بينالي مراكش.. تظاهرة فنية دولية لربط الثقافات

تطرح دورته الخامسة سؤال «أين نحن الآن؟»

TT

تتواصل فعاليات بينالي مراكش، في دورته الخامسة، طارحة سؤال «أين نحن الآن؟»، بمضمون الشعار المحرك والمضمون الهادف إلى إطلاق حوار بين أربعة مجالات للإبداع، تشمل الفنون البصرية والسينما والفيديو والأدب وفنون المسرح.

وينطوي عنوان دورة هذه السنة، حسب المنظمين، على مساءلة الفضاء والزمان، فإذا كانت الـ«أين» استفسارا للمكان، أي السياق الذي تدور فيه التظاهرة، فإن «الآن» طريقة لتقييم ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وبالتالي، تطمح التظاهرة، من خلال عرض الفنون البصرية والسمعية، إلى استجلاء العلاقة من جهة، بين مراكش باعتبارها مكانا والمعاصر الآني والممارسة الفنية المعاصرة، ومن جهة ثانية، بين المغرب المعاصر عبر مؤلفات فنية تفكر في الفردي والجمعي، وفي التاريخ والتخييل.

ويهدف بينالي مراكش، الذي يمتد على خمسة أسابيع ويختتم في نهاية الشهر الجاري، إلى بناء جسور الحوار والتقارب بين الثقافات بواسطة الفن المعاصر، ساعيا إلى أن يكون «عيدا للخلق والإبداع في مدينة راكمت تجارب فنية على مدى تاريخها»، حسب المنظمين.

وأطلقت هذه التظاهرة الثقافية في 2004، وهي تنظم كل سنتين، ولذلك، فهي لا تحتفي، في دورتها الخامسة، بالفنون، فقط، بل، أيضا، بعشر سنوات من مسيرتها.

ويرتكز توجه التظاهرة، على جملة مبادئ، تشمل السعي إلى التميز الفني والعطاء الفكري، والأخذ بعين الاعتبار الخصوصية والسياق المحليين، والالتزام بكل أشكال التعبير الفني، وإعطاء الأولوية لدعم الاقتصاد المحلي، ومنح إطار فني ملائم لكل الفنانين المستقلين بغض النظر عن بلدهم الأصلي، ودعم الأفراد دون الالتفات إلى أصولهم وأنواعهم، وتوفير إطار للنقاش المحلي الجهوي والدولي، ودعم الإطار الجمعوي في سبيل الحفاظ على الاستقلالية اتجاه توجهات الدولة أو التقيد بالأبعاد والمتطلبات التجارية والتسويقية.

ويشارك في فقرة الفنون البصرية فنانون من المغرب وخارجه، بينما طلب من المشاركين في فقرة السينما والفيديو الأخذ بعين الاعتبار فتح حوار فني بين الإبداع المعاصر بشمال أفريقيا وجهات أخرى، خاصة أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، فيما تضمن البرنامج الأدبي للتظاهرة موائد مستديرة تتناول عددا من أشكال الفرجة والممارسة الأدبية، بينها قراءات في روايات لكتاب غربيين، عرب ومغاربة، بينها رواية «مقبرة» التي استوحى كاتبها الإسباني خوان غويتسولو عالمها من عوالم ساحة جامع الفنا بمراكش، و«المعركة الأخيرة للقائد نعمت» للكاتب المغربي محمد لفتح، و«موسم الهجرة إلى الشمال» للكاتب السوداني الراحل الطيب صالح.

وقال إدريس كسيكس، منسق المحور الأدبي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن السؤال الأول الذي طرح في بداية إعداد برنامج الدورة الخامسة كان عن موقع الأدب ضمن تظاهرة ببعد فني، فكان الجواب هو في كيفية الخروج بالأدب من دائرة التحديد التقليدي، بحيث لا تبقى المسألة الأدبية قابعة في برجها العاجي، وبالتالي توسيع دائرة تعريف الأدب عبر الاهتمام بالمتلقي وعدم الاكتفاء بالإنتاج الأدبي. لذلك تم إعداد البرنامج الأدبي انطلاقا من ثلاثة توجهات، تشمل علاقة الأدب بالتلقي والساحات الشعبية، والعلاقة بين الإبداع والعلوم الاجتماعية، والشفاهية».

واختار المنظمون أن تبرمج العروض بعدد من المواقع التاريخية والسياحية والثقافية بالمدينة، كقصر البديع ودار سي سعيد وبناية بنك المغرب، بمحيط ساحة جامع الفنا، ودار الشريفة ورياض دونيس ماسون والمسرح الملكي وسينما كوليزي، فضلا عن عدد من صالات العرض، المحسوبة على أروقة فنية وفنادق سياحية ومقاه أدبية ومؤسسات ثقافية.

ولا يخفي المنظمون ارتياحهم لكون التظاهرة أضحت تحتل مكانة متميزة ضمن لائحة اللقاءات والمواعيد الثقافية العالمية، ويشددون على أن هذا الحدث الثقافي يسعى إلى «تعزيز الإشعاع الثقافي العالمي للمدينة الحمراء وإبراز دور المغرب كفضاء للتبادل الثقافي». مبرزين أن هذه المبادرة الثقافية «نابعة من رغبة وإرادة في الانفتاح على الآخر من أجل تعزيز اللقاءات والتلاقح والتبادل الثقافي». مؤكدين قدرتها على «خلق جسور بين الثقافات وبين مختلف أشكال الفن المعاصر».

ويتضمن برنامج دورة هذه السنة برمجة متنوعة، بمشاركة فنانين محسوبين على جنسيات وثقافات وتوجهات فنية مختلفة. وهي تشكل فرصة لكل فنان مشارك للإجابة، بطريقته الخاصة، على سؤال «أين نحن الآن؟»، وكذا اكتشاف تجارب إبداعية عميقة وقريبة، في الآن ذاته، من الجمهور بجميع فئاته.

ويرأس التظاهرة، بصفة شرفية، أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي، فيما تترأسه مؤسسته فانيسا برانسون، شقيقة رجل الأعمال والملياردير البريطاني، ريتشارد برانسون.

وقالت علياء السبتي، المديرة الفنية للتظاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن السؤال المحرك للتظاهرة (أين نحن الآن؟) يسائل الدورات السابقة على صعيد التقييم، كما ينفتح بالمشاركين على مضمون إبداعاتهم». وشددت السبتي على أن «اختيار أماكن العروض يأتي ليؤكد انفتاح التظاهرة على المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يحتضنها»، مشيرة إلى أن «اختيار برمجة تمتد على خمسة أسابيع يأتي ليمنح المدينة وزوارها فرصا أكبر للمتابعة والمشاركة في فعاليات التظاهرة، وهو شيء أكد جدواه، حتى الآن، من خلال مستوى التجاوب، سواء من طرف المراكشيين أو سياح الداخل والخارج».

وبخصوص الروح التي تحرك التظاهرة، قالت السبتي: «إنها تتمثل في الاشتغال على الجانب المادي واللامادي للشأن الثقافي، وتقاسم وتشارك المعارف بين المشاركين والجمهور الواسع».