أهازيج «كناوة».. تحجب «جنون» المونديال في الصويرة

الدورة الـ17 للمهرجان تعرف برمجة حفلات موسيقية وجلسات نقاش.. وسط حضور جماهيري لافت

لقطتان من حفل افتتاح الدورة الـ17 من مهرجان الصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت فعاليات الدورة الـ17 من «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، الذي تحتضنه مدينة الصويرة منذ 1998، نجاح المنظمين في جمع متعة ومضمون موسيقى «كناوة» من خلال برمجة تتوزعها ستة فضاءات للعرض، بفضل النقاش والحوار الثقافي من خلال «ملتقى أفريقيا المستقبل».

وقالت نائلة التازي، مديرة ومنتجة المهرجان، إن «الجميع يتفق على أن التعبير والفن الكناوي يشكلان قوة الثقافة الأفريقية التي يتردد صداها عبر الأراضي المغربية وخارجها، لذلك من البديهي أن يسائل منتدى المهرجان تاريخ الآخر، الذي هو، أيضا، تاريخنا، وتاريخ (أفريقيتنا) وعلاقاتنا العميقة مع جيراننا على الضفة الأخرى من الصحراء».

وتزامن انطلاق فعاليات التظاهرة، أول من أمس، مع افتتاح فعاليات كأس العالم لكرة القدم بالبرازيل، ويبدو أن «جنون» الكرة لم يؤثر في درجة الإقبال، النوعي والكمي، على هذه التظاهرة الفنية التي تخطى صداها حدود الجغرافية المغربية، ليصير أحد أهم المهرجانات الفنية العالمية، سواء من حيث مضمونه وتوجهه أم من حيث جمهوره المتعدد الثقافات والجنسيات.

واختار الموكب الاستعراضي، الذي سبق حفل الافتتاح، أن يجوب مختلف أرجاء المدينة العتيقة، منطلقا من باب دكالة، وصولا إلى ساحة المنزه، وسط متابعة جماهيرية لافتة، ضمت حضورا من مختلف الأعمار واللغات، من ساكنة المدينة ومن زوارها المغاربة والأجانب، تقدمته شخصيات من عوالم السياسة والاقتصاد والمال والأعمال والثقافة والفن، بينها أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موكادور»، ومحمد أمين الصبيحي وزير الثقافة، ولحسن حداد وزير السياحة، ومحمد أوزين وزير الشباب والرياضة، ومريم بنصالح رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ودوايت بوش سفير الولايات المتحدة الأميركية بالمغرب، وليلى شهيد سفيرة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي، فضلا عن عدد من المسؤولين المحليين والمنتخبين وضيوف التظاهرة. أشاد الصبيحي، في كلمته الافتتاحية، باختيار مدينة الصويرة للثقافة كرافعة للتنمية، وبالجهود المبذولة من أجل تثمين غنى التراث الثقافي للمدينة، وانخراط الساكنة المحلية في هذه الدينامية، مؤكدا التزام الوزارة بدعم المدينة في اختيارها ومساعدتها على جعل تراثها الثقافي في خدمة التنمية المحلية.

وانطلقت الفرجة الفنية من منصة مولاي الحسن، بإقامة فنية بين المعلم حسن بوسو وعازف الكمان الفرنسي ديدييه لوكوود والفنان الأمازيغي فولان، تبعها حفل للمعلم سعيد أوغسال، مع تقديم أداء مشترك بين فرقة «طيور كناوة» المغربية والرباعي الفرنسي «سفارة الخفاء»، قبل أن تتواصل السهرة بدار الصويري مع المعلم الخدير شوقي والمعلم بنعشير بوشبشوب. ولأن التظاهرة اختارت أن تقترح نفسها فضاء للنقاش والتداول بشأن عدد من القضايا التي تهم المحيط الإقليمي والقاري والدولي، فقد انطلقت، صباح أمس، فعاليات منتدى المهرجان، الذي يحمل، في دورة هذه السنة، شعار «أفريقيا المستقبل»، بمشاركة أكاديميين وأنثروبولوجيين وسياسيين وفاعلين جمعويين وفنانين وصحافيين وكتاب مغاربة وأجانب، من أجل مناقشة أربعة محاور، تتوزعها عناوين «لمحات تاريخية»، و«الديناميات المعاصرة: الدول والتعبئة والأزمات»، و«ثقافات.. هويات.. ديناميات وإعادة تشكيل»، و«أفريقيا المستقبل».

