في فمي».

ولقيت نادية التي تعد من المواهب في قطاع الشعر والموسيقى في أفغانستان مصيرا مرًّا مثل كلمات الأغنية حيث راحت ضحية العنف الأسري وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، عندما قتلها زوجها.

وتزور شهلا العاصمة الأفغانية كابل في هذه الأيام بعدما جرى اختيارها للمشاركة باعتبارها المرأة الوحيدة في لجنة التحكيم التي تضم أربعة أعضاء في برنامج «نجم أفغانستان» الذي يسعى إلى كشف المواهب الغنائية الجديدة في أفغانستان. وتبث قناة «طلوع» غير الحكومية هذا البرنامج الذي تحول إلى أكثر البرامج التلفزيونية شعبية في أفغانستان، ووفر فترة تسلية تبعد المواطن عن الحروب، والعنف، وسفك الدماء، وتمنحه أملا جديدا.

وأجرت «الشرق الأوسط» حوارا هاتفيا مع شهلا زلاند التي تحدثت عن المصائب والآمال، وعن كيفية الاستقبال بـ«رفع القبضات» لدى قدومها إلى أفغانستان حيث طلب منها مغادرة البلاد والعودة إلى الولايات المتحدة، ولكنها تصر على عدم مغادرة أفغانستان والبقاء فيها من أجل مواصلة الكفاح حتى النهاية.

* تحول برنامج «نجم أفغانستان» إلى أكثر برامج التسلية مشاهدة في أفغانستان. هل تعتقدين أن البرنامج يهدف إلى تسلية المشاهدين فقط؟

- كما تعلمون أن أفغانستان تعيش حالة حرب. وقدمت قناة «طلوع» التلفزيونية برامج موسيقية وثقافية كثيرة منذ انطلاقتها، ومنها برامج «نجم أفغانستان» الذي حقق نجاحا باهرا ونسبة مشاهدة عالية. وقد ارتفعت نسبة متابعي البرنامج في السنتين الأخيرتين، ولا أعني أن السبب في النجاح الذي حققه البرنامج يعود إلى انضمامي للجنة الحكم خلال السنتين الأخيرتين. لم يكن الكثير من الناس يعرفونني شخصيا في بدايات قدومي إلى أفغانستان، بل تعرفوا علي بسبب عائلتي، ولكنهم عرفوني أكثر فيما بعد وأدركوا أنني أكنُّ حبا كبيرا لوطني، وأنوي أن أقدم خدماتي لصالح الوطن، الأمر الذي كان السبب في مغادرة الولايات المتحدة والعودة إلى أفغانستان.

إن البرنامج ذو أغراض متعددة، منها التسلية وأهداف ثقافية، وتقديم وجوه غنائية وموسيقية جديدة إلى المجتمع الأفغاني.

* هل تعتقدين أن برنامج «نجم أفغانستان» تمكن من ترك تأثير ثقافي في أفغانستان؟

- لقد ترك البرنامج تأثيرا ثقافيا كبيرا وحقق نجاحا باهرا. ينتظر الكثير من المشاهدين المقيمين في أفغانستان وفي خارج البلاد موعد عرض البرنامج يومي الخميس والجمعة. أحب الناس برنامج «نجم أفغانستان»، وأقبلوا على العروض الموسيقية بكل شوق، إذ يتحدث المواطنون في الشوارع وفي سيارات الأجرة عن هذا البرنامج والموسيقى.

* كان اللافت في إحدى الحلقات أنك خضت جدالا مع سائر أعضاء لجنة التحكيم بسبب تقديم الدعم لإحدى المشاركات في البرنامج. وكنت تقولين بأنه ينبغي على البنات المشاركات أن يحصلن على دعم أكبر في الوقت الذي رأى فيه الأعضاء الآخرون في لجنة التحكيم أنه يجب دعم المشتركين الموهوبين بغض النظر عن الجنس أو الوظيفة.

