فن «القمرية» مهدد بالاندثار من العمارة اليمنية

تزين واجهات المباني القديمة في صنعاء وتجذب انتباه الزائرين

تجمع بين الأصالة والمعاصرة في العمارة اليمنية
TT

تضم البلدة القديمة في العاصمة اليمنية صنعاء الكثير من المباني ذات الطراز المعماري التقليدي التي تزينها القمريات المصنوعة من الزجاج الملون في أشكال فنية بديعة. والقمرية نصف دائرة من الجص في داخلها أشكال زخرفية مختلفة تزين بالزجاج الملون فتضفي شكلا جماليا على المباني من الخارج والداخل.

وتعد «القمرية» أكثر الوحدات الفنية في العمارة اليمنية إدهاشا وجمالا، ورغم مظاهر العصرنة التي بدأت تغزو أنماط البناء في اليمن، فإن القمرية - لمرونتها وجماليتها - استطاعت أن تواكب مختلف هذه الأنماط، شكلا ومكانا، باعتبارها لازمة أساسية تجمع بين الأصالة والمعاصرة في العمارة اليمنية.

وتختلف أسعار القمريات بحسب نوعيتها وشكلها الجمالي كما يقول أحد الحرفيين، مشيرا إلى أنه يتوقف على نوع النقش والحجم والزجاج الذي منه الهندي والألماني وهذا الأخير أغلى وأجود أنواع الزجاج المستخدم في زينة القمريات، كما أنه يتميز عن مثيله بدوام ألوانه مدى الحياة على عكس الزجاج الهندي الذي يفقد بريقه وتبهت ألوانه بالتدريج مع مضي الوقت، ولذلك فغالبا ما يقع الاختيار للزجاج الهندي على قمريات الغرف العادية، أما صالات الضيوف وغرف الجلوس فلا يختار لها سوى الزجاج الألماني، مضيفا أنه أضحى من الأشياء التي يتفاخر بها اليمنيون.

وقال يمني من سكان صنعاء يدعى حمود علي فصيلة «القمريات تدي جمال من الداخل والخارج. يعني تدي منظر ممتاز بكل ما تعنيه الكلمة. لما تدخل للمكان تحصله ملون بجميع أنواعه من الأخضر.. من الأزرق.. جمال».

وتجذب القمريات التقليدية التي تزين واجهات المباني القديمة في صنعاء انتباه الزائرين الأجانب للمدينة. وقالت سائحة يابانية تدعى أكيكو نوناكا خلال جولة في البلدة القديمة «القمرية نموذج رائع للمجتمع اليمني وتاريخه وثقافته. كما تختلف تصاميمها الزخرفية من منزل لآخر».

لكن الطلب تراجع إلى حد بعيد على القمريات مع التغير الكبير الذي طرأ على أسلوب العمارة في المدن اليمنية. وبات كثير من المباني في صنعاء يستخدم النوافذ المصنوعة من الألمنيوم بعد أن أصبحت القمريات في نظر البعض من أشكال الطرز القديمة. وقال حرفي متخصص في صنع المقريات يدعى سيف الفقيه «الآن الإقبال على القمريات وما شابه القمريات خف. يعني بذلك السبب أنه يقول لك الناس ما عاد يعملوا القمريات.. قدهم يعملوا طيقان (نوافذ) ألمنيوم مع القمريات». وحتى مساكن الأثرياء في أحياء صنعاء الراقية باتت تستبدل القمريات بأنواع حديثة من الزخارف للواجهات.

وقال رجل من سكان المدينة يدعى محمد العاقل «بعض الناس الآن يقول لك هذه حاجات أصبحت موضة قديمة. يعملوا تشكيلات خاصة أصحاب البيوت الفخمة. الفلل في حي حدة في جميع المباني. أصبحت ذا الحين يعني يقول لك تخليها حجر سادة ونخليها طاقة سادة وما في داعي للقمريات». وللقمرية اليمنية تشكيلات كثيرة أشهرها الرماني والياقوتي والزنجيري.

وتوشك حرفة صنع القمريات أن تندثر مع زحف المد العصري على أسلوب العمارة في اليمن.

والقمرية عبارة عن نصف دائرة تعلو النوافذ بالواجهات الخارجية للمبنى، وإلى جانب وظيفتها الجمالية لها وظيفة أخرى في جلب مزيد من الضوء إلى داخل المبنى، ولا يعني ذلك أن القمرية لا تدخل في التشكيلات الداخلية للمنزل، لكنها حينئذ تقتصر على وظيفتها الجمالية. ويرى باحث في الموروث الشعبي أن هذا الاسم جاء بسبب الشكل الغالب على القمرية (نصف دائرة) والذي يشبه القمر في حالة عدم اكتماله، وهي تسمية تقابل تسمية (الشمسية) الحاضرة أيضا في جزء من المبنى اليمني.