مرايا ماري أنطوانيت وتحف ملوك فرنسا تخطف الأنظار في «اللوفر»

26 مليون يورو لم تدفع منها الدولة شيئا لتجديد 30 صالة في متحفها الأشهر

صالات تبهر النظر بزينتها وفي الاطار مهندس الديكور جاك غارسيا
TT

هناك من يدير وجهه صوب الساحل الشمالي لفرنسا اليوم، ومن يترك قلبه يستقر في باريس. ففي الوقت الذي ستكون فيه أنظار أهل السياسة مركزة على مقاطعة «النورماندي»، حيث يحل 19 ملكا ورئيسا ضيوفا على الرئيس هولاند لإحياء الذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء، يكون أهل الفن والثقافة مجتمعين في متحف «اللوفر» للاحتفال بإعادة افتتاح 30 صالة تضم الكنوز الفنية التي اقتناها ملك فرنسا لويس الرابع عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت.

لقد قطع الثوار رأسيهما بالمقصلة، لكن جواهرهما التي تحليا بها وأثاثهما والثريات التي تدلت من سقوف القصر والمزهريات التي بعثت شذاها في حياتهما، ما زالت حاضرة تشهد على عصر فريد من الإبداع والترف. إنه الزمن الذي كانت فيه أعمال الصاغة ونافخي الزجاج والحرفيين الفرنسيين تلفت أنظار العائلات الإمبراطورية والملكية في العالم كله. ورغم العنف الذي تميزت به الثورة الفرنسية التي قامت في 1789، فإن الثوار حافظوا على تلك المقتنيات ولم يحطموها أو ينهبوها أو ينتقموا من فقرهم فيها.

أكثر من ألفي قطعة نادرة وقديمة وفريدة في صناعتها، تجمعت في صالات متحف تأسس قبل أكثر من 200 سنة، تسللت إليها يد الإعمار والتجديد فصارت تستوفي أحدث شروط الحفاظ على المقتنيات الفنية والتاريخية. وقد تفنن مصممو العرض واختاروا أسلوبا يمزج بين السنوات ولا يلتزم التسلسل الزمني لتاريخ كل قطعة. إن الأولوية لمتعة البصر والتناسق الشكلي والجمالي الذي يقود الزائر في رحلة عبر تطور الأذواق التي كانت سائدة في القرون الوسطى وحتى القرن الثامن عشر الميلادي.

أبرز ما يلفت النظر صندوق من الذهب لحفظ متعلقات لويس الرابع عشر، ومنحوتة من بورسلين «سيفر» صنعت خصيصا لمدام دو بومبادور عشيقة لويس الخامس عشر، وطاولة للكتابة للملكة ماري أنطوانيت من تصميم النجار الفرنسي الألماني الأصل جان هنري ريسنر، وغير ذلك من المدهشات التي تعكس مهارة الحرفيين الفرنسيين في تلك الفترة. وفي الزيارة المسبقة المخصصة لوسائل الإعلام، قال مصمم الديكور جاك غارسيا، أحد المشرفين على العرض، إن قوة فرنسا الحقيقية كانت تكمن في فنونها وامتلاك صناعها مهارات لا تتوافر لنظرائهم في البلاد المجاورة. وأضاف: «لقد حكمنا العالم، على الصعيد الفني، لمدة 150 سنة وكنا مجددين وثوارا دائما، بمعنى أننا لم نتوقف عن تطوير الذوق وتشذيبه. فالقطع التزيينية التي وصى عليها القصر الملكي لدى كبار الحرفيين في عام 1720 كانت تفقد موضتها في عام 1730. فترفع من أماكنها وتطلب قطع جديدة... وهكذا دواليك».

أنفق المتحف بسخاء على تجديد الصالات القديمة. وبلغت الفاتورة 26 مليون يورو، لم تدفع الدولة منها قرشا وجرى تدبيرها ذاتيا من خلال التبرعات، وكذلك بفضل برنامج «اللوفر أطلانطا»، الذي يقيم شراكة مع متحفين أميركيين، يسمح بإعارة الأعمال الفنية لهما مقابل 6.5 مليون يورو. وقد بدأت أعمال التجديد في عام 2005 ولم تشمل منشآت البناء، بل استغلت فترة الإغلاق لإعادة هيكلة مسار العرض ليصبح أكثر يسرا وجاذبية.

جاك غارسيا، الذي ساهم في رسم ديكورات أشهر الفنادق في العالم، نشط في المشروع بصفته مستشارا متطوعا. لقد كان والده فنانا واعتاد أن يأخذ بيده، منذ سن السادسة، لكي يتجولا في صالات «اللوفر» كلما سنحت الفرصة. ومنذ ذلك الوقت وهو مسحور بكل تجليات الجمال في القطع التي تؤثث الحياة وعازم على نقل تجربته للجيل الشاب. وهو يلفت نظر الصحافيين إلى التباين في الدرجات اللونية بين الفترات المختلفة. ففي زمن لويس الرابع عشر، كانت الألوان متحفظة لكنها ازدادت توهجا وتنوعا وزهاء في زمن لويس الخامس عشر، قبل ظهور موجة البياض في زمن لويس السادس عشر.

إن المعروضات لم تأت من موجودات قصر فرساي فحسب، بل من القصور ومنازل الصيد والاستراحات التي أقام بها الملوك والنبلاء والحاشية. وهناك أخشاب البوابات التركية لمكتب كونت دارتوا في فرساي التي أمكن تجميعها بفضل متحف «متروبوليتان» في نيويورك الذي أعار لوحين منها من ممتلكاته. وقد احتاج مشروع التجديد إلى استقطاب خيرة فناني الترميم في الورشات الفرنسية، لكي تتحقق المتعة ويقف الزوار ليتأملوا فينوس آلهة الحب وهي تمشط شعرها بينما كان حبيبها أدونيس في رحلة صيد.