«التشرميل» في المغرب.. أو التباهي بالإجرام على شبكات التواصل الاجتماعي

تراجع دور الأسرة وقلة استخدام الوسائل التقنية وراء الظاهرة

«مشرمل» مغربي
TT

تحول «التشرميل» من مجرد ظاهرة تفجرت، في المغرب، خلال الأسابيع الماضية، عندما اختار فتيان (وحتى فتيات) التباهي بأفعالهم الإجرامية، على شبكات التواصل الاجتماعي، عارضين أسلحتهم البيضاء ومسروقاتهم، التي، غالبا، ما تكون أموالا، وهواتف محمولة وملابس وأحذية رياضية وساعات لعلامات مشهورة، ومخدرات ومشروبات كحولية، إلى إشكال مجتمعي يؤرق السياسيين والأمنيين، ويستدعي وجهات نظر المختصين في علمي الاجتماع والنفس والتربية والتكوين.

ظاهريا، يحيل مصطلح «التشرميل» على عالم الطبخ المغربي، حيث يعني عملية تتبيل اللحوم والأسماك، لإعطائها نكهة مميزة، قبل الدفع بها إلى الفرن. أما على مستوى الظاهرة، فيعني تقديم أبطالها لأنفسهم، على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر خلطة من «التوابل الإشهارية» المغلفة باستعراض للقوة، من خلال الأسلحة البيضاء.

على مستوى الخلفية الاجتماعية، ينتمي «المشرملون» إلى مختلف الطبقات، إذ تجد بينهم أبناء الميسورين، كما تجد بينهم أبناء الفقراء. ولأن الظاهرة حاولت أن تبني لنفسها عالما خاصا بها، فقد توسل أبطالها موسيقى ولغة تخاطب خاصتين بها: موسيقى غالبا ما تكون من ريبورتوار «الراي» و«الراب» و«الهيب هوب»، ولغة مشتقة من قاموس خاص، رغبة في إثبات الوجود وإبراز الشخصية بالتمرد على اللغة المتداولة، بتوسل معجم يساير شكل ومضمون الظاهرة.

بسرعة، ستأخذ الظاهرة نصيبها من الاهتمام الإعلامي والمجتمعي، وهو ما لخصه كم هائل من البرامج الإذاعية والتلفزيونية والكتابات، التي توقفت، بشكل خاص، عند «اللباس المميز لهؤلاء المراهقين وحلاقتهم المستفزة واستعراضيتهم المتحدية، والأهم السيوف التي يشهرونها في وجه المجتمع بوقاحة، ينشطون في الواقع وعلى الويب معا، يروعون الرأي العام، ويستنفرون أجهزة الأمن، ويلفتون انتباه الباحثين والمثقفين وأهل الرأي».

مع تناسل صور «التشرميل»، إلكترونيا، ستصير الظاهرة أشبه بـ«كرة نار» حارقة، وجد مجتمع بكامله نفسه متورطا فيها، مدفوعا إلى البحث في أسبابها وسبل القضاء عليها للحد من تداعياتها على الحاضر والمستقبل، نظرا لحساسية ما تقوم عليه من أسس، تتمثل، قبل كل شيء، في المراهقين والشباب، عماد الغد ومستقبل البلد، وكذا ملامستها لأمن الأفراد والجماعات، وقبل ذلك وبعده، تباهي هؤلاء «المشرملين» بإشهار أفعالهم ومسروقاتهم، كما لو أن الأمر يتعلق بإحراق للسفن، بجرأة لا تخيفها مؤسسات أو تردعها قوانين.

وإذا كان اختيار الهندام وقصة الشعر لا يثير أي إشكال طالما بقي الأمر في حدود الحريات الفردية المتعارف عليها، فإن الإشكال الأساسي الذي يطرحه «التشرميل» يتمثل، من جهة، في ما يثيره من إحساس بانعدام الأمان بين المواطنين، ومن جهة ثانية، في إشهار الأسلحة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتباهي بأفعال جنحية أو جنائية تستلزم واجب التدخل لإيقاف المعنيين.

