افتتاح مهرجان «أبوظبي» مع نجم الجاز الأميركي هيربي هانكوك

للمرة الأولى في الخليج العربي أحد أشهر عازفي الطبل العالميين

الفنان حمدان العبري يقدم وصلة الى جانب هيربي هانكوك
TT

افتتاح حافل لـ«مهرجان أبوظبي» الفني، شهده «قصر الإمارات»، أول من أمس (الجمعة)، مع نجم الجاز هيربي هانكوك، الذي بات يُعرف بأنه معلم هذا الفن وألمع وجوهه. جاء هانكوك إلى الإمارات لملاقاة جمهوره محمولا بـ50 سنة من الإصرار على التجديد والتنويع والابتكار، مع فرقته الصغيرة الماهرة التي لكل عضو من أعضائها تاريخه وإنجازاته وتمايزه في ميدانه. حقا إن كل سر هانكوك هو في دقته وهوسه بإحداث المفاجآت الموسيقية لجمهوره، لحظة لا يكون في انتظارها أبدا. وفي أمسيته في أبوظبي، لم يتوقف هانكوك عن هذا النهج، منفردا أحيانا وهو يعزف على البيانو، أو في لعبة ثنائية ذكية مع أحد عازفيه مرات أخرى. صاحبه في الفرقة فيني كولايوتا لاعبا على الدارمز، فأبدع وارتجل وبدا شديد التألق. ليس غريبا، فالرجل أحد أشهر عازفي الطبل على الإطلاق، وحصد 18 جائزة تحت هذا العنوان. ومع هانكوك عازف ثان، لكن على الباص هذه المرة. إنه جيمس جينيوس المعروف بأنه من الأكثر تمايزا في العزف على الباص التقليدي والكهربائي. أما الأبرز ربما، فهو العازف الرابع في الفرقة، ليونيل ليويك على الغيتار. وقد قال عنه هانكوك في بداية السهرة وهو يقدمه للجمهور: «إن أحدا أبدا لا يستطيع أن يغني مثله. وهو ما تأكد منه الحاضرون بالفعل، حين قدم وصلة عزف منفردا على غيتاره، مخرجا آلته من أطوارها المعروفة إلى أماكن وأجواء مغايرة تماما، وحين بدأ يغني تأكد للجمهور أن الأصوات التي يصدرها والألفاظ الغريبة التي يركبها ويخرجها من حنجرة عالية الدربة تجعله فريدا بالفعل. لم يطل ليونيل ليويك العزف والغناء، مفسحا في المجال لعودة الفرقة بكامل عددها تؤدي معزوفاتها، التي بدت في آخر الحفل أكثر تشويقا وتنويعا، متنقلة من الهادئ والحالم إلى الصاخب السريع والمذهل، حيث تجلت بشكل متكرر ومتواصل أحيانا قدرات هانكوك على أداء جمل عزفية تطول وتتشابك حتى ليبدو أنه لا يتعب ولا يشعر بالاكتفاء.

لا يزال هذا السبعيني مليئا بالحيوية والنشاط والحبور، والرغبة في الذهاب إلى ما هو أبعد. ملحن، عازف بيانو، مجدد بكل ما في الكلمة من معنى. حفله في الإمارات يأتي بعد حفله في مهرجانات بعلبك الدولية عام 1998، والقاهرة عام 1991. وها هو يصل إلى أبوظبي، البلد العربي الثالث، والخليجي الأول الذي يحظى بالفوز به.

الجاز، هذا الفن الطالع من أحياء البؤس والفقر والعبودية في نيو أورليانز، يخاطب عند الأميركي بشكل خاص، والغربي عموما، وجدانه واختلاجات ماضيه، وجزءا من ضميره. في العالم العربي، تذوُّق الجاز له معنى آخر. المتعة هنا تأتي من تقدير الأداء وملاحقة المتتابعات الموسيقية والتشوق لاكتشاف متانة العازف وإمكانياته الإبداعية والتجديدية، واكتشاف طرافته. وهنا هانكوك لا يترك مجالا للخيبة أبدا. عزف على البيانو تارة، ونوّع عليه باستخدام الأورغ تارة أخرى، غنى، وبقي أداؤه شديد الظرف، مصرا على ارتجالات أدائية حاذقة.

تمرُّسه في الموسيقى الإلكترونية، وآلات توزيعها، مع معرفته العميقة بالموسيقى الكلاسيكية، جعله قادرا على الخروج من الرتابة، ونقل الجاز إلى مساحات جديدة، مع إدخال الفانك والبلوز. توليفة جعلت هذا المتعدد المواهب، قادرا على تأليف يتجاوز الكلاسيكيات المعهودة.

هذا الحفل الأميركي بامتياز في ضيافة أبوظبي، لم يخل من مشاركة إماراتية شابة. فقد صعد إلى المسرح مغني الجاز الإماراتي، الذي أصبح معروفا بحمدان العبري وقدم أغنية بصحبة الفرقة، وهو ما وجد تشجيعا وتصفيقا من جمهور إماراتي شاب كان يحضر الحفلة. وإشراك الفنانين الإماراتيين، في حفلات المهرجان مع فنانين عالميين كبار، هو نهج يتبعه المهرجان، لمساعدة المواهب المحلية والدفع بها إلى الأمام.

جدير بالذكر أن حفل هيربي هانكوك يأتي احتفاء بالولايات المتحدة الأميركية الدولة ضيف شرف في الدورة الـ11 لمهرجان أبوظبي، التي تجري فعالياتها حاليا، ويستمر البرنامج الرئيس للمهرجان الذي انطلق هذا الشهر في تقديم نجوم من مشارب فنية مختلفة، حيث تتضمن العروض حفلات لكل من السوبرانو العالمية رينيه فليمينغ، وعازف الغيتار الكلاسيكي ميلوش كاراداغليتش، ومسرح الباليه الأميركي، وأوركسترا الاتحاد الأوروبي للشباب، وعروض بيت الفارابي مع ميشال فاضل من لبنان وآخرين، وذلك حتى 31 مارس (آذار). ويصاحب المهرجان معرض تشكيلي للفنان العالمي بيل فونتانا. وقد افتتح المعرض يوم أول من أمس، ويستمر حتى يوم 20 أبريل (نيسان)، تحت عنوان «رؤى صوتية».