رحيل كيسي قاسم وسط احتدام النزاع على ميراثه المادي والمعنوي بين أفراد عائلته

الخلاف على مكان وزمان دفن المذيع الأميركي ـ العربي الشهير.. وتركة 80 مليون دولار

بدأ حياته الفنية والإعلامية في الخمسينات
TT

احتدم الخلاف بين أفراد عائلة المذيع الأميركي العربي المشهور كيسي قاسم، أمس، وذلك بعدما تجاوز حق الاعتناء به والتصرف بميراثه، بين زوجته الثانية التي غدت أرملته، وبنته وولده من زوجته السابقة. وكانت محطة الخلاف الأخيرة بين الجانبين النزاع على مكان وزمان دفن الجثمان، بل ومن له الحق في إعلان خبر الوفاة.

كان قاسم، الذي يعد أحد ألمع النجوم العرب الأميركيين في مجال الفن، قد توفي أول من أمس عن عمر ناهز 82 سنة. وأمس، وصفته صحيفة «واشنطن بوست» بأنه «بيت أوف أميركان هارت» (دقات قلب أميركا)، في إشارة إلى أغنية اشتهرت في البرنامج الإذاعي الذي كان يقدمه. في حين وصفته شبكة تلفزيون «سي إن إن» بأنه «رائد الاتصال حول العالم قبل زمن الإنترنت»، في إشارة إلى برنامجه الشهير «أهم 40 أغنية أميركية» (أميركان توب فورتي) الذي كان يبث حول العالم قبل أربعين سنة. أما صحيفة «لوس أنجليس تايمز» فقالت عن قاسم «الذي وصل إلى الأنجم»، في لفتة إلى شعار برنامجه الإذاعي.

أذاعت خبر وفاة كيسي قاسم ابنته الكبرى، كيري، عبر تغريدة على موقع «تويتر»، قالت فيها كيري: «في وقت مبكر من صباح يوم (عيد الأب) رحل عنا والدنا كيسي قاسم وهو محاط بأسرته وأصدقائه»، وأضافت: «وعلى الرغم من علمنا بأنه الآن في مكان أفضل ولم يعد يعاني، فإننا كسيرو القلب». غير أن أرملته الممثلة جاين طومسون قاسم سارعت لتعلن خبر الوفاة في تغريدة أخرى، وبادرت إلى إعلان مكان وزمان تشييع الجثمان، من دون أن تشاور البنت.

وترجم هذا التصرف من أرملة النجم الراحل المعاناة والنزاع الطويل بين ابنته من زواجه الأول والزوجة الثانية. ويذكر أن كيري ذكرت في البداية، أن والدها كتب وصية طلب فيها أن تتولى هي رعايته عندما تتقدم به السن. إلا أن جاين رفعت دعاوى في عدة محاكم اتهمت فيها كيري بالسعي إلى وراثة قرابة ثمانين مليون دولار هي القيمة المقدرة لثروة قاسم، وعلى الأثر رفعت كيري دعاوى مضادة.

وخلال العام الماضي، توترت العلاقات بين الجانبين، وزادت القضايا الخلافية، بسبب وجود قاسم في منزل زوجته البالغة من العمر (58 سنة). وقادت ابنته كيري حملة في الإعلام الأميركي، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ادعت فيها أن جاين تسيء معاملة والدها، وتتعمد إهماله حتى يموت «وترث الملايين».

وقبل شهر، عندما تدهورت حالة قاسم الصحية وشارف على الموت، وبات واضحا أن لا فائدة من إطعامه طبيا، نشب خلاف حاد حول من له الحق بالطلب من الأطباء نزع أنابيب الطعام والهواء والدواء. ومرة أخرى عاد الجانبان إلى المحاكم.

ويوم الأربعاء الماضي، قبل أربعة أيام من وفاة قاسم، قضت محكمة بأن للابنة كيري الحق في تقرير مصير والدها. وهكذا، طلبت الأخيرة من الأطباء نزع الأنابيب. وقال توني مارتن، محامي كيري «قال الأطباء إن استمرار التغذية الطبية سيزيد مراحل الموت بالنسبة له، وسيزيد عذابه، وهو أصلا تعذّب بما يكفي».

شخصية فنية وسياسية واجتماعية ولد كيسي قاسم، واسمه الأصلي الكامل كمال أمين قاسم قانصوه، في مدينة ديترويت كبرى مدن ولاية ميتشيغن الأميركية، يوم 27 أبريل (نيسان) 1932 لعائلة مهاجرة من لبنان، وكان جده قد هاجر إلى العالم الجديد من بلدة المختارة، مقر زعامة آل جنبلاط في قضاء الشوف بجبل لبنان.

