لبنان احتفل بعيد الأم من شماله إلى جنوبه

الاحتفالات بـ«ست الحبايب» امتدت لأسابيع عدة قبل المناسبة وبعدها

في مدينة زغرتا أقيم احتفال خاص بمناسبة عيد الأم جمعت فيه الأمهات في مأوى العجزة في كفرياشيت، وأولاد ميتم مار أنطونيوس في بلدة كفرفو.. وفي الإطار ملصق لاحتفال يقام وسط بيروت («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد المعاني التي يحملها عيد الأمهات في لبنان تدور حول نفس الأنماط السطحية التي كانت عليها في الأمس القريب. فلا الهدايا القيمة من جواهر وساعات وعطور وغيرها المبتكرة منها، كعمليات التجميل أو جلسات التدليك، صار في إمكانها أن تتلاءم مع تطلعات جيل اليوم تجاه الرمزية التي يمثلها لهم هذا العيد. ولعل التطورات الأخيرة التي شهدها العالم العربي من سياسية واجتماعية أسهمت بشكل أو بآخر في تغيير مفهوم هذه المناسبة، فأعطتها حيّزا يختلف تماما عما كانت تحمله قبل ثورة الربيع العربي.

فهذا العيد الذي ينتظره اللبنانيون في موعده (21 مارس/ آذار) من كل عام، صار يحتل مساحات كبيرة من روزنامتهم الاجتماعية، بحيث تم التداول به قبل وصوله بأسابيع طويلة، وليختتم بعد فترة منه. فالبرامج التلفزيونية كما المؤسسات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي من «فيسبوك» و«تويتر» و«انستغرام» وغيرها، رفعت راية العيد منذ شهر فبراير (شباط) الماضي. فبعضها تحدث عن أهمية هذا العيد من خلال استضافة أشخاص يواكبون تطلّعات المرأة ومشاكلها معا، وبعضها الآخر دعا إلى الاحتفال به من خلال المشاركة في تظاهرة تطالب بالحد من العنف تجاه المرأة، أو في تجمّع يدعو إلى التسريع في سنّ قانون يحمي وجودها المعنوي ويعطيها حق نقل جنسيتها إلى أبنائها.

هذه اللقاءات إضافة إلى المهرجانات والاحتفالات التي عمّت مختلف المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، شكّلت الملامح الحقيقية للعيد هذه السنة في لبنان. ففي مدينة صيدا الجنوبية أقامت الجامعة اللبنانية احتفالا ثقافيا وفنيا للمناسبة، شارك فيه عدد من طلاب المدارس في المنطقة «مدرسة نزيه البزري الرسمية» و«المدرسة الإنجيلية للبنات»، بمشاركة الفرقة الكوفية للتراث الفلسطيني. أما في بلدة الخيام في منطقة مرجعيون فقد أقيم ريسيتال غنائي بعنوان «عيد الأعياد»، تكريما للأمهات المسنات، برعاية جمعية «نور» للرعاية الصحية والاجتماعية.

وفي مدينة زغرتا، أقامت ريما فرنجية رئيسة جمعية «الميدان» احتفالا خاصا بالمناسبة جمعت فيه الأمهات في مأوى العجزة في كفرياشيت، وأولاد ميتم مار أنطونيوس في بلدة كفرفو (قضاء زغرتا). فكان لقاء بين أمهات أنجبن وأصبحن بعيدات عن أولادهن وبين أطفال فقدوا أمهاتهم رمز الحنان والعاطفة. وتخللت اللقاء مفاجآت وألعاب وهدايا أعادت الابتسامة إلى وجوه المحتفى بهن. أما في مدينة بيروت فقد أقيم أكثر من معرض حرفي ويدوي يعود ريعه إلى الأمهات، كمعرض «الأم والطفل» في حارة حريك، ومعرض «نساء بيروت للحرفيات» الذي أقيم في فندق «الهوليداي إن» وفوروم «حقوق الطفل» الذي نظّمه المركز الكاثوليكي للإعلام في مدرسة الفرير الجميزة.

من ناحيتها، نظمت شركة «سوليدير» احتفالات خاصة بمناسبة عيد الأم، بحيث تحوّلت ساحة العجمي وسط بيروت إلى مسرح متاح أمام الجميع لإهداء «ست الحبايب» الأغنية التي يختارونها، فيغني الابن لوالدته والحفيد لجدته، برفقة الفرقة الموسيقية الموجودة هناك من الخامسة حتى السابعة مساء، مما يشكل رسالة حب تكتب للأم بصوت ولدها. كما في إمكان أي شخص أن يقدم معزوفته أو أغنيته لوالدته في عيدها هذا على آلة موسيقية يحضرها معه خصيصا للمناسبة. ورغبت أسواق بيروت من خلال هذه المبادرة إعطاء زوارها من مختلف الأعمار فرصة التعبير عن محبتهم لأمهاتهم بشكل عفوي يضفي الفرحة والبهجة على قلب الطرفين. ويمتد هذا الاحتفال الذي بدأ في 21 الحالي إلى 23 منه.

