مهرجان الصويرة في المغرب يحتفي بالقارة الأفريقية من خلال الموسيقى العالمية

يشمل معارض فنية و«شجرة كلمات» وتوقيع كتب

أمواج بشرية تابعت فعاليات الدورة 17 من «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» بالصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

بين ليالي الحفلات الموسيقية وصباحات النقاش في المنتدى، مرورا بالمعارض الفنية وحفلات تقديم وتوقيع الكتب وفقرة «شجرة الكلمات» ورمزية طرح «أنطولوجية كناوة»، أكد «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، بالصويرة، الذي اختتم فعاليات دورته 17، يوم أمس، نجاح الاختيارات والتوجهات التي أسس عليها المنظمون رهاناتهم، سواء فيما يتعلق بتنمية المدينة عبر الثقافة أو جعل الموسيقى جسرا بين الماضي والحاضر، في انفتاح على المستقبل، مع ربط المغرب بعمقه الأفريقي.

وإذا كان الشق الموسيقي قد أكد صواب الربط بين «كناوة» وموسيقى العالم، عبر حفلات مزج بين حساسيات موسيقية عالمية، قادمة من أفريقيا وباقي قارات العالم، فإن منتدى المهرجان، الذي وصل محطته الثالثة، في طريقه لأن يتحول، حسب شهادات عدد من المتتبعين، إلى أحد أهم فضاءات النقاش وتبادل وجهات النظر في العالم، وخاصة أنه يجمع بين مفكرين وخبراء وباحثين متخصصين، قادمين من قارات أفريقيا وأميركا وآسيا وأوروبا، للتداول في شأن قضايا راهنة، تهم مصير القارة السمراء، بشكل خاص، والعالم، بشكل عام.

وعن علاقة موسيقى «كناوة» بالفعل الثقافي وخيار التنمية، واللقاء للحوار حول قضايا راهنة على علاقة بمستقبل أفريقيا والعالم، قال خالد الشكراوي، أستاذ باحث، متخصص في الشؤون الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يوحد المجتمعات والأمم هو ثقافتها، والدول لا تتقدم بفضل صناعتها، فقط، بل بثقافتها أيضا. ولنا في هوليوود الأميركية وبوليود الهندية خير مثال. كما أن الثقافة يمكن أن تكون وسيلة أساسية للحوار وتفكيك أسباب النزاع وإيجاد الحلول، لأنه يمكن للثقافة أن تشكل سلعة على المستوى البراغماتي، لكنها يمكن أن تتجاوز هذا المنطق، وهو ما لا يمكن للمعادن أو السياسة أن تفعله». وشدد الشكراوي على أن «المغرب يمكنه، انطلاقا من فعاليات مهرجان (كناوة) وما تمثله الصويرة على المستوى التاريخي والثقافي، أن يشكل نموذجا للتلاقح والانصهار مع المجتمعات الأخرى، بشكل يوفر فضاء للحوار والتشاور والتفكير معا وسويا في مستقبل القارة والعالم».

ويبدو أن رهان منظمي مهرجان «كناوة» على أن تشكل التظاهرة جسرا يربط الصويرة بمحيطها القاري والدولي، بشكل ينقل للمغرب المنفتح على الآخر، لا يوازيه إلا حرصهم على أن تتألق المدينة بمهرجانها، لذلك لم يكن للدينامية التي تشهدها «مدينة الرياح» إلا أن تبعث شعورا براحة البال بينهم، وخاصة أن الرواج التجاري لا تخطئه عين، كما أن كثيرا من سكان المدينة صاروا يجدون في المهرجان فرصة عمل وتحقيق مورد رزق إضافي، في حين يؤكد التوسع العمراني المتواصل والمشاريع الاقتصادية التي يجري إطلاقها والبنى التحتية التي يمكن الوقوف عليها، مقارنة بواقع المدينة في الدورات السابقة، أن المدينة تتحرك وتتطور نحو الأفضل. وكانت خلاصات دراسة أنجزت لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمهرجان على المدينة، خلال الفترة ما بين 1998 و2013، قد بينت أن 89 في المائة من المستجوبين يرون أن المهرجان مهم للمدينة، وأبرزت أن كل درهم استثمر في المهرجان عاد بالنفع على المدينة بقيمة 17 درهما. لذلك كان عاديا أن يشيد محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة، في حفل افتتاح الدورة، باختيار مدينة الصويرة للثقافة كرافعة للتنمية.