ويبقى المعطى الأكثر إثارة وخطورة في «التشرميل»، أنه إذا كان من عادة المجرمين أن يخفوا جرائمهم أو ينكروا أفعالهم عند إلقاء القبض عليهم، فإن «المشرملين» يتصرفون على العكس من ذلك، إذ يعمدون إلى إشهار ونشر مسروقاتهم وأفعالهم، على شبكات التواصل الاجتماعي.

لتطويق الظاهرة، ستتحرك الآلة الأمنية، عبر شن حملة اعتقالات بين من ثبت أنهم من أصحاب السوابق، من المحسوبين على الظاهرة، قبل أن يصل الصدى إلى قبة البرلمان، عبر طرح أسئلة بخصوص «التشرميل» وأسبابه وسبل التعاطي معه.

لم يكن لـ«التشرميل» إلا أن يثير انتباه المتخصصين في علمي النفس والاجتماع، وقلق رجال التربية والتكوين، عبر طرح سيل من الأسئلة الحائرة، من قبيل إن كان «التشرميل» مجرد ظاهرة عابرة، خاصة أن أبطالها لا يحملون وعيا متقدما، ويفتقدون لأي بوصلة ثقافية، أو إن كان تعبيرا اجتماعيا، ينم عن رفض واقع مأزوم، من الناحيتين الاجتماعية والمادية، ونافذة للبحث عن انتماء إلى مجموعة معينة، بعدما افتقد أبطالها إحساس الانتماء لقيم أسرهم ولما سعت المدرسة لغرسه بدواخلهم.

ستنتهي أغلب وجهات النظر، التي قاربت «التشرميل»، إلى أن الظاهرة تعبير عن إقصاء يرتبط، في عمقه، بإشكالية البطالة، وأن المقاربة الأمنية يمكن أن تحقق نتائج ظرفية، لكنها لن تحل الإشكال في العمق، فيما يكمن الحل، برأي البعض، في الإجابة على إشكال التعليم، ما دام أن الإقصاء من المدرسة يولد، برأيهم، شارعا يعج بالجرائم، وكذا تحسين الوضعية الاجتماعية للأسر، فضلا عن الاهتمام بالفضاءات الثقافية والرياضية، خاصة أن سن أغلب «المشرملين» يتراوح بين 15 و26 سنة.

وأرجع المصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة مراكش، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بروز «التشرميل» إلى جملة أسباب، تتلخص، أساسا، في «تراجع دور الأسرة واستقالة المؤسسات التربوية والثقافية والرياضية، التي لم تستوعب جيدا التحولات التقنية والمعرفية لدى الشباب، وهي تحولات تعكس تمثلات خاصة، عند البعض منهم، حول الحياة، فيها فراغ أخلاقي، جعل الحياة تختزل في المال والخضوع لمنطق اللذة والقوة الفردية».

وفيما يخص سبل التعاطي مع الظاهرة، خاصة على المستوى الأمني، رأى السعليتي أن «المقاربة الأمنية مهمة لكنها غير كافية، لأنها تمكن من القضاء على الأعراض وليس على المرض في جذوره». وفيما يخص عمق الظاهرة وخلفياتها، تحدث السعليتي عن ما سماه «صعود اللامعنى» في المجتمع، بحيث «صرنا إلى ثقافة جديدة تتجاوز المقاربة السلوكية المحددة في ثنائية الخير والشر»، الشيء الذي صار يستدعي «أساليب تربوية جديدة».

وشدد السعليتي على ضرورة «ربط التشرميل، كسلوك إجرامي، بسياقه المجتمعي»، منتهيا إلى أن «شباب، اليوم، فيه قوة وتميز حين لا يستثمران فيما هو جيد، فنيا ورياضيا وثقافيا، يتحولان إلى عدوانية ضد الذات وضد الآخر».