أسبوع باريس لربيع وصيف 2015.. بين واقعية فان نوتن وشطحات ألكسندر وانغ

لانفان تحتفل بـ125 عاما بعرض يزاوج الماضي بالحاضر

من عرض البلجيكي دريز فان نوتن - من عرض لانفان - من عرض لانفان - من عرض البلجيكي دريز فان نوتن - من عرض لانفان
TT

قد لا تكون شركة الطيران الفرنسية من الشركات التي يمكن الاعتماد عليها دائما، بسبب الإضرابات وعدم انضباط توقيتها وغيرها من الأمور المشابهة، وبالتالي لا يمكن القول إنها مفخرة لفرنسا على العكس من الموضة. فهذه يمكن الاعتماد عليها كليا لجذب الآلاف من عشاق الموضة، وأسبوعها قادر على تقديم طبق حافل بالإبهار والبهارات، لهذا ليس غريبا أن يعمل عشاق الموضة، جهدهم للوصول إلى عاصمة النور بوسائل مختلفة متحدين الطيران الفرنسي المضرب عن العمل. فتفويت حضور أي من العروض مسألة غير واردة، خصوصا وأن عرض البلجيكي دريز فان نوتن كان من بين هذه العروض إلى جانب بالنسياجا ولانفان. ثلاثة عمالقة أتحفوا الموضة، كل بطريقته ولغته.

البلجيكي دريز فان نوتن، مثلا، نجح في تقديم طبق شهي يتضمن كل ما تحتاجه المرأة في حياتها اليومية والعملية على حد سواء، رغم أن القصة والقصات كانت مستوحاة من حلم ليلة صيف لعبت فيها الخامات المختلفة والنقشات المتضاربة دور البطولة. على أرضية خضراء تمثل غابة استوائية بأشجار وارفة تحيط بها من الجوانب، وعلى صوت زقزقة العصافير، تخايلت العارضات بقطع مناسبة لأي وجهة عالمية في ربيع وصيف 2015. صحيح أنها غنية بالنقشات المتضاربة التي تظهر حينا على شكل أوراق الشجر وحينا آخر على شكل خطوط أفقية بألوان قوس قزح، إلا أن الأقمشة المترفة مثل البروكار والحرير المطرز منحتها بعدا راقيا، إضافة إلى التصاميم التي تنسدل وتلتف حول الجسم بشكل مريح، فيما كانت البنطلونات رحيمة به أيضا. فأغلبها كان من الحرير المقلم بالطول، مما سيضفي على لابسته رشاقة. بعد عرضه، صرح المصمم: «لا أعتبر ما قدمته اليوم تشكيلة بل مجرد مجموعة أزياء أنيقة بخامات جميلة». وبالفعل فإن المرأة ستستمتع كثيرا بها في الصيف المقبل، بدءا من الجاكيتات القصيرة إلى البنطلونات المقصبة، خصوصا تلك التي ظهرت فيها الجيوب بحجم واضح. ورغم أن التركيز كان أيضا على النقشات والألوان المتضاربة، فإنها لم تخلف أي إحساس بالتخمة، بل العكس عبرت عن فنية وقدرة عالية على خلق تناغم هادئ من الفوضى. لم تكن هناك أي قطعة متكلفة، فحتى المزخرفة والمطرزة بسخاء اكتسبت بعدا معقولا لأنه نسقها مع قطع بسيطة، «تي - شيرