التطبيب عن بعد في المنطقة العربية: تحديات وفرص

الاستفادة من المنصة الثالثة للمعلوماتية والاتصالات في تطوير شؤون الرعاية الصحية في الشرق الأوسط

TT

يمثل نقص الموارد البشرية المؤهلة وأصحاب المهارات الكافية مشكلة حقيقية لدى مختلف المعنيين بالصحة الإلكترونية في أرجاء الشرق الأوسط، وفي ضوء هذه التحديات، يعمل المسؤولون عن الرعاية الصحية على تكثيف جهودهم للاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات، للتخلص من العقبات أمام توفير الرعاية الصحية للجميع، من خلال اعتماد تقنيات التطبيب عن بعد، والصحة المتنقلة، ونظم المعلومات السريرية التي يمكنها المساعدة في إدارة الأمراض عن بعد، وتطوير تبادل البيانات والتعاون بين الوكالات الصحية، ما يرفع كفاءة قوة العمل، ويساهم في النهاية بتوسيع تغطية خدمات الرعاية الصحية المناسبة لأكبر عدد ممكن من السكان.

وتحدثت «الشرق الأوسط» مع «نينو غيغواشفيلي»، الطبيب والمختص بالصحة العامة والشؤون العامة، ومحلل أول في قسم أبحاث التوجهات الصحية لدى شركة «آي دي سي» لأبحاث الأسواق، الذي أبدى رأيه في هذا المجال المهم، وخصوصا فيما يتعلق بالمنطقة العربية. ويرى المختص أنه من المتوقع أن تتزايد الاستثمارات في الرعاية الصحية الإلكترونية، خاصة في مجالات استعادة النظم بعد الكوارث، وفي نظم الحفظ والنسخ الاحتياطيين، وهو ما شجع عليه تطبيق نظم أرشفة الصور والاتصالات PACS. وسيمثل أمن الشبكات مصدر قلق خاص لمقدمي الرعاية الصحية في الأسواق الرئيسة، مثل المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث يُتوقع أن تقتحم التقنيات المحمولة أسواق الرعاية الصحية فيها بشكل تدريجي.

تحديات تواجه تطوير الرعاية الصحية المتنقلة وتشجع عدة عوامل على الاستثمار في تطوير نظم الأمن لدى مؤسسات الرعاية الصحية، ومع توجه مقدمي هذه الخدمات نحو تحويل معلومات المرضى إلى الهيئة الرقمية (بما فيها السجلات الطبية والصور التشخيصية)، فإنهم يواجهون تحديات متزايدة لضمان أمن البيانات الحساسة. وفي ظل عدم التطور نسبيا للأطر التشريعية المرتبطة بحماية بيانات المرضى في المنطقة، فإن ضمان أمن هذه البيانات يحتل أهمية قصوى لدى مسؤولي المعلوماتية في مجال الرعاية الصحية، خصوصا في أسواق الشرق الأوسط الأكثر تقدما.

ويستلزم توسيع شبكات تقديم الرعاية الصحية، ومبادرات المعلوماتية، والاتصالات الوطنية، استثمارات كبيرة في مشاريع تحديث البنية التحتية المعلوماتية في معظم أسواق الرعاية الصحية. وتمثل مشكلات عدم توافر الاتصالات للمرضى على نطاق واسع، ونقص البنى التحتية الأساسية في مجالي المعلوماتية والاتصالات في كثيرٍ من منشآت الرعاية الصحية، تحديا رئيسا أمام تنفيذ مبادرات الصحة الإلكترونية على الصعيدين: الوطني، والإقليمي. وفي المملكة العربية السعودية، تأخر تنفيذ برامج وطنية لنظم المعلومات الصحية HIS ولنظم أرشفة الصور والاتصالات PACS بشكل ملحوظ نتيجة عدم تطور البنية التحتية للشبكات، خاصة في المستشفيات والمنشآت الصحية الصغيرة في المناطق النائية.

استثمارات ضخمة وأهداف إنسانية وخلال العام 2014، ستشهد أبرز أسواق الشرق الأوسط استثمارات ضخمة في مبادرات تشييد البنى التحتية المعلوماتية وتحديثها، وتظهر تقارير التوجهات الصحية الصادرة عن شركة «آي دي سي» أنه، وبعد الاستثمار في مجال الأمن، ستهيمن إصلاحات البنى التحتية على أولويات الاستثمارات المعلوماتية لدى مزودي الخدمات الصحية في أسواق الرعاية الصحية الرئيسة في الشرق الأوسط، وسيرتبط جزء لا بأس به من استثمارات البنية التحتية المعلوماتية في هذه الأسواق بتركيب النظم في المنشآت والمرافق القائمة أو بتحديثها، كما تشير الدراسات إلى وجود ارتباط قوي بين خطط الاستثمار في البنى التحتية ورغبة المستشفيات في زيادة رضا المرضى عن خدماتها.

