أسوان تحتفل بمرور 50 عاما على رحيل «العقاد» وتجدد مجمعه الثقافي

احتفالية كبرى في مسقط رأسه تعيد الاعتبار لصاحب «العبقريات الإسلامية»

سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة يتأمل التمثال مع كوكبة من حضور الاحتفالية
TT

تحت عنوان «خمسون عاما من الحضور المتجدد» احتفلت مدينة أسوان بجنوب مصر بمرور 50 عاما على رحيل ابنها الأديب المصري الشهير عباس العقاد، الذي رحل عن عالمنا في 12 مارس (آذار) عام 1964. وأعادت احتفالية كبرى أقيمت بمسرح قصر ثقافة أسوان الاعتبار للأديب الكبير بعد أن طالت ذكراه الإهمال والنسيان على مدار سنوات عديدة. شهد الاحتفالية اللواء مصطفى يسرى محافظ أسوان والشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعبد العزيز العقاد نيابة عن أسرة العقاد، والناقد الأدبي الدكتور محمود الضبع أمين عام الاحتفالية، ولفيف من الصحافيين والمهتمين والكتاب والشعراء وأبناء المحافظة.

بدأت فعاليات الاحتفالية بإزاحة الستار عن تمثال نصفى للعقاد قام بتصميمه الفنان أحمد عبد العزيز وذلك بمجمع العقاد الثقافي الذي جرى تجديده، ثم نظمت مسيرة ثقافية للحضور حتى قصر ثقافة أسوان موقع الاحتفالية.

وسرد المتحدثون في الاحتفالية كثيرا من المواقف والأحداث الخاصة بحياة وأدب ومواقف العقاد، مؤكدين تأثيره الكبير على التجربة الأدبية المصرية، ومدى ارتباطه بهموم وطنه بشكل عملي على الرغم من أنه شاعر وأديب وفيلسوف، وقد دفع ثمن تلك المواقف، فعاش على حد الكفاف اجتماعيا، وباع مكتبته أكثر من مرة، كما أنه في أواخر حياته كان لا يمتلك ثمن فاتورة الكهرباء.

وقال الدكتور محمود الضبع أمين عام الاحتفالية إن هذه الاحتفالية تأتى لتقف أمام منجز وميراث العقاد على اختلاف حقوله المعرفية، في محاولة لربط الماضي بالحاضر، وتتبع آثاره وتأثيره على الواقع الآني، وبحث امتداد هذا التفاعل خارج حدود القطر المصري، ليس فقط في إطار الثقافة العربية، بل تأثير مؤلفاته ومنجزه الفكري في الثقافة الغربية (ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا)، والشرق الأدنى (اليابان والصين)، مشيرا إلى أن العقاد يعد واحدا من بين أفذاذ قرأوا حاضرهم عربيا وعالميا، ودقوا نواقيس الخطر عبر معالجتهم قضايا تبدو آثارها السلبية اليوم، وعلى الواقع العربي وطرائق تفكيره وموقعه الإنتاجي والحضاري بين الأمم الأخرى.

كما وصف الشاعر سعد عبد الرحمن في كلمته العقاد بأنه جامعة تمشى على قدمين، فقد قرأ في مجالات متنوعة يندهش كثير من الناس عند معرفتها مثل قراءته لكثير من الكتب التي تتعلق بعلم الحشرات، وأكد على أن الاحتفال بعباس محمود العقاد هو احتفال بمجموعة من القيم التي يجب تعهدها بالرعاية وزرعها في نفوس النشء، كما شبهه بـ«الخبيئة الأثرية التي كلما كُشف جانب منها، نعرف أننا عثرنا على كنز». وأكد عبد الرحمن أن هناك كثيرا من الجوانب في حياة العقاد تحتاج إلى جهد الباحثين للكشف عنها، متمنيا أن تتحول الاحتفالية للقاء دولي يشارك فيه كتاب عرب وأجانب.

ورحب اللواء مصطفى يسري محافظ أسوان بالضيوف في رحاب المحافظة صاحبة التاريخ والحضارة والفنون، مؤكدا على شجاعة العقاد التي كان لها أكبر الأثر في الواقع السياسي من خلال معارك فكرية للتأكيد على الحرية، مشيرا إلى «أننا في هذه المرحلة الفارقة في أمس الحاجة إلى التعمق في كتاباته للتأكيد على روح المواطنة والتماسك أمام الإرهاب».

وأهدت هيئة قصور الثقافة درع العقاد إضافة لدرع المحافظة إلى أسرة العقاد، كما كرمت الاحتفالية الفائزين من الأطفال في مسابقة ثقافية اتخذت من أدب العقاد محورا لها. وعاش الحضور مع صوت العقاد عبر لقاء تلفزيوني أجري معه بعنوان: «حكايات مجهولة يرويها العقاد»، أعقبها تقديم العرض المسرحي «قمبيز» من تأليف أمير الشعراء أحمد شوقي.

ولد العقاد بأسوان في 28 يونيو (حزيران) 1889، لأم من أصول كردية وأب مصري، واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية، ليس بالعلوم العربية فقط، وإنما العلوم الغربية أيضا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين على محافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة.

اشتغل العقاد بوظائف كثيرة في المديريات والمصالح الحكومية؛ منها مصلحة التلغراف، ومصلحة السكة الحديد، وديوان الأوقاف، واستقال منها جميعا وتفرغ للكتابة والعيش من عرق قلمه.. ولم يتزوج، وظل وحيدا طيلة حياته. وكان صالونه الأدبي من أشهر الصالونات في القاهرة في خمسينات وستينات القرن الماضي.

وفي القاهرة أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري «مدرسة الديوان». وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. وكتب الشعر والنقد والسيرة الأدبية، كما كتب في الفلسفة والدين وعلم الاجتماع. ودافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا وعلميا، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية، وكتب عن المرأة كتابا عميقا فلسفيا اسمه «هذه الشجرة» عرض فيه لطبيعة المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته في الجمال.

ومن أشهر كتبه سلسلة العبقريات الإسلامية ومنها: «عبقرية محمد» و«عبقرية الصديق»، «عبقرية خالد». وفي معرض حديثه عن الجمال يقول العقاد: «إن الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره، ولكنه إذا رأى شيئا جميلا تنشرح نفسه ويطرد خاطره. إذن فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذي يخرج بسلاسة من الحنجرة ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه إذا جرى وتحرك يصبح صافيا عذبا. والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرا فلا تشعر أن عضوا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد». ودافع العقاد في كتبه عن اللغة العربية، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما خاض كثيرا من المعارك الأدبية؛ من أشهرها معاركه مع عبد الرحمن الرافعي حول معجزة القرآن، ومع طه حسين حول أبي العلاء المعري، ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، حول الشعر الجديد.