«رجعت الشتوية» في لبنان بعدما ودعها الناس وارتادوا شواطئ البحر

أمطار غزيرة وسيول رافقت «العودة المفاجئة» فروت السهول والحقول الزراعية

امطار غزيرة هطلت على بيروت
TT

استيقظ اللبنانيون، منذ يومين، على مشهد شتوي بامتياز في عزّ الربيع.

فبعد أن ودّع المواطنون الشتاء، ووضعوا ألبستهم الشتوية في أدراج خزائنهم العالية بعيدا عن متناول اليد، جهزوا عدّة السباحة وارتادوا الشواطئ واكتسبوا اللون البرونزي واستلقوا تحت أشعة الشمس الحامية، جاءهم الشتاء وكأنه في بداياته.

فصل الشتاء الرجعي الذي شهده لبنان، اصطحب معه أمطارا غزيرة وانخفاضا بدرجات الحرارة وسيولا عمّت مختلف مناطقه، فتسبب بزحمة سير خانقة في بيروت وضواحيها.

ويؤكّد رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في المطار المدني في بيروت مارك وهيبة لـ«الشرق الأوسط»، أن موجة الأمطار التي شهدها لبنان مؤخرا وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية هي مترقبة ولا تشكّل جديدا في تقلّبات الطقس. وأضاف: «لم يحظ لبنان بفضل هذه الأمطار الغزيرة بالتعويضات المائية التي ينتظرها، فهي بالكاد استطاعت أن تضيف على المنسوب العام لمياه الأمطار نسبة 40 مليمترا، مما جعل المستوى العام لمنسوب الأمطار يرتفع قليلا ليشكّل حاليا ما هو مجموعه 460 مليمترا أي 55 في المائة من مستوى المنسوب الطبيعي لمياه الأمطار في لبنان الذي يبلغ عادة 800 مليمتر».

وأشار وهيبة إلى أن مع هذه الأمطار يكون مبدئيا قد أسدل الستار نهائيا على فصل الشتاء في لبنان، وأن ما قد نشهده في الأيام المقبلة قد لا يتعدّى الأمطار الخفيفة. وكانت موجة أمطار غزيرة ومتواصلة تسببت بسيول وفيضانات أدت إلى حصول انجرافات في التربة، ولا سيما في بعض مناطق البقاع الشمالي الذي شهد هطول أمطار غزيرة من دون انقطاع، ما أدى إلى تدفق كبير للأنهار والمجاري المائية والسيول التي فاضت على الطرق وأعاقت حركة السير، وشكلت صعوبة عند الأهالي في الوصول إلى منازلهم، عدا ما سببته هذه الأمطار من فيضانات على الطرق الرئيسية في بقية المناطق اللبنانية، ولا سيما في بيروت والجنوب.

وعدّ مارك وهيبة أن العوامل الإيجابية التي شكّلتها هذه الأمطار غلبت السلبية منها فأنعشت منطقة البقاع وروت السهول والحقول الزراعية العطشى، التي ارتوت بأكثر من 50 مليمترا من المياه التي هطلت بغزارة غير مسبوقة في ساعات قليلة وروت كل حقول البطاطا والقمح والحبوب وبساتين الأشجار المثمرة، في ظلّ عدم وجود مخزون ري كاف لها يعاني منه المزارعون بسبب قلّة أمطار فصل الشتاء الفائت، وخاصة في بلدات الفاكهة والقاع ورأس بعلبك.

ولعلّ ارتفاع درجات الحرارة المبكرة في مواعيدها وتقابلها مع موجة باردة أديا إلى هذه الموجة من الأمطار الغزيرة التي حملت فوائد كبيرة على المزروعات والحقول مما انعكس إيجابا على المياه الجوفية ولو لفترة أيام.

وأدّت السيول الجارفة التي اجتاحت منطقة البقاع الشمالي، إلى أضرار مادية متوسطة في المزروعات، وفي الثروة السمكية على ضفاف العاصي.

وكانت الأمطار الغزيرة التي تساقطت مؤخرا على جبال السلسلة الشرقية في البقاع الشمالي قد تحولت إلى سيول جارفة وصلت منطقة الهرمل وبالتحديد في مجرى نهر العاصي الذي يغذي عشرات أحواض تربية السمك المنتشرة على ضفتيه.

وغمرت المياه بعض الأراضي الزراعية على أطراف بلدة القاع ودخلت إلى عدد من المحلات التجارية والمنازل، وأدت إلى اقتلاع أشجار مثمرة. واجتاحت المياه الموحلة أيضا خيم عدد من النازحين السوريين في مشاريع القاع وعرسال والهرمل. ٍأما أكبر المتضررين من هذه الكارثة الطبيعية فهم مزارعو تربية الأسماك المنتشرون على ضفاف نهر العاصي في منطقة الهرمل، التي يبلغ عددها نحو 120 مزرعة. فقد امتزجت السيول المحمّلة بالوحول والأتربة ودخلت أحواض تربية الأسماك، ما أدّى إلى نفوق كميات كبيرة منها بسبب عدم تمكنها من التنفس جراء انقطاع الأكسجين في المياه الموحلة. بعض اللبنانيين أكدوا أنهم كانوا ينتظرون هذه العاصفة وفقا لمستقرضات «الروم» كما يسمونها عجائز القرى اللبنانية، فيما أشارت شريحة أخرى إلى أن المثل الفرنسي القائل «لا تتخلّى عن الألبسة الشتوية قبل نهاية شهر أبريل (نيسان) »(ne quittez pas un fil avant la fin d»avril) لم يصحّ هذا العام في لبنان.

وأكدت اوجيني خوري وهي سيدة في العقد السابع من عمرها لـ«الشرق الأوسط» أنها تعلّمت من والدتها أن فصل الشتاء يصبح بحكم المنتهي في لبنان بعد الخامس والعشرين من شهر مايو (أيار)، وأنها قبيل ذلك تحتفظ بالألبسة الشتوية وبالسجاد ليغطي أرض منزلها.

أما الشباب اللبناني فاعد هذه الموجة العابرة من الشتاء مجرّد تغيير عادي في الطقس لم يدفعهم إلى العودة للألبسة الصوفية لأن درجات الحرارة بقيت مرتفعة إلى حدّ ما على الساحل (20 درجة)، وأنهم يستعدون لارتياد شواطئ البحر من جديد في نهاية الأسبوع كون الحرارة سترتفع من جديد إلى 25 درجة.