عداء هندي تقاعد عن المشاركة في سباقات الماراثون بعدما تعدى المائة

سينغ بدأ العدو وهو في الـ89 من عمره وحطم أرقاما قياسيا عالمية

سينغ خلال أحد السباقات التي كان يشارك فيها
TT

بلغ العام الثالث بعد المائة من عمره ولا يزال يمشي كل يوم بنشاط مارا بحقول القمح والخردل وأسياج شجر الحور وبساتين المانجو في قريته في ولاية البنجاب بالهند. فوجا سينغ، أكبر عدائي الماراثون سنا في العالم، تقاعد العام الماضي فقط عن العدو التنافسي الاحترافي. وكان آخر سباق له هو ماراثون هونغ كونغ وطوله 10 كيلومترات.

شارك سينغ في أكثر من اثني عشر سباقا، وحطم اثني عشر رقما قياسيا أوروبيا وعالميا وخاصا بدول الكومنولث، محققا أرقاما جديدة بالنسبة لفئة عمره. كما زاحم سينغ المشاهير من أبطال كرة القدم مثل ديفيد بيكام، وأبطال الملاكمة مثل محمد علي كلاي، كسفير للعلامات التجارية ورجل ملصقات رائدة لشركات الأحذية الرياضية مثل «أديداس» في حملاتها الدعائية العالمية. كما نشرت صورته في لوحة إعلانية في العاصمة البريطانية لندن. وكان فوجا من بين حملة الشعلة الأولمبية في دورة الألعاب الأولمبية بأثينا عام 2004، وحمل الشعلة كذلك في دورة لندن عام 2012. وكان ضيف شرف خاصا للرئيس الباكستاني السابق بيرويز مشرف، كما تناول الشاي مع الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا التي أرسلت له برقية تهنئة بمناسبة عيد ميلاده المائة. وقال عنها «دعتني مرتين للسلام عليها، وهي امرأة قوية».

وعند سؤاله حول شعوره إزاء ما يحظى به من اهتمام قال فوجا «يشعرني ذلك بالسعادة، فكبار السن كالأطفال يحبون الاهتمام». إلا أنه وعلى الرغم من الاهتمام العالمي الذي يحظى به، فقد واجه هجمات عنصرية أيضا. ويحكي كيف تعرض للسخرية العنصرية في نيويورك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عندما كان يشارك في سباق ماراثون هناك. إذ ناداه البعض بأسامة بن لادن، وصاح البعض «انظروا إلى صدام»، وذلك بسبب لحيته المرسلة وعمامته.

وتذكر سينغ، وهو يكشف عن الجانب المرح من شخصيته ويبتسم ابتسامة ماكرة، كيف أرادت شقراوات لندن معرفة سحر ساقيه الدقيقتين. وقال إنهن كن يسألنه كيف يعتني بهما. كان من الصعب عليهن تصديق أن يستطيع رجل بلغ المائة من عمره جري سباقات الماراثون هذا. ويقول إنه يدلك ساقيه بالزيت كل يوم.

إن لم يدهشك كل ما سبق فقد يدهشك أن سينغ، المولود عام 1911، بدأ العدو عندما بلغ من العمر 89 سنة. وولد سينغ ضعيفا بساقين واهنتين، ولم يمش حتى سن الخامسة، ولم يشتد عوده حتى سن الخامسة عشرة. وعندما كان أقرانه يلعبون كان يمشي وهو يعرج ويرقبهم. ويتذكر كيف كانت ساقه اليسرى طويلة وضعيفة، وكيف كان يسخر منه أصدقاؤه الذين يلقبونه بالعصا «داندا». ولا يزال سينغ يسكن في البيت ذاته الذي أعيد بناؤه عدة مرات منذ عام 1911 ويقف بلحيته الفضية التي تعصف بها الريح تحت أشعة الشمس الحادة التي تتخلل السحب السوداء.