وقال أزولاي، في افتتاح «ملتقى أفريقيا المستقبل»، الذي ينظم بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن «للمغرب استراتيجية واضحة في علاقته بأفريقيا»، مشددا على أنها «استراتيجية مشروعة»، وعلى أن «الوقت قد حان لكي نبرز كمغاربة أن ذاكرتنا مشتركة ومستقبلنا أفريقي. نحن أفارقة، وأفريقيا هي مستقبلنا المشترك، وهو ما أكدت عليه زيارات جلالة الملك الأخيرة لعدد من بلدان القارة، الشيء الذي يؤكد أن استراتيجية المغرب ليست اختيارا طارئا أو مؤقتا، بل تعبيرا عن انتماء متجدد لأفريقيا. الآخرون يأتون ويذهبون، ونحن، هنا، كما كنا دائما، منغرسون في تربة القارة بامتداد تاريخي وعمق حضاري». كما تحدث أزولاي عن الصراعات التي تعيشها أفريقيا، مشددا على «قدرة القارة السمراء على أن تقترح ثقافة أخرى لتدبير الصراعات». وعرج على فلسطين، داعيا إلى «استلهام درس جنوب أفريقيا في تدبير هذا الصراع»، مذكرا بـ«كل المواعيد والفرص التي جرى إهدارها بحثا عن السلام، في صراع يبدو كما لو أنه صراع كل المستحيلات، غير أنه مستحيل يستحق أن يأخذ بدرس جنوب أفريقيا، وصولا إلى حل الدولتين، ومستقبل العيش المشترك».

ويعول المنظمون على أن يشكل هذا المنتدى، الذي يتواصل على مدى يومين، فضاء للنقاش والتفكير في المغرب الأفريقي وتاريخه؛ حيث تتوطد العلاقات الإنسانية خارج الحدود الجيوسياسية، وإعادة إحياء هذا التاريخ، عبر مناقشة راهن أفريقيا وإكراهاتها وإمكاناتها ومكانتها في عالم اليوم، ودينامياتها الجهوية، مما يمكن أن يشكل حلم وطموح أفريقيا المستقبل.

وترفع دورة هذه السنة من المهرجان، التي ستتواصل على مدى أربعة أيام، شعار الاستمتاع والتلاقح والتفاعل الثقافي، بتقديم تجربة موسيقية، هي ثمرة مزيج متجانس من غنى التراث الكناوي وتنوع موسيقى العالم من خلال أكثر من 30 حفلا فنيا، تتوزعها فضاءات «منصة مولاي الحسن» و«منصة الشاطئ» و«برج باب مراكش» و«زاوية عيساوة» و«منصة ولاد موكادور» و«دار الصويري». وفضلا عن البرمجة الموسيقية و«ملتقى أفريقيا المستقبل»، يتضمن برنامج التظاهرة فقرة «شجرة الكلمات»، التي تحولت إلى تقليد يجري من خلاله تبادل النقاش والمعارف في منتدى خاص، يقوم خلاله «الكناويون» وضيوفهم من الموسيقيين عبر العالم بالحوار في جو يطبعه التعايش وحرية النقاش. كما يعرف برنامج التظاهرة فقرة خاصة بالمعارض الفنية، تشمل معرضا للصور بـ«دار الصويري»، فضلا عن معرض تشكيلي لعشرة رسامين بـ«برج مراكش». كما تتميز الدورة بطرح «أنطولوجية كناوة»، التي تطلبت ثلاث سنوات من العمل، بتعاون مع جمعية «يرما كناوة»، يرتكز مضمونها على تجميع النصوص المغناة، بناء على ثلاثة معايير، تتلخص في الأصالة، وشمولية الليلة الكناوية (العادة، أولاد بامبارا، الملوك)، وبعض التنويعات الجهوية ذات المعنى.