ويبقى جمهور مهرجان «كناوة» هو ملحه الذي يمنحه تميزه. ويتفرد مهرجان الصويرة بجمعه بين جمهور متعدد الطبقات واللغات والأعراق والديانات والاختيارات السياسية، حيث يتماهى مع أجوائه الوزراء والسفراء ورجال المال والأعمال والعاطلون عن العمل والطلبة والأطفال والآباء والأمهات، في حين تبقى غالبية هذا الجمهور من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة.

برنامج دورة هذه السنة كان أكبر من أن يحصر في حفلات موسيقية وملتقى لمناقشة مستقبل أفريقيا، إذ جرى اقتراح فقرات متنوعة أعطت للفعل الثقافي مضمونا وقوة، ومن ذلك، برمجة لقاء لتقديم وتوقيع كتاب «الصويرة موكادور»، لكاتبه عامي بوغانيم، كان مناسبة للحديث عن ماضي المدينة واستعادة تاريخ يهودها، واستحضار مساهمات عدد من المبدعين الذين كتبوا عنها، سواء من بين أبنائها أو ممن لبستهم بتاريخها وأحداثها، من قبيل إدمون عمران المالح، الذي أوصى بدفنه فيها، أو محمد الصالحي، الذي كتب أحد أجمل النصوص عنها. خلال هذا اللقاء، جرى الحديث عن تعدد أسماء المدينة، كما جرى استحضار عدد من رجالاتها، مع إبراز تاريخ التعايش بين مكوناتها. بالنسبة لأسماء المدينة، جرى التركيز على «الصويرة» و«موغادور»، حيث بدا أن لكل لقب سياقه ومضمونه: إنها «ذات الأسوار»، كما قال الصالحي، الذي رأى أن الصويرة «اسمها الأصل السويرة. سطت الصاد على السين فكان ما كان.. يتقعر اللسان عند نطق الصاد فينطبق على الحنك الأعلى. فخامة تليق باسم فخم: الصويرة». يذكر الصالحي، أيضا، أن بعضهم يرى أن السلطان محمد بن عبد الله (1710 - 1790)، يوم أمر بإنشائها، سماها الصويرة، لأنه «أرادها على أحسن تصوير». أما بالنسبة للاسم الآخر (موغادور)، فيذكر الصالحي أن «البحارة البرتغال، وضعوا، في القرن السادس عشر، وتحديدا في 1506، حجر الأساس لبلدة على الساحل الأطلسي، في موقع وسط بين سواحل المغرب الشمالية، حيث جبل طارق، وسواحل المغرب الجنوبية، حيث سواحل أفريقيا الغربية الموصلة إلى رأس الرجاء الصالح. سميت البلدة «موكدورا»، ومر الاسم بمراحل قبل أن يستقر على «موكادور».

غير بعيد عن «دار الصويري»، حيث جرى تقديم مؤلف بوغانيم، احتضن فضاء العرض «باب مراكش» معرضا تشكيليا لعشرة رسامين. يشكل هذا الفضاء، الذي يرجع بناؤه، حسب عدد من الكتابات التاريخية، إلى سنة 1786، تحفة تاريخية بقيمة فنية تجعل الزائر يتيه بين المعمار الفريد لمكان العرض وما يجري عرضه فيه من فن تشكيلي. وتعج الصويرة بالتشكيليين والكتاب والموسيقيين. وبفضل فنانيها، أصبحت أحد المراكز المهمة في الحركة التشكيلية المغربية المعاصرة.