- كنت أتابع الأخبار بقلق وألم خلال هذه السنوات الطويلة الحافلة بالمرارة، والمصائب في أفغانستان. وكنت وما زلت ألاحظ الظلم الذي تتعرض له المرأة الأفغانية. قررت بعد وفاة والدي أن أترك كل شيء في الولايات المتحدة ورائي وأن أعود للبلاد لأنني شعرت بحب والدي الكبير للوطن. طلب مني بعض الأصدقاء أن أبقى في الولايات المتحدة، وأترقب تحسن الأوضاع الأمنية في أفغانستان، ومواصلة نشاطاتي في الولايات المتحدة. لكنني اتخذت قراري، لم أكن أستطيع أن أشاهد ما يجري في البلاد وأنا في بلد آخر. وكنت أشعر بالألم عندما كانوا يرتكبون جرائم بحق النساء، منها قطع الأذن والأنف، وينتهكون الكرامة الإنسانية للمرأة.

كما أقدم دعمي في برنامج «نجم أفغانستان» للمشتركات، لأنني أعتقد أنه ينبغي ممارسة التمييز الإيجابي لصالح المرأة بهدف تشجيعها بشكل أكبر للانخراط في النشاط المجتمعي، وعدم الشعور بالعزلة. يجب أن تصل المرأة الأفغانية إلى قناعة تفيد بأن المجتمع ليس حكرا على الرجال، وأن تشعر المرأة بالانتماء إلى هذا المجتمع بنفس قدر انتماء الرجال. وقد تكون المرأة أكثر كفاءة من الرجال في بعض القطاعات. ولا يعني الدعم الذي قدمته لمشتركات البرنامج تجاهل المواهب الرجالية، ولا أقصد أبدا تجاهل النقاط التي يكتسبها الشباب في البرنامج لصالح المشتركات.

* قدمت أغنية باسم «البنت الأفغانية» التي أخذت شهرة واسعة. هل توجهت إلى أفغانستان بعد انتشار الأغنية؟

- نعم زرت أفغانستان عام 2011 بعد أن أديت الأغنية التي لحنها شقيقي فريد زلاند في الولايات المتحدة. ولقيت الأغنية رواجا وترحيبا جماهيريا. وكتبت نادية أنجمن كلمات الأغنية. كانت نادية تدير أمسيات شعرية نسائية في مدينة هرات تحت عنوان «فن التطريز»، وكانت تعمل على تعليم النساء، وتعرضت للأسف للقتل على يد زوجها عام 2005. تحمل هذه الأغنية ذكريات مؤلمة لي، لأنني غنيتها بعد وفاة والدي. لقد وجهت قناة «طلوع» التلفزيونية دعوة لي للمشاركة في هذا البرنامج

* هل تعرضت للقيود في ممارسة نشاطاتك منذ عودتك لأفغانستان قبل ثلاثة أعوام؟

- نعم، تعرضت لقيود كثيرة. أنتم على دراية بالأوضاع التي تمر بها أفغانستان حيث تتعرض المرأة القادمة من خارج البلاد التي تنوي القيام بنشاط لكثير من المضايقات والقيود. ولكنني أواصل الكفاح، ولا أسمح لهم بقمعي. لقد عدت لأفغانستان لأخوض الكفاح، وأتعرض للمضايقات الهاتفية والإساءة والتهديد في شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك». يريد هؤلاء الظالمون أن أترك أفغانستان ليحكموا القبضة عليها. بعض الفتيات الأفغانيات يقلن لي إنك جلبت الأمل لنا، ويطلبن مني البقاء هنا.

لقد بكيت في الكثير من البرامج الترفيهية لأنني أرى الآلام والقيود التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يجرين اتصالات هاتفية ولكنهن يخشين الغناء أمام الجماهير.

