المسرحية الموسيقية «زنود الست» كوميديا نسائية لسيدة لها وجوه عدة

«امرأة لوحدها» لصاحب جائزة نوبل داريو فو تلهم عملين لبنانيين

TT

على خشبة «مسرح مونو» في بيروت، تقف يوميا الممثلات اللبنانيات الثلاث: مروة خليل، وفاء حلاوي وباتريسيا نمور، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على تدريباتهن لمسرحية «زنود الست» التي ستفتتح في الخامس عشر من الجاري. كل من الممثلات الثلاث لها دورها في العمل، لكنهن في الحقيقة لسن سوى شخصيات ووجوه متعددة لسيدة واحدة هي أمل، بطلة المسرحية ومحور موضوعها. أمل «ست بيت» سعيدة بزواجها، وكونها ربة منزل، وانتظارها لزوجها، وهي تحضر له الأطباق التي يشتهيها، وتفانيها من أجل أولادها، تحكي لجارتها - التي لن نراها أبدا، ولا نعرف إن كانت موجودة أم من صنع خيال أمل - حكاياها وقصصها، تغني.. ترقص، وهي تقوم بمهماتها التي كتبت لها من قبل أن تولد.

«ميوزيكال» أو «نصف ميوزيكال»، يقدم سيرة امرأة عادية جدا، لا شيء استثنائيا في حياتها. قد تكون أما لأي أحد منا أو أخته أو جارته، وربما هي أي امرأة في صالة العرض بكل بساطة. ميزة العمل أنه يحاول أن يقرأ ما يدور في رأس هذه المرأة، ذات النموذج المتكرر، هل هي سعيدة حقا؟ هل اختارت ما تعيشه بالفعل؟ وهل هي راضية عما تحياه؟ «بعيدا عن الدروس الأخلاقية، والأفكار المسبقة، نحاول أن نستشف ما يختلج في دواخل هذه المرأة». تقول مروة خليل التي تقوم بتمثيل أحد الأدوار وكتبت المسرحية وأنتجتها بالشراكة مع الممثلة الثانية فيها وفاء حلاوي. «هذا نمط نسائي نعايشه، نحبه، لكننا ننتقده أيضا. لهذا نحن بحاجة لأن نتعرف إليه أكثر، نسأل أنفسنا ماذا يحدث بعد فرحة الفستان الأبيض وتحقق حلم الزواج والإنجاب؟».

مروة من المهتمات بقضايا المرأة والناشطات في هذا المجال، مثلت في مسرحية «من قتل مارلين» و«عرس زهوة» للمخرجة لارا قانصو، التي وضعت على المسرح من وحي قصة حقيقية لامرأة غدر بها. في البدء خطر لها أن تكتب شيئا «عن ربة المنزل اللبنانية، التي تجلس بين أربعة حيطان»، كما تقول، وكانت بنت في رأسها التابلوهات الأولى، عرضت الفكرة على وفاء حلاوي، الناشطة بدورها مع جمعيات نسائية، ولها أفلام قصيرة حول المرأة، وهكذا بدأتا بالكتابة معا.

«زنود الست» عرض يغلب عليه الطابع الكوميدي، خلال ساعة وثلث الساعة، يتابع حياة وفاء ووجوهها المتعددة، الوجه الساذج، المستسلم، الثوري، الحالم. «بدأنا من النهاية» تشرح مروة، من حيث تنتهي القصص مثل سندريلا وأميرها الذي تعثر عليه، لذلك نرى وأمل تجوب في بيتها سعيدة، رقصا وغناء حيا وحيويا، الموسيقى بعضها معروف، وضعت له كلمات خاصة بالعمل من قبل مخرج «زنود الست» شادي الزين، فيما الموسيقى الخاصة وضعتها جنى صالح، لكن الغناء والرقص يخفت تدريجيا، مع تصاعد إحساس أمل بثقل يومياتها، واستدراكها لمدى الفراغ الذي تدور فيه.

مسرحية نسائية بامتياز، كل عناصرها نسائية باستثناء مخرجها شادي الزين ومصمم السينوغرافيا هنري الدقاق. مستوحاة من عملين أدبيين «امرأة لوحدها» لداريو فو، و«جلد إليزا» للكاتبة الكندية كارول فرشت.

وفاء حلاوي كاتبة المسرحية وممثلة والشريكة مع مروة خليل في إنتاجها، لا تريد أن تربط مباشرة بين موجة العنف الأسري التي تتصاعد في لبنان وهذا العمل، تقول: «نحن نعمل على هذه المسرحية منذ ما يقارب السنة، مدة حصلت خلالها تطورات كثيرة فيما يخص أحوال المرأة، وإقرار قانون العنف الأسري في المجلس النيابي اللبناني، ووقوع الكثير من الجرائم المروعة، في النهاية الفن يؤثر ويتأثر، وظني أن هناك تغييرات في أسلوب المرأة في التفكير والحياة تتجاوز لبنان إلى العالم كله». وتضيف وفاء: «صحيح أن المرأة هي التي تختار أن تكون ربة منزل، أن تتزوج، وأن تتوقف عن العمل، وأن تنجب أولادا وتعطيهم من ذاتها، قد تكون كلها خيارات حرة بالكامل، ولكن ربما أن المرأة تسير في هذا الدرب، الذي تظن أنها ستجد فيه سعادتها، أو أنها تقوم باختياراتها تلك بطريقة تقليدية، من دون كثير تفكير، لتنتهي إلى خلاصات ربما تختلف عن تصوراتها عن النتائج في البداية».

وربما أن اللافت في الأمر أن «مسرح مونو»، أي مكان عرض مسرحية «زنود الست»، شهد أمس افتتاح مسرحية أخرى ذات موضوع نسائي ومستوحى أيضا عن عمل داريو فو وزوجته فرانكا راما الذي يحمل اسم «امرأة لوحدها». وتعرض المسرحية تحت عنوان «مرا لوحدا» من إخراج شادي الهبر وإعداد وتمثيل خلود ناصر. وهذا النص الذي تستلهمه مسرحيتان لبنانيتان تقدمان بشكل متتال على خشبة واحدة، بمحض الصدفة ومن دون أي تنسيق، أبصر النور في إيطاليا عام 1977، وأصبح، على الأرجح، مصدر إلهام للمسرحيين اللبنانيين، بسبب تصاعد وتيرة العنف داخل المنازل.