ونشأ في ديترويت، حيث تلقى تعليمه في مدرسة نورثوسترن هاي سكول الحكومية، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة واين الحكومية (واين ستايت)، وإبان حرب كوريا (1950 - 1953) جُنِّد قاسم بالقوات الأميركية المسلحة، وبالنظر إلى ولعه بالغناء عمل إبان خدمته العسكرية في كوريا مع الإذاعة المحلية للجنود، وكان يقدم برنامج «ما يطلبه الجنود». ومن ثم تطوّرت موهبته الإذاعية فاحترف حاملا اسم «كيسي قاسم»، وصار العمل الإذاعي الغنائي مهنته طول حياته.

أما بدايته مع برنامجه الأشهر الـ«أميركان توب فورتي» فجاءت عندما تشارك مع دون بستاني، وهو مثله ابن مهاجرين آخرين من لبنان، في تقديم البرنامج ذي النجاح الأسطوري، وكان ينهي كل حلقة بجملته الشهيرة «أبق قدميك على الأرض، ومد يديك إلى النجوم». ويومذاك لم يكن التلفزيون قد انتشر كثيرا، وكان المذياع (الراديو) في السيارات هو الموضة، ولقد قدم قاسم البرنامج حتى عقد التسعينات، تقاعد عام 2009.

غير أن نجاحه لم يقتصر على ذلك البرنامج الشهير، بل عمل في مجالات فنية أخرى، مثل التمثيل الصوتي، وتألق في مسلسل «سكوبي دو» (الكلب سكوبي) الكرتوني، وكان صوت شخصية فيه. وكان، في عام 1995، قد نحت اسمه في «قاعة مشاهير الإذاعات الوطنية». وفي عام 1996 وضعت نجمة باسمه على رصيف «شارع النجوم» في هوليوود. وفي عام 1997، حصل على جائزة مجلة «بيلبورد» تحت اسم «أيقونة الإذاعات الوطنية».

على المستوى الشخصي، تزوج قاسم الممثلة ليندا مايرز، عام 1972، وأنجب منها بنتين هما جولي وكيري، وولد هو مايك، ولكن الطلاق وقع بينهما بعد سبع سنوات. وعام 1980 تزوج للمرة الثانية كانت زوجته الثانية الممثلة الشابة الشقراء جاين طومسون التي اشتهرت لاحقا باسم جاين قاسم، وأنجبا بنتا واحدة سمياها ليبرتي.

أما على المستوى السياسي، فإنه فور الإعلان عن وفاة قاسم نعته منظمات العرب الأميركيين، وعددت إسهاماته في مواجهة التفرقة والإهانات والإساءات التي يتعرّضون لها، ولا سيما في مجالي السينما والتلفزيون. ويذكر أنه لعب أدوارا طليعية في تأسيس المنظمات الوطنية المتخصصة في قضايا الأميركيين العرب. وتحدث باسمهم في كثير من القضايا السياسية والثقافية.

ولقد اعتز قاسم - الذي كان نباتيا ملتزما - طوال حياته بجذوره العربية وتعاطفه مع القضية الفلسطينية، وانتمائه لطائفة المسلمين الموحدين الدروز وخدمته لها. كذلك كان شديد الالتزام سياسيا بالقضايا الليبرالية والتقدمية والبيئية وقضايا حقوق الإنسان في أميركا حيث كان ناشطا لفترة طويلة في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، وكان من أبرز داعمي ترشيح القس جيسي جاكسون للرئاسة. لكنه لاحقا اختلف مع الحزب الديمقراطي وأيد ترشح رالف نادر للرئاسة. وفي مقالة له كتب قاسم أن العرب الأميركيين يحدثون فارقا في الحياة الأميركية، ولفت إلى تميّز كثرة منهم بالإبداع والشجاعة، إضافة إلى ولائهم للولايات المتحدة لأكثر من 100 سنة. وقالت عنه ابنته كيري عام 2007 في هذا المجال «كلما نمت شهرة والدي، غدا مدركا حجم المسؤولية التي كان يحملها، خصوصا، عندما يتعلق الأمر بموضوع العرب الأميركيين في وسائل الإعلام».

وفي تحية ذكرى قاسم بعد وفاته قال عنه المرشح الرئاسي السابق (اللبناني الأصل) والناشط الحقوقي رالف نادر لموقع «راديو سوا»: «كيسي قاسم كان من هؤلاء العرب الأميركيين الذين وقفوا على خط الجبهة مدافعا عن الحريات والحقوق المدنية ضد سلطة غالبا ما كانت تصنفهم بتصنيفات عرقية وعنصرية». وقال عنه مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، إن «كيسي قاسم فخور بإرثه، وجعلنا جميعا فخورين بإرثنا، إنه رجل عظيم».

وقال عنه وزير النقل (الأميركي اللبناني الأصل) راي لحود «إنه أسطورة موسيقية». وقال عضو الكونغرس الأميركي نك رحال إن «كيسي أميركي عظيم من أصول لبنانية، نجح في الحياة بشكل جيد، وهو صاحب موهبة أغنت المجتمع الأميركي».

وكرم المعهد العربي الأميركي قاسم، بـ«جائزة الإنجاز الفردي» مساء الثلاثاء الماضي خلال حفل جبران خليل جبران السنوي.