حفلات الطلاق في إيران.. فرحة أم حداد؟

المسؤولون يعدونها «هدية من الغرب» وتعكس «الغزو الثقافي للبلاد»

تختلف دوافع إقامة الحفلات والأجواء السائدة في كل حفلة عن أخرى، غير أنها تهدف عادة إلى إزالة المشاعر الحزينة التي يبعثها انفصال الزوجين لدى الأقرباء والأصدقاء
TT

لقد أثارت اللقطة المعروفة بـ«حفلة الطلاق» في إحدى حلقات مسلسل «القهوة المرة» الكوميدي بقناة تلفزيونية في إيران استغراب الكثير من الإيرانيين، الذين لم يكونوا على علم بمدى انتشار هذه الظاهرة التي قد يرافقها إرسال بطاقات الدعوة لحضور «حفلات الطلاق». لم تكن هذه اللقطة من نسج خيال كاتب السيناريو، بل أشارت إلى ظاهرة منتشرة في المجتمع، وكانت تهدف إلى توعية الناس إزاء تفشيها في البلاد.

كان الطلاق والانفصال يدلان سابقا على علاقة زوجية فاشلة تنتهي بمرارة، وتحمل الكآبة لأصحابها، غير أنه أصبح اليوم ذريعة للاحتفال، يقيمه الذين يريدون وضع حد لعلاقة زوجية غير سليمة. ويعد هؤلاء الانفصال يفتح صفحة جديدة في حياة تخلو من الآلام، والضغوط، والأخطاء السابقة.

ولهذا، فقد أصبحت «حفلات الطلاق» ظاهرة حديثة تنتشر في المجتمع الإيراني، وتروج لتبني نظرة جديدة بشأن الظاهرة المنتشرة في البلاد.

وأنكر أصحاب النظرة التقليدية والدينية هذه الظاهرة الاجتماعية الحديثة على غرار نظيراتها الأخرى، وعدها المسؤولون «هدية الغرب»، ومن تداعيات «الغزو الثقافي الغربي للبلاد».

قال خطيب جمعة طهران المؤقت، إمامي كاشاني، الأسبوع الماضي، إن التفكك الأسري، وعدم التمسك بالمعايير الأخلاقية في الحياة الزوجية؛ هما من ميزات «الثقافة الغربية البائسة»، وأضاف: «يتمتع الرجل والمرأة الذان يقيمان حفلة الطلاق بروح شيطانية، ولا يحظيان بقيم إنسانية».

وانتقد آية الله مكارم شيرازي انتشار حفلات الطلاق في إيران، وقال: «سمعت بأن بعض الأزواج يقيمون حفلات الطلاق لدى الانفصال.. يدل انتشار هذه الظاهرة على أننا نعيش في مجتمع غير سليم».

ونشرت وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء تقريرا عن حفلات الطلاق في إيران، وعدتها «بدعة محدثي النعمة». وانتقد التقرير الاحتفال بالطلاق، وأشار إلى أن معظم الأفراد الذين يقيمون مثل هذه الحفلات «يزعمون أنهم مثقفون»، ولكنهم يحملون «نظرة حيوانية، وغير مقدسة» إلى مؤسسة الزواج.

تنتشر حفلات الطلاق التي قد يحضرها الزوجان أو أحدهما، والأقرباء والمعارف في الكثير من الدول وتحمل أشكالا مختلفة.

وتختلف دوافع إقامة الحفلات، والأجواء السائدة في كل حفلة عن أخرى، غير أنها تهدف عادة إلى إزالة المشاعر الحزينة التي يبعثها انفصال الزوجين لدى الأقرباء والأصدقاء. كما تهدف إلى تذكير الزوجين بذكريات الحياة الزوجية الجميلة، والتجارب التي خاضها الزوجان، في محاولة للزوجين لأن ينسيا الكره والبغض بينهما، ولأن يغفرا الآلام التي تسبب فيها كل منهما للآخر. ويلتزم الزوجان في مثل هذه الحفلات العمل على ما يشعرهما بالسعادة، ونسيان الآلام، والحزن في حياتهما السابقة، وبذلك يعتزم الطرفان أن يبدآ حياة سليمة، وأن ينخرطا في علاقة زوجية ناجحة.

