مهرجانات بيبلوس تختتم موسمها مع «فرقة بيروت» الأميركية

غي مانوكيان عزف تحية للجيش اللبناني بعد غياب 5 سنوات

ارتفاع أسعار البطاقات جعل الحفل قبل الأخير في مهرجان بيبلوس غير مكتظ («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الخميس المقبل تسدل «مهرجانات بيبلوس» الستار على موسمها الصيفي لهذا العام، مع الفرقة الأميركية التي تحمل للمفارقة اسم «بيروت»، على الرغم من أنه لا صلة رحم تربطها بالعاصمة اللبنانية ولا بلاد الأرز. الفرقة التي أطلقت ألبومها الأول عام 2006، تستوحي أنغامها من الفولكلور البلقاني والأبواق المكسيكية، وكان قد أسسها زاك كوندون أحد أبرز أعضائها اليوم، المولود في نيومكسيكو، ونشأ عازفا للبوق في فرقة للجاز، وهو الذي أعطى فريقه اسم «بيروت» عندما تذكر صوت فيروز الذي سمعه وهو صغير.

وكانت مهرجانات بيبلوس التي انطلقت في الثالث من يوليو (تموز) الماضي مع عازف البيانو الصيني الأصل الشهير لانغ لانغ، كما شهدت حفلا مميزا لمارسيل خليفة، وفرقتي «ماسيف أتاك» و«ابيكا» إضافة إلى سهرة حاشدة للبلجيكي العالمي ستروماي. وقد استقبلت بيبلوس الأسبوع الماضي عازف البيانو الأرمني اللبناني الذي أصبح صيته عالميا غي مانوكيان بعد خمس سنوات من الغياب عن المسارح اللبنانية كان آخرها في بيت الدين.

وعلى مرفأ بيبلوس، قدم مانوكيان مساء الخميس الماضي، حفلا بديعا، برفقة المايسترو ايلي العليا الذي قاد فرقة عرفت كيف تحرك الجمهور وتثير حماسته، بآلاتها التي تخلط بين الشرقي والغربي، بمهارة، مع أولوية للطبول والمزمار، تلك الآلات التي رافقت البيانو بانسجام وتناغمية عاليين.

الحفل قبل الأخير في «مهرجانات بيبلوس» هذه السنة لم يكن مكتظا، على أهميته، فأسعار البطاقات مرتفعة نسبيا، لكن البعض وجد أن الاستمتاع مع مانوكيان يستأهل التضحية. الرجل الذي جال في القاهرة وسنغافورة وأبوظبي، وعواصم أخرى كثيرة، استقبل الجمهور بحرارة عزفه من دون مقدمات من الفرقة، مدخلا إياهم في أجواء فرح عارم من اللحظات الأولى.

من ألبومه الأخير «نوماد» الذي صدر العام الماضي عن شركة «سوني» ولفت بكم النسخ التي بيعت منه، عزف مانوكيان، إضافة إلى أغنيات أخرى يعرفها الجمهور غالبيتها للرحابنة الذين يكن لهم مانوكيان وجمهوره ودا فنيا خاصا.

عزف مانوكيان أيضا مقطوعته «فريدوم» أو «حرية» مهداة إلى الجيش اللبناني «الذي يدافع عن لبنان ويقدم التضحيات من أجل الدفاع عن حريتنا» في بلد وصفه الفنان في حفله بأن «الحرية الدينية فيه كما حرية التعبير عن الرأي هي الأفضل في العالم».

غي مانوكيان أرمني الأصول حريص على التذكير بأرمنيته ولبناني النشأة حيث نهل من التراث اللبناني، تكمن عبقريته في انفتاحه على الموسيقات بأنواع مع اعتزازه وحرصه على الموسيقى الشرقية.

كل روعة مانوكيان هي في قدرته على جعل البيانو، تلك الآلة الكلاسيكية الغربية، التي بدأت علاقته بها منذ كان في الرابعة من العمر، تنطق بأنغام شرقية. تقاسيم، مواويل، إيقاعات يجعلها تنبجس من بين مفاتيح آلته. يستطيع بيانو مانوكيان أن يجود بعزف ثنائي بصحبة الطبل أو الدف أو المزمار. هذا الفرح النغمي الذي يتميز به، يتكامل مع حضور حيوي طاغ. مانوكيان وهو يعزف على آلته، يصفق، يرقص، يتحدث إلى الجمهور، يلعب ألحانه قاعدا أو واقفا لا فرق. هذه الخصوصية التي تأتي من الغرب بآلاته وتقنياته الكلاسيكية وتمزجها باللبناني والأرمني والجاز وكل ما يحبه مانوكيان هي التي جعلت شعبيته بتصاعد دائم منذ عشر سنوات إلى اليوم.

قال الفنان أثناء حفله إنه حين كان صغيرا، وهو من جيل الحرب، روى له والده كيف كان لبنان أيام عزه، وهو مع مولد ابنه جيو، فكر أيضا ماذا يقول لابنه عن لبنان.

جيو الصغير يجلس بين الحضور، ربما لا يتجاوز الست سنوات، يحضر للمرة الأولى حفلا لوالده الذي يطلب إليه الوقوف لنراه قبل أن يبدأ عزف مقطوعة مهداة له وللبنان، مع صور من الأرشيف. لقطات موفقة صاحبت هذه المعزوفة: ساحة الشهداء، التراموي، أسواق بيروت يوم كانت لكل الناس، بنك إنترا الذي أفلس فيما بعد، المسابح، الأوتيلات والسيدات الأنيقات، صحف انقرضت تعرض في الأكشاك، سباق الخيل، غابات الأرز والمطار القديم الصغير الذي كان يتسع لطائرات تقلع لكل وجهات العالم.

حضور أرمني طاغ في حفل بيبلوس، هذا المكان الذي تعلم فيه غي مانوكيان السباحة للمرة الأولى، وفي المدينة التي وصفها بأنها الأجمل في لبنان لأنها عرفت كيف تسوق نفسها. إلى جبيل أهدى معزوفة «حلوة يا بلدي» التي اشتهرت بها داليدا عربيا. ولمزيد من المزج والخلط الفنيين المحببين إلى قلب الجمهور كانت مشاركة لعازفين من عائلة «جيبسي كينغز» اللذين أدخلانا في أجواء غجرية. ومقطوعة من وحي سنغافورة، التي عدها مانوكيان من أجمل مدن العالم التي زارها.

الخاتمة كانت مع موسيقى لأغنية فيروز «نسم علينا الهوا». الفرقة تعزف، مانوكيان يضيف لمسته التي لا تضاهى والجالسون على المدرجات، هم الكورس الذي تكفل بأداء الأغنية مع تصفيق وتمايل وهتافات، ورغبة في المزيد.

أكثر من ساعة ونصف بلا توقف أو استراحة، لفنان يعزف بقلبه ووجدانه، على آلة صارت امتدادا لروحه.

أبدع غي مانوكيان كما عادته، ووعد أنه هذه المرة لن ينتظر خمس سنوات، كي يعود إلى محبيه، فالمواعيد ستكون أقرب، واللقاء المقبل قد يأتي بعد سنتين ليس أكثر.