بغداد تودع آخر عمالقة الفن التشكيلي العراقي نوري الراوي

من أبرز رواد الحركة الفنية العراقية وأحد مؤسسي جمعيتها عام 1956

الراوي (يمين) مع مجموعة من الفنانين العراقيين أمام أحد أعماله
TT

شيعت أوساط فنية وثقافية وأكاديمية في العاصمة العراقية بغداد، يوم الأربعاء جثمان الفنان التشكيلي الرائد نوري الراوي الذي توفي عن عمر ناهز الـ89 عاما، بعد أزمات صحية متتالية ألمت به خلال السنوات الماضية.

حفلت مسيرة الراوي بكثير من الإنجازات الفنية والثقافية، وهو من مواليد قرية راوة عام 1925، ويعد من أبرز رواد الفن التشكيلي في العراق، وقد ساهم في تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين عام 1956، والمتحف الوطني للفن الحديث المعروف بمتحف «كولبنكيان»، ومتحف «الرواد» ومتحف «فائق حسن» ومتحف «الإبداع العراقي».

تخرج في دار المعلمين عام 1941، ومن معهد الفنون الجميلة - بجامعة بغداد عام 1959. وأصبح رئيسا لجمعية التشكيليين العراقيين وقدم برامج في الفن التشكيلي لنحو ثلاثين عاما (1957 - 1987)، وأصبح عضو اللجنة العليا لمهرجان بغداد العالمي التشكيلي (1986 - 1994).

عن خسارته ورحيله، تقول الفنانة التشكيلية عشتار جميل حمودي: «الراوي أحد فنانينا الكبار، أثر في وفي آخرين مع بداياتنا الفنية وتعلمت منه الكثير، وكنت كلما نظرت للوحاته، أشعر أني أعيش حلمي الجميل، كان من أعز أصدقاء والدي جميل حمودي، ولقاءاتهم في بيتنا ما زالت مطبوعة في الذاكرة.. وأحاديث لا تنسى عن الفن والجمال والأدب والثقافة، ما زلت أقول وأنا أشهد مراسم تشييعه إنه الفنان الذي لا يموت لأن أعماله ستبقى تحكي قصة الفن الجميل لأجيال وأجيال قادمة».

حاول الفنان قاسم سبتي، رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، تحمل غصة اعتصرت قلبه وسكبت دموعه لرحيل الراوي في أول ساعات تشييعه، الذي انطلق من باحة الجمعية في منطقة المنصور وسط بغداد.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هو آخر عمالقة الفن العراقي، وأحد أهم رواده، ولولاه لما وصل الفن التشكيلي العراقي إلى ما وصل له من مكانة وأهمية وحضور في المشهد الثقافي العربي والعالمي».

صدرت للراوي الكثير من المطبوعات وأقام العشرات من المعارض، امتاز بحيوية ونشاط بشكل مميز عن كل مجايليه من الفنانين وكان يمتاز بالمبادرات التي تمكن الجمعية من تطوير عملها.

وأكد سبتي: «لم يكن الراوي فنانا تقليديا، بل كان إنسانا من طراز خاص فهوايته مساعدة الآخرين خصوصا في مجال التعريف بالفنانين الجدد وتشجيعهم والكتابة عن معارضهم. عمل الراوي في بواكير السينما العراقية وهو صاحب أول برنامج تشكيلي في الوطن العربي، وإن كانت شخصيته قد غادرتنا اليوم، لكن بصماته شاخصة وكلنا مدينون له ولعل أهم ما قام به قبل رحيله هو إهداؤه لأرشيفه الفني التشكيلي، الذي يمتد إلى أربعينات القرن المنصرم، إلى وزارة الثقافة، وكان المرحوم قد اقترح وقتها أن تتولى منظمة اليونسكو اقتناء أعماله الفنية لتكون متحفا فيما بعد وللحفاظ عليها لكن المقترح لم ير النور لأسباب فنية، وبقيت أعماله في بيته وابنته سحر التي تولت العناية بأبيها في سنوات مرضه الأخيرة».

قاسم سبتي تمنى في حديثه أن تكون وزارة الثقافة هي الجهة التي تتولى الحفاظ على مقتنيات الفنان نوري الراوي بطريقة تخدم الحركة التشكيلية في البلاد، ويكون مرجعا مهما للطلبة لكن الفكرة لم تتحقق في حياة الراوي.

ويقول الفنان العراقي فيصل الياسري: «وداعا نوري الراوي، الفنان الكبير، شيخ التشكيليين، الصديق القديم. ما زلت أذكر ذلك التاريخ من عام 1959 حيث اشتركنا في برنامج (نافذة على الفن) لتلفزيون بغداد. أنت معد ومقدم وأنا مخرج. وكان علينا أن نتقن العمل فهو مباشر على الهواء. فلم يكن آنذاك تسجيل لبرامج التلفزيون».

وتمنى الياسري استذكار وتثمين مبادرة الراوي لإهداء المتحف العراقي جميع أعماله ومقتنياته الفنية ومراسلاته وآثاره المطبوعة وبحوثه وأرشيفه، الذي يعد أهم وأكبر أرشيف للفن العراقي منذ بداية الخمسينات وحتى اليوم.

يذكر أن الراوي نظم معارض شخصية عدة، وأقام في عام 1978 معرضا في لندن، وعام 1983 في بغداد، وفي عام 1984 أقام معرضا في المجر، فضلا عن الأردن، وباريس، وأميركا، والبحرين.

صدر له، عدة كتب منها «تأملات في الفن العراقي الحديث» (1962) و«المدخل إلى الفلكلور العراقي (1962)، و«جواد سليم» (1963)، و«الفن الألماني الحديث» (1965)، و«العراق في كرافيك» 1966، و«منعم فرات نحات فطري» (1975)، و«اللون في العلم والفن والحياة» (1986) و«متحف الحقيقة ومتحف الخيال» (1998)، و«تأملات في الفن العراقي الحديث» (1999).

مارس الكتابة في الفن والأدب والنقد الفني وزاول النشر في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية وتولى سكرتارية تحرير مجلة «العراق الجديد» ومجلة «الرواق» 1937.