وتترافق حفلات الطلاق في بعض المذاهب الدينية بتقاليد خاصة، إذ أطلقت الكنيسة التوحيدية الكونية عنوان «احتفالات الأمل» على حفلات الطلاق التي يحضرها الرهبان. كما لدى الكنيسة الميثودية المتحدة تقاليد خاصة بحفلات الطلاق. ويقوم الرجل في الديانة اليهودية خلال حفلة طلاق، يشارك فيها الحاخام، بالتوقيع على ترخيص لـ«تحرير المرأة» من الحقوق الواجبة عليها إزاء زوجها، وتقديمه للمرأة.

وأفادت «نيويورك تايمز» بأن إقامة حفلات الطلاق في الغرب تلقى رواجا متزايدا، وانتشرت هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة في اليابان والصين.

وتهدف إقامة حفلات الطلاق التي تتخللها إجراءات رمزية إلى إزالة التداعيات النفسية السلبية التي تخلفها حالات الطلاق على الزوجين، في محاولة للتخفيف من الآلام العاطفية. يعبر الزوجان في معبد باليابان عن «الطموحات التي كانت لديهما في فترة الحياة الزوجية»، في رسالة خطية ترمى في بئر، بهدف التخلص من التداعيات السلبية لمشاعرهما خلال فترة الحياة الزوجية. ويبادر بعض الأزواج إلى رمي خواتم الزواج في النهر للتخلص من المشاعر السلبية التي انتابتهم في فترة الحياة الزوجية.

وتعتقد فئة أخرى أن إقامة حفلات لحدث مرير على غرار الطلاق إجراء شائن، وقاس، يخلو من المشاعر، وأنها تروج لظاهرة الطلاق، وتهدف للتهرب من الشعور بالإحباط من خلال الادعاء بشيء غير حقيقي.

ويبدو أن إقامة حفلات الطلاق في إيران، التي تنتشر بين الطبقة الغنية، تمثل نوعا من استعراض العضلات أمام التقاليد والتخفيف من الطابع السلبي للطلاق، خاصة من قبل المرأة المطلقة وأسرتها، أكثر من التخفيف من العوامل النفسية السلبية بعد الانفصال. وتعاني المرأة المطلقة في إيران التهميش، وتواجه إدانة الرأي العام لها، وهي تبدو لا حول لها ولا قوة أمام القوانين الذكورية غير العادلة.

وأدت حالات الطلاق المنتشرة في السنوات الأخيرة في إيران إلى تغيير مفهوم الطلاق، إذ يجد الكثير من العائلات نفسها مضطرة إلى تقديم حماية اجتماعية، ونفسية لبناتهم المطلقات، وإظهار أنها لا تشعر بالخزي من انفصال بناتها وأقوال الناس.

أجرى مراسل أحد المواقع الإلكترونية الإيرانية حوارا مع والد إحدى المطلقات خلال مشاركته في حفلة طلاق ابنته، إذ نقل عن والد الفتاة قوله: «أقمت حفلة بمناسبة انفصال ابنتي عن زوجها بهدف رفع معنوياتها، وتعزيز الثقة بالنفس لديها. أردت أن أقول لها من خلال هذه الوسيلة إنه لم يحدث شيء مهم».

وصنفت إيران من ضمن الدول الأربع التي سجلت أعلى معدلات الطلاق في 2010. وأخذت حالات الطلاق بالتزايد منذ ذلك الحين. لقد حدث تحول جذري في نظرة الناس إلى هذه الظاهرة الاجتماعية السلبية بسبب انتشار حالات الطلاق.

تعارض نظرة معظم الإيرانيين الانفصال. لكن إقامة حفلات الطلاق بهدف رفع سوء الفهم بين الزوجين قد تكون الشيء الأخير الذي يشغل تفكير المطلقات في مجتمع تترسخ فيه فكرة «عدم ترك الزوجة بيت زوجها إلا وهي محمولة في نعشها»، أو «ضرورة تحملها كل المصائب والمشاكل في بيت زوجها». كما أن القوانين لا تمنح المرأة حق الطلاق، وتجبر المرأة على طاعة زوجها، وقبول فكرة تعدد الزوجات.

تعيش المطلقات الإيرانيات في مجتمع يتبنى نظرة سلبية تجاههن، كأنهن وصمة عار عليه. لا تحصل المرأة المطلقة في إيران على حق حضانة أطفالها، ولا تتمتع بأي دعم قانوني واجتماعي.

