دلهي القديمة في رمضان.. ترجع إلى عصر المغول

الهنود ينشغلون بصلاة التراويح حتى ختم القرآن الكريم كاملا

المسجد الجامع في دلهي («الشرق الأوسط»)
TT

عندما يهل شهر رمضان على الهند يحين الشهر الذي تتمتع فيه العاصمة الهندية دلهي القديمة التي ترجع إلى عصر المغول بسحر خاص.

شيد شاه جيهان، إمبراطور الهند المغولي الخامس - الذي كان يرتدي ملابس دينية - مسجدا رائعا ويتمتع بشهرة عالمية، وهو المسجد الجامع (مسجد جهان نما)، وكانت تتضح مظاهر التدين في الزي الذي يرتديه الناس وكذلك إقبالهم على المساجد.

ويعد هذا مسجد من أروع المساجد في العالم، ويضم الكثير من القطع الأثرية، ونسخة من القرآن الكريم المكتوب على جلد الغزال. وأثناء تشييد الجامع، كان هناك اهتمام خاص بمسألة الحفاظ على مستوى منبر الجامع، بحيث يكون أعلى من العرش الملكي (الخاص بالإمبراطور) في القلعة الحمراء. وفي الحقيقة، يكمن جمال المسجد في بساطته. كما أن زخارف المسجد المتقنة وكذلك إضاءته تجعله مميزا ومن الممكن رؤيته عن بعد.

ومع بدء شهر رمضان، ينشغل معظم المقيمين بالهند، بمن فيهم أصحاب المحلات التجارية، بصلاة التراويح؛ حيث تقرأ أجزاء من القرآن الكريم في كل مساء حتى ختم المصحف كاملا.

وتعد المدينة القديمة منطقة مكتظة بالسكان، ويعيش فيها المسلمون والهندوس بعضهم مع بعض.

وقبل وقت الإفطار بنصف ساعة، يبدأ الناس التوجه باتجاه الدرج شديدة الانحدار للمسجد، الذي يمكن أن يسع 25.000 شخص، بينما ينادي المؤذن بأعلى صوته إلى أداء الصلاة، ويوجد بينهم أجانب وسائحون، لكن يشكل المقيمون المحليون الأغلبية. وفي الحقيقة يعد هذا الأمر أحد الجوانب المثيرة للاهتمام ذات الصلة بشهر رمضان في هذه المنطقة. ويفضل الكثير من السكان المحليين الإفطار في المسجد الجامع عن الإفطار في منازلهم؛ حيث يجلس عدد من العائلات في ساحة المسجد ومعهم وجبات الإفطار الخاصة بهم، وينتظرون الأذان لتناول الفواكه والتمر. كما تجذب الحماسة الدينية وعظمة رمضان ليس فقط اهتمام المسلمين ولكن غير المسلمين أيضا. وتضم تلك المدينة المسورة كلا من الهندوس والمسلمين بعضهم مع بعض، وبداخل تلك المدينة يوجد ما يزيد على 90 مسجدا. ويعد المسجد الجامع هو الأكبر والأكثر شهرة، بينما المساجد الأخرى تعد أصغر حجما، وتعمل على توفير مساحات في الممرات المزدحمة. ويتضح هذا الأمر على نحو واضح بالنظر إلى غير المسلمين من أبناء دلهي الذين يأتون من كل أنحاء المدينة مع عائلاتهم للاستمتاع بالأجواء التي تشهدها المنطقة، ويظلون مستيقظين طوال الليل تقريبا، ويتمتعون بالطعام لذيذ المذاق.

ووفقا لما ذكره راهول شارما، الذي اشترى أيضا لابنه، البالغ من العمر ستة أعوام، قبعة إسلامية لارتدائها: «أقوم بزيارة تلك المنطقة مع أطفالي ما لا يقل عن أربع أو خمس مرات أثناء شهر رمضان للاطلاع على التنوع الثقافي في بلادنا، وأيضا من أجل الاستمتاع بمذاق أفضل الأطباق».

وزاد هذا العام الإقبال على طلب القبعات - التي يجري ارتداؤها أثناء أداء الصلاة - من غرب آسيا. وفي الوقت الحاضر، يوجد بالسوق وفرة من مختلف أنواع وتصميمات القبعات؛ حيث تجد بعض القبعات المطرزة، والبعض الآخر المصنوع من الخرز، وينجذب الشباب إلى تلك القبعات المزخرفة بالخرز ومواد أخرى. وعادة ما تكون القبعات البيضاء البسيطة التقليدية هي المفضلة. وذكر أحد بائعي القبعات: «نحن نبيع قبعات (نماز) التي نستوردها من تركيا، والسعودية، وباكستان، وبنغلاديش، والصين، وإندونيسيا، وتختلف أسعار هذه القبعات، حيث تتراوح ما بين 20 و500 روبية».

وبعد غروب الشمس، تجد الأضواء المنبعثة من المسجد الجامع والمحلات والمنازل التي تقع في المناطق المحيطة به، بالإضافة إلى الأضواء المبهرة على جانبي الشوارع.