ويتحدث سينغ بأمل وإيجابية عن مهنته كعداء محترف وعن حياته الشخصية. وهو بصحة جيدة، فذهنه متقد وبصره حاد ويخلو صوته من الرعشة وسمعه ممتاز. ويبدو كطفل متشوق لحكاية قصة. وعندما سألته عن سر طاقته الصاعقة قال وهو يضحك ضحكة مكتومة «أبقي على ذهني نقيا وأحاول أن أكون سعيدا من الداخل». وعاش سينغ حتى التسعينات عيشة طيبة مع زوجته وابنه في قريته بالهند. ويقول مبتسما «فقدت زوجتي عام 1992 واعتقدت أن نهايتي دنت بالتأكيد». ولكن بعد ذلك بعامين تعرض سينغ لحادث بشع عندما كان يصلح وابنه قناة ري لمبنى خارجي بجوار مزرعتهم وهبت عاصفة. وعند عودتهما مسرعين إلى بيتهما أطاحت العاصفة بسقف البيت الخارجي المعدني وسقط على ابنه فاصلا رأسه عن جسده أمام عيني سينغ. وصدم سينغ وبدأ يفقد عقله. كان لا يتحدث لأيام ويهيم بلا هدف حول القرية ليل نهار وهو يبكي. وعند نهاية عام 1994 انتقل ليعيش مع ابنه الأكبر في لندن. وأخذ يعدو ليلهي نفسه عن حزنه وقلق حياته الشخصية وعندها أدرك مقدرته. ويقول «وجدت العطف في الجري، وأعادني إلى حياتي، وجعلني أنسى أحزاني وآلامي».

وجرى سينغ أول سباق له عام 2000 وهو ماراثون لندن. وفي 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 كان سينغ أول عداء في المائة من عمره يكمل سباق ماراثون تورونتو ووترفرونت في (ثماني ساعات و25 دقيقة و16 ثانية)، تاركا الكثيرين من المتنافسين الشباب خلفه. ودخل الأرقام القياسية لأول مرة عام 2003 عندما أكمل سباق تورونتو في (خمس ساعات و40 دقيقة وثانية واحدة). وأصبحت محاولة الرجل المئوي الناجحة خبرا عالميا. ومن المثير أن الأطباء يفحصون دائما ساقيه لمعرفة سر مقدرتهما على الجري في هذا العمر. وأشارت الفحوصات إلى أن عظامه في مستوى عظام رجل في الخامسة والثلاثين من عمره. وعندما كان في التاسعة والتسعين كانت نتائج فحوصاته تماثل نتائج شخص في الأربعين من عمره. ويعزو سينغ لياقته البدنية غير العادية وطول عمره إلى امتناعه عن التدخين والكحول واعتماده على نظام غذائي نباتي بسيط وشاي الزنجبيل. وهو نباتي متشدد وظهر في حملة لمجموعة حقوق الحيوان «بيت» عام 2012.

إنه قصة حية، إذ شهد الحربين العالميتين والاختراعات العلمية والطبية الأولى في القرن العشرين. وانتقلت العاصمة الإمبراطورية البريطانية من كلكتا إلى دلهي في السنة التي ولد فيها سينغ، وتوج الملك جورج الخامس جد الملكة إليزابيث الثانية إمبراطورا للهند. إنه آلة زمن، وكيفية تغير العالم منذ مولده عبارة عن كتاب مدهش من الأحداث والاختراعات والاكتشافات، مثل البنسلين والصلب وموجات الراديو المتوسطة والمجهر الإلكتروني وغيرها. ويتبرع سينغ بكل ما يربحه للجمعيات الخيرية. وولعه الوحيد هو شراء أحدث البذلات والأحذية، وهو يبحث دائما عن الأحدث والأفضل منها.

وتجدر الإشارة إلى أن سينغ لم يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بسبب فشله في إبراز شهادة ميلاد. وأشار الكاتب الهندي خوشوانت سينغ، الذي كتب سيرته «عاصفة التورنيدو ذي العمامة» إلى أن موسوعة غينيس كانت متحيزة. وأخيرا عندما سئل متى سيتوقف عن العدو قال «عندما أموت».