وبموازاة هذا الحدث ينظم كل من «سوق الطيب» و«قرية الصيفي» ودائما من وسط بيروت نشاطات تواكب المناسبة. فيعرض الأول منتوجات من المونة اللبنانية المحضّرة من قبل نساء قرويات، كالكشك وماء الزهر ودبس الرمان والقاورما وغيرها، فيما تقدم الثانية وجبات منزلية أطلقت عليها اسم «أكلات أمهاتنا»، وهي كناية عن أطباق محضّرة سلفا من قبل ربات منازل جئن من مختلف المناطق اللبنانية لمشاركة الأمهات في عيدهن. وفي إمكان الأولاد أن يحملوها معهم كهدية يقدمونها لأمهاتهم لتوفير عناء الطبخ عليهن. ومن بين هذه الأطباق المجدرة والكوسا وورق العنب المحشي، والمغربية والملوخية والتبولة وغيرها من الأطباق اللبنانية العريقة.

والمعروف أن شركة «سوليدير» أخذت على عاتقها منذ عام 2010 تنظيم لقاءات واحتفالات خاصة في عيد الأم، تمثلت العام الماضي في ابتكار استوديو تصوير، لأخذ لقطات طريفة ومميزة تجمع الأمهات بأبنائهن كذكرى يحتفظون بها طيلة العمر.

أما الممثلة والمخرجة زينة دكاش فقد أرادت أن يحمل هذا العيد رسالة إنسانية بامتياز تتوجه بها إلى الغرب، وتتمثل في عرض الفيلم السينمائي الذي أعدّته وأخرجته تحت عنوان «يوميات شهرزاد» في لندن، بحيث يشارك في المهرجان البريطاني (Human rights watch) بالتعاون مع المركز العربي البريطاني والمؤسسة البريطانية للمعالجة بالدراما، إذ عرض الفيلم يوم أول من أمس. وأكدت المخرجة لـ«الشرق الأوسط» أن من شأن هذا الفيلم أن يعطي أهل الغرب صورة حقيقية عن واقع النساء السجينات في لبنان، وعن الأسباب التي أوصلتهن إلى خلف القضبان، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع المرأة عامة في بلادنا. ولن تغيب الحفلات الغنائية أيضا عن أجواء العيد هذا العام، بحيث حل المغني الفرنسي هيرفي فيلار ضيفا على اللبنانيين على مدى يومين متتاليين (21 و22) مارس الحالي في كازينو لبنان ليحتفل معهم بعيد الأمهات وبحلول فصل الربيع معا، فيقدم باقة من أغانيه المعروفة وغيرها من الأغاني المعروف بها والتي حفظها جيل كامل من اللبنانيين في أوائل الثمانينات.

يبقى القول إن فرحة الأمهات بهذا العيد لا تكتمل إلا بسماعهن أغنيات «أمي يا ملاكي» بصوت فيروز و«ست الحبايب» للراحلة فايزة أحمد و«أحن إلى خبز أمي» لمارسيل خليفة. فلطالما شكّلت تلك الأغاني ولأجيال متلاحقة من اللبنانيات وأنا واحدة منهن، محطة أساسية من مرحلتي الطفولة والأمومة لديهن. فكما حفظنا هذه الأغاني ونحن أطفال ورددناها لأمهاتنا تعبيرا عن محبتنا لهن، تمسكنا بها كذلك عندما صرنا أمهات لأنها تعبق برائحة أمهاتنا فتذكرنا بذلك الماضي الجميل وبالشعور بالطمأنينة الذي كان يغمرنا في تلك الحقبة. وتقول الجدة عفيفة في هذا الإطار «يا ليتهم يعيدون إلينا برامج ما يطلبه المستمعون في الإذاعات ومحطات التلفزة لتستطيع الأمهات من جيلي، واللاتي لا يعرفن التعامل مع جهاز الحاسوب الآلي والإنترنت، أن تحتفلن بالعيد وهن يستمعن إلى تلك الأغاني بعد ذكر أسمائهن عبر الأثير بصوت المذيعة الراحلة ادفيك شيبوب، فيشعرن وكأنهن امتلكن كنزا لا يفنى».