وفي أثناء شهر رمضان، تجد المحلات التجارية مفتوحة طوال الليل. وتستغل المطاعم ما لديها من مساحات؛ حيث إنه باستطاعتها استغلال الممرات الضيقة، وعرض كميات من المكسرات أو الوجبات الخفيفة المقلية، أو اللحوم المشوية. وهناك بعض المأكولات التي يفضل تناولها في رمضان مثل سيفيان، وهي إحدى أنواع الشعيرية، ويمكن أن تقدم في صورة شير خرما، أو اللبن المحلى بالشعيرية والتمر والمسكرات.

وتعمل المطاعم الصغيرة التي توجد على طول الطريق بشكل كامل قبل الإفطار، ويمكنك أن ترى المصلين وهم يكسرون صيامهم من خلال تناول البلح والمياه، ثم يبدأ الناس بعد ذلك ينتقلون من مطعم إلى آخر، ويبدأون أولا بتناول بعض الأطعمة الخفيفة مثل سلطة الفواكه، والتي تتكون بالأساس من البابايا والبطيخ المسك عديم النكهة، ثم بعد ذلك يتناولون الطعام كثير التوابل مثل الباكورة، والسمك المقلي، وذلك قبل تناول وجبة العشاء والتي تتكون من لحم الضأن ودجاج كورما وخبز الروتي.

ويلقى بائعو الفواكه رواجا تجاريا، ويمكن أن ترى أنواعا كثيرة من التمر تقدم بكثرة في مختلف الشوارع أمام المسجد الجامع، ويمكنك أيضا أن ترى وفرة من الشعرية المقلية، التي يجري تناولها مع الحليب الساخن والسكر. ويفعل آخرون، أمثال محسن خان، الذي يبلغ من العمر 24 عاما، ذلك ولكن بالطريقة التقليدية من خلال تقديم تمرة واحدة أو اثنين للأجانب.

وفي قلب المدينة المسورة نجد باورجي خانا (Bawarchi Khana)، وهي منطقة مخصصة تاريخيا للطهاة. وخلال شهر رمضان، تشهد تلك المنطقة رواجا تجاريا؛ حيث إنهم ينتجون المواد الغذائية اللازمة لإفطار الصائم، وإمداد المطاعم والعائلات بها، وتناضل المنطقة من أجل الإيفاء باحتياجات الصائمين الجائعين من الطعام. كما يجري العمل على إشعال كميات كبيرة من الخشب، ويقوم كل مطعم بإعداد صنف واحد فقط - إما البرياني أو لحم الضأن سميك القوام المتبل بنكهة الكاري (أو ما يطلق عليه كورما). ويقوم بعض الطهاة بإعداد كميات من الخبز الطازج وينقل إلى المنازل والمطاعم في مختلف أنحاء دلهي.

وذكر عبد الغني قريشي، الطباخ الذي لديه خبرة كبيرة في أعمال الطهي: «أقوم بإعداد الطعام للناس بكل إخلاص وسعادة. فالناس تأتي من كل مكان للاحتفال بأجواء شهر رمضان لأن الحماسة التي لدينا تختلف عن أي مكان في العالم».

وفي الواقع، المنطقة ليس لديها فقط وفرة من المطاعم الصغيرة، ففي شهر رمضان من كل عام، نجد تلك المطاعم الصغيرة التي تبيع كل شيء قد تحتاجه، بدءا من القبعات ودلات بثاني إلى الأساور والجواهر المقلدة. وتتضح عظمة التاريخ في الممرات المتعرجة الطويلة في دلهي القديمة، والتي دائما ما تعج بالسياح. ومع ذلك، فشهر رمضان له سحره الخاص؛ حيث إن السير في الممرات الضيقة في مختلف أنحاء المدينة المسورة، يجعل المرء يختلس نظرة على كيف تعد المدينة نفسها للأجواء الرمضانية، والتي تذكرنا بفترات منسية من التاريخ.

وتنظم إحدى المنظمات غير الحكومية، التي يقع مقرها في نيودلهي، رحلات حول منطقة المسجد الجامع أثناء شهر رمضان.

وتقول سميتا فاتس، المديرة المؤسسة لمنظمة إيتيهاس (Itihaas)«السير في سوق تشانديني تشوك (Chandini Chowk) وبالأخص أثناء شهر رمضان أصبح أمرا شائعا للغاية».

وعند غروب الشمس ينطلق الكثير من المؤمنين من المسجد الجامع لكسر صيامهم، ويمشون على طول الأزقة المتعرجة المزدحمة وصولا إلى ساحة مسورة، يوجد بها قبر السلطانة رازية، السيدة الوحيدة التي شغلت منصب حاكم دلهي. كما نجد المنشآت الجديدة وكذلك القديمة تصطف على طول الطريق وبجانبها المحلات التي تبيع الخبز والحلوى.. إلخ.

وتقول فاتس: «الحياة هنا متغيرة في كل ركن. فمن الممكن أن ترى الماعز والقطط تسير في أحد الشوارع، بينما تجد الماشية والكلاب في الشوارع المجاورة، وكل خطوة تخطوها تعد بمثابة مغامرة».