ورغم كل التحديات التي تواجه المرأة المطلقة في إيران، فإن المرأة الإيرانية باتت تهتم بكلام مستشاري الطب النفسي والعلاقات الزوجية أكثر من الفتاوى الصادرة من المرجعيات الدينية، والقيود التي تفرضها عليها التقاليد، وذلك بسبب زيادة نسبة الوعي ومستوى تعليم المرأة الإيرانية. تعتقد المرأة الإيرانية أن الانفصال الجيد أفضل من الاستمرار في علاقة زوجية فاشلة، وأن الحياة الزوجية تتمحور حول التعامل الإيجابي والبناء بين الزوجين.

وفي ظل الدعايات السلبية حول التأثير السلبي لانفصال الوالدين في الأطفال، نشرت النسخة الرقمية لمجلة «إندبندنت» مقالا بعنوان «هل يمكن أن يكون الطلاق جيدا؟»، واستخلصت نتائج الدراسة التي نشرها المقال أن التداعيات السلبية التي تتركها الحياة الزوجية المضطربة على الأطفال أسوأ بكثير من انفصال الوالدين.

وبينما يتصدر الفقر، والإدمان، والاضطرابات الجنسية قائمة أسباب الطلاق في إيران، فإن العوامل النفسية أدت إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين العائلات الغنية.

ويحاول الساسة في إيران تبرير هذه الظاهرة من خلال اعتماد خطاب يلقي اللوم على الغزو الثقافي، وتجاهل العوامل البيئية، وعدم البحث عن الجذور التي تؤدي إلى الانفصال بين الزوجين. يسعى المسؤولون إلى تبني نظرة سطحية حيال ظاهرة الطلاق، والتأثير السلبي على الرأي العام.

قال رجل الدين المحسوب على التيار المحافظ عبد الحسين خسرو بناه، خلال كلمة له قبل أداء صلاة الجمعة في طهران منذ فترة، إن «قراءة المرأة الروايات تعد عاملا في ارتفاع نسبة الطلاق».

وتؤدي ممارسة مطالعة الكتب دورا لا يمكن إنكاره في تعزيز القدرات الفكرية، والقدرة على الاستفسار عن الأشياء سواء بين الرجال أو النساء. وتساهم المطالعة في تكوين عقلية مستقلة في اتخاذ القرارات، وعدم الرضوخ للقيم التي أكل الدهر عليها وشرب.

يعد التفكك الأسري، وانهيار العلاقات العاطفية بين الزوجين من دون شك حدثا مريرا يستحق البكاء والحداد عليه. ولكن كم يبدو رائعا إذا جعلنا فترة الحداد قصيرة بعد حدوث الكوارث، وقبول الحقيقة، والاحتفال بالهدوء الذي نمر به بعد التجربة المرة التي خضناها. إن البدء بحياة جديدة فارغة عن الضغوط النفسية والاحتكاكات اليومية أمر يستحق الاحتفال.

إن ظروف الطلاق ودوافعه هما اللتان تحددان أن هذا القرار سليم أم خطأ، ولكن الفرقة بالتراضي قد تكون أكثر نزاهة من الاستمرار في علاقة عدائية.

خلقت «حفلات الطلاق»، سواء كانت منتجا غربيا أم من متطلبات الحياة الحديثة، نظرة جديدة إلى ظاهرة الطلاق، وأعيد تعريف هوية المرأة المطلقة التي لم تعد تخشى نظرة المجتمع الذكوري لها، والفتاوى الغاضبة الصادرة عن رجال الدين بهذا الشأن. وتسعى المرأة المطلقة في إيران إلى إعادة تعريف هويتها ودورها الجديد، والاحتفال بهما بدلا من الاستسلام أمام التداعيات السلبية الناتجة عن الطلاق على غرار الكآبة، واليأس، والشعور بالوحدة.

لم تعد صورة المرأة المطلقة في إيران، تلك المرأة المنهارة التي تحمل وصمة عار على جبينها، تفرض عليها العيش بعيدة عن الأنظار حتى مماتها، والحداد على حياتها الضائعة. تحولت هذه الصورة إلى امرأة تصمد رغم الضغوط والمصائب، وتكافح في سبيل سعادتها، وتحتفل ببداية حياة جديدة. من دون شك، فإن انتشار مثل هذه النظرة يبعث القلق في نفوس أصحاب النظرة التقليدية، والدينية، لأنهم يسعون لتضعيف دور المرأة التي تعد عنصرا اجتماعيا مقتدرا. ويبدو انعكاس هذا القلق ملحوظا في التصريحات التي يدلي بها رجال الدين والساسة في إيران.

* خدمة «الشرق الأوسط» بالفارسية - «شرق بارسي»