* تكثر الأحاديث في هذه الأيام حول مغادرة القوات الأجنبية البلاد في نهاية 2014 والاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة وأفغانستان. وتبرز مخاوف بشأن وضع المرأة الأفغانية في المستقبل. فما رأيك أنت بهذا الشأن؟

- سيشهد وضع المرأة تدهورا ملحوظا وسط زعزعة الاستقرار في البلاد. ستتعرض البلاد لرياح عاتية وسيكون وضع المرأة مأساويا. لا أعلم ماذا يدور وراء كواليس السياسة ولكن على الساسة أن يحرصوا على صيانة الأمن في البلاد. إن وضع المرأة في الوقت الحاضر مأساوي أصلا حيث ينتشر الفقر بين النساء والأطفال، وسيزداد سوءا إذا وصلت حركة طالبان إلى الحكم، ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

* ما مستقبل الموسيقى والغناء في أفغانستان؟

- ترتبط كل الأمور بالاستقرار الأمني والأوضاع الأمنية خلال السنوات المقبلة، وبأي حال فإن الكثير من الناس في الوقت الحاضر يرجحون الاستماع إلى الأغاني القديمة التي كانت دارجة منذ ثلاثين أو أربعين سنة. فنحن لم نتمكن من تقديم مواهب غنائية جيدة، وشهد مستوى الأغاني والكلمات تدنيا ملحوظا بسبب عدم التحلي بالعلوم الموسيقية، إذ يمكن لأي شخص يرغب في الغناء والتلحين أن يمارس هذه المهنة، مما أدى إلى تدني مستوى الأغاني. لا أقصد بكلامي هذا جميع المطربين والملحنين، بل هناك أشخاص محترفون يمارسون هذه المهنة، غير أن الأوضاع بالإجمال ليست جيدة. ويمكن التعويل على تحسن الأوضاع في مجال الموسيقى والغناء إذا عاد المتعلمون وأصحاب التجربة إلى البلاد. لقد اعتزمت العودة إلى البلاد مع العلم بحجم المشكلات والاضطرابات التي وصلت حد الانفجار، وذلك بهدف تحسين وضع الموسيقى في وطني.

* هل تتابعين الموسيقى الإيرانية؟

- بالطبع. أرسل والدي شقيقي إلى إيران وهو في الثانية عشرة من عمره بهدف إكمال دراساته، إذ قام بتلحين أول أغنية للسيدة كوكوش وهو في السابعة عشرة من عمره. أدى شقيقي دورا بارزا في الموسيقى الإيرانية ولحن لعدد من المغنين الإيرانيين مثل إبي، وداريوش.

ويعمل شقيقي فريد في الوقت الحاضر مع الجيل الجديد، لأنه يرى أن كبار المطربين وجدوا طريقهم، ويجب الانتباه إلى الجيل الجديد. ويحرص على التعامل مع المطربين الجدد في أفغانستان، ولكنه يجب توفير الظروف.

* لقد شهد البرنامج صعود نجم آرش، ولكن لجنة التحكيم احتجت في البداية بسبب لهجة آرش التي تشابه لهجة الإيرانيين؟

- لا. لقد عارضت باقي أعضاء لجنة التحكيم بشأن احتجاجهم على لهجته. نستمع في الوقت الحاضر إلى الأغاني الصينية والأميركية، وينبغي الاستماع إلى جميع الأغاني في عالم الموسيقى. لقد قلت لأعضاء لجنة التحكيم بأن لهجة آرش القريبة من الإيرانيين يعود إلى انحداره من ولاية هرات، وإذا كان لهجته قريبة من الإيرانيين فهم إخوتنا. لا يجوز إدخال قضية لهجة المشتركين في إصدار حكم فني عليهم.

* هل سيحين الوقت برأيك بأن تشارك المواهب الغنائية في برنامج لكشف المواهب الغنائية بغض النظر عن الجنسية لتخوض المنافسة؟ ألا يمكن أن نشهد منافسة مشتركين من طاجيكستان، وإيران وأفغانستان؟

- أعرب عن أملي بأن نشهد تحسن الأوضاع الأمنية في أفغانستان في 2014 مما يوفر الأرضية لطرح هذه الفكرة. لقد عاد شقيقي فريد إلى أفغانستان الأسبوع الماضي بعد أن قضى 43 سنة في الغربة. نعتزم تأسيس معهد يحمل اسم والدي. وسيقدم المعهد فرصة لأن تخوض المواهب الغنائية من إيران، وطاجيكستان، وأفغانستان المنافسة في كابل. أستبعد إقامة مثل هذا البرنامج في طهران، ولكننا نطمح لتنظيم هذا المشروع وأتمنى أن نتمكن من تطبيقه.

* اعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية «شرق بارسي»