«سكر الدكانة» أسلوب جديد لمحاربة الفساد في لبنان

وطدت العلاقة بين المواطن والدولة تحت شعار «بلغ عن الفساد ليصير عنا بلد»

عبدو مدلج أحد المسؤولين عن هذه الجمعية
TT

«سكر الدكانة وبلغ عن الفساد ليصير عنا بلد»، هو الشعار الذي أطلقته جمعية «سكر الدكانة» لمشروعها التوعوي، بهدف الحد من تفشي الفساد في الإدارات الرسمية اللبنانية. وتختصر هذه العبارة كل ما ترغب الجمعية في إيصاله إلى المواطن، في رسالة مباشرة تحثه فيها على التبليغ عن أي مشكلة يواجهها متعلقة بهذا الموضوع. أما الغاية منها فهي فرز هذه البيانات المقدمة من قبله، والعودة بها إلى المواطنين والإدارات المعنية، بهدف نشر الوعي وبناء علاقة بناءة ونزيهة بين المواطن والدولة اللبنانية.

فقبل عبدو مدلج وشريكيه كارول شاراباتي وزياد جريديني، لم يخطر على بال أحد أن يضع خطة ميدانية للحد من الفساد في الإدارات الرسمية وبهذه الطريقة. فجمعية «سكر الدكانة» التي تأسست لهذا الهدف أخذت على عاتقها توعية المواطن وتشجيعه على التكلم بصوت عال، عن معاناته مع بعض موظفي الإدارات الرسمية، بحيث يمكنهم إنهاء معاملاتهم الرسمية بسهولة، ولكن بعد تكبدهم مبلغا من المال يعرف بالرشوة.

ويقول عبدو مدلج أحد المسؤولين عن هذه الجمعية في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رغبنا في القيام بهذه الخطوة من أجل مساعدة المواطن والدولة معا. وتلقينا مئات الشكاوى من اللبنانيين الذين يعانون من هذه المشكلة وصلت إلى ستمائة تبليغ بفترة زمنية قصيرة، كما اكتشفنا أن هناك إدارات رسمية تقوم بواجبها على أكمل وجه، بينما إدارات أخرى تتفشى فيها هذه الآفة بشكل كبير».

وعن أفضل الإدارات وأسوئها حسب التبليغات التي تلقتها الجمعية قال: «الأسوأ حسب الشكاوى التي بلغتنا تطال وزارة الداخلية ومجال القضاء، أما الأفضل ودائما حسب ما تلقينا من تبليغات فهما مديريتا الأمن العام والأمن الداخلي».

وكانت الجمعية المذكورة قد افتتحت مقرا مؤقتا لها في منطقة الجميزة، أطلقت عليه اسم «دكانة البلد» عرضت فيه بعض أساليب الغش والتزييف التي تحصل في البلد. استوحي هذا الاسم من قول مأثور في لبنان يردده أهله عندما يريدون انتقاد أهل السياسة أو أي عينة اجتماعية فالتة، فيقولون إنه أصبح بمثابة دكان، كل يغني فيه على ليلاه.

وفتح هذا المركز أبوابه أمام الزوار من مختلف الأعمار، ليشكل المتنفس الوحيد لديهم في هذا الموضوع. هذا الدكان الذي روج له بإعلان مصور يعطي صورة واضحة عما يجري في كواليس الإدارات الرسمية، من تزوير شهادات جامعية ومدرسية، وتأمين أوراق ثبوتية أو رخص أسلحة غير قانونية وغيرها من وظائف بالواسطة، ختم في النهاية بعبارة: «سكر الدكانة وبلغ عن الفساد ليصير عنا بلد»، إضافة إلى لافتة علقت على مدخله كتب عليها: «دكانة البلد كل شيء للبيع حتى حقك». وفندتها بعدة أمثلة كـ«أصوات انتخابية، كراسي، مناصب، أرصفة، جبال، دفاتر سواقة، رخص عمار، وظائف، وشهادات». فاستقطب الدكان اللبنانيين من كل حدب وصوب الذين جاءوا للاطلاع عن كثب عما يجري في الخفايا من ناحية، ولإمضاء فترة من التسلية وهم يضحكون ويسخرون مما يحصل فعليا على الأرض من ناحية ثانية.

ويرى عبدو مدلج أن نجاح هذه التجربة دفع بمؤسسي الجمعية إلى التخطيط لافتتاح «دكانة البلد» خارج بيروت والتنقل بها في عدة مناطق لبنانية. وأوضح قائلا: «سنعتمد سيارة الجمعية التي تحمل اسمنا وشعارنا، وستقف أمام مباني الإدارات الرسمية لمتابعة مشاكل الناس مباشرة وعن كثب، كما أن لديها جميع الرخص المطلوبة قانونيا لهذه الغاية». وأضاف: «قد يفاجأ اللبنانيون عندما يعرفون أن هناك مبالغ مالية ضخمة تدفع في هذا الإطار وتصل أحيانا إلى 40 ألف دولار، كما أننا سنتبع أسلوبا توعويا جديدا نتوجه به إلى الشباب اللبناني، من خلال تقديم حصص خاصة بهذا الموضوع في المدارس والجامعات».

وعما إذا لمست الجمعية أي شكوى أو انزعاج من الإدارات الرسمية أو الدولة اللبنانية حول أدائها أجاب: «أبدا، وعلى العكس تماما، فنحن نعمل من أجل الدولة والمواطن معا، وسنساهم دون شك في بلورة أمور ترغب الدولة اللبنانية نفسها في الاطلاع عليها».

وذكر عبدو مدلج، وهو أستاذ جامعي يدرس مادة الاقتصاد، حيثيات ولادة هذه الفكرة فقال: «لقد استوحيناها من تجاربنا الشخصية، وتلك التي تعرض لها أصدقاء لنا، وتشبثنا بهدفنا وبضرورة توعية المواطن بأمور الفساد، وكيفية تطبيق الإصلاحات في بعض الإدارات الرسمية، كونها السبيل الوحيدة لتنفيذ معاملاته الرسمية بسرعة وبسهولة». وتابع: «نحن على ثقة أننا سنستطيع التغيير والتحضير لمناخ صحيح سينتشر في مؤسسات الدولة ويستفيد منه كل مواطن لبناني».

وعن رأيه فيما آلت إليه هذه الخطوة من إيجابيات قال: «يكفي أننا اكتشفنا أن شريحة كبيرة من اللبنانيين ليست فاسدة، وأنها تبحث عن طريق أو حل للتخلص من هذه المشكلة، ونحن نقف إلى جانبها».