وتبرز مبادرات التطبيب عن بعد في محاولة لتخفيف التمايز في القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية، ولتوسيع تغطية المجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر والأقل تلقيا للخدمات. وبينما تتفاوت أنماط المرض إلى حد كبير داخل بلدان الخليج الأكثر غنى، تتعاظم فرص استخدام خدمات التطبيب عن بعد في المنطقة ككل، بفضل الحاجة إلى توسيع القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة لتشمل عددا أكبر من السكان، ولتخفيف المشكلات المرتبطة بصعوبة التنقل في المجتمعات الموجودة في المناطق النائية أو الأقل تلقيا للخدمات، وهو ما يمثل إشكالية خاصة في دولة كبيرة مثل المملكة العربية السعودية.

وفيما يتصل بتوافر الموارد الصحية الكافية، يمكن أن يمثل ضعف القدرة البدنية على الوصول إلى الخدمات الطبية المطلوبة حاجزا فعليا أمام بعض الشرائح السكانية المعرضة للخطر، مثل كبار السن والمرضى المزمنين، وفي هذه الحالات، تكون خدمات التطبيب عن بعد، بما فيها حلول مراقبة المريض عن بعد RPM فعالة وكافية.

وفي ظل الأهمية المتزايدة التي تحظى بها إدارة الأمراض المزمنة، تصبح التقنيات المحمولة إضافة قيّمة لخدمات التطبيب عن بعد، على الرغم من الاختفاء المتسارع للحدود الفاصلة بين التطبيب عن بعد والصحة المتنقلة. وفي الحقيقة، يتوقع خبراء «آي دي سي» أن تحظى حلول الصحة المتنقلة بمزيد من الاهتمام، سواء فيما يتعلق بمجال التطبيب عن بعد أو بعيدا عنه، وذلك في ظل الانتشار المتزايد للخدمات القائمة على الأجهزة المحمولة. وسنشهد كذلك زيادة في الطلب على خدمات المراقبة عن بعد، والتي قد تدمج نظم الصحة المتنقلة، والتطبيب عن بعد، لإتاحة مراقبة المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة من خلال الأجهزة المحمولة.

وتتجاوز الفرص التي توفرها الصحة المحمولة إمكانية استخدامها في خدمات التطبيب عن بعد المتاحة عبر الأجهزة المحمولة، إذ أظهرت حلول الصحة المحمولة إمكانيات واعدة في الكثير من المجالات، وتظهر بشكل متسارع حلول مرتبطة بها، خاصة فيما يتعلق بالتعليم والتدريب الطبي، وتمكين اتخاذ القرار السريري، وتسهيل العمليات الإدارية، ودعم نشاطات الصحة العامة، وسيزداد نمو استخدام التقنيات المحمولة، وستزداد معها فرص توظيفها في تلبية احتياجات تعليم العاملين في مجال الصحة، وتطوير المهارات، وتوفير المعلومات الطبية.

مستقبل واعد بينما تحظى التقنيات المحمولة بزخم كبير في مجال الرعاية الصحية، فإن العناصر الأخرى في المنصة الثالثة – وهي الحوسبة السحابية وتحليلات البيانات الكبيرة وأدوات الوسائط الاجتماعية - ستستغرق وقتا أطول للنفاذ إلى أسواق الرعاية الصحية في المنطقة. ولربما كان اعتماد تحليلات البيانات الكبيرة لا يزال في مرحلة الحبو داخل قطاع الرعاية الصحية، إلا أن مقدمي الخدمات الصحية باتوا يدركون بشكل متزايد أهميتها، خاصة فيما يتعلق بإمكانياتها في إدارة حجوم البيانات الضخمة وبسرعة. وفي ضوء الدور الكبير الذي يمكن لتحليلات البيانات الكبيرة لعبه في الاستجابة لتحديات الرعاية الصحية، من حيث تطوير الجودة، وزيادة كفاءة العاملين القلائل في المجال الصحي، وإدارة شؤون الصحة العامة للسكان، تتوقع «آي دي سي» أن ينتشر تحليل البيانات الكبيرة في أسواق الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة.

وفي مجال الحوسبة السحابية، يقبل مقدمو الخدمات الصحية على استكشاف إمكانيات نماذج السحب المعلوماتية، وباتوا يدركون فوائدها، إلا أنهم يدرسون أيضا التحديات والتكاليف المرتبطة بتنفيذها. ومن بين العوامل التي تساهم في هذا التردد نقص الوعي بالتقنيات السحابية، بالإضافة إلى عدم وضوح القوانين المنظمة لعملها، وعلى المدى البعيد، ستمضي المؤسسات الصحية في منطقة الخليج العربي قدما في اعتماد السحب المعلوماتية، وستبدأ بنماذج السحب الخاصة على الأرجح.

أما بالنسبة لتقنيات المنصة الثالثة الأخرى المتنامية، فمن الواضح أن التقنيات المحمولة غدت أساسا لا غنى عنه داخل القطاع الصحي في الشرق الأوسط. ويرى خبراء IDC أن القلق الذي يساور مقدمي الخدمات فيما يتعلق بالامتثال للقوانين والمخاوف الأمنية، سيحول دون تحول تبني تقنيات السحب وتحليل البيانات الكبيرة إلى تطبيق فعلي لهذه التقنيات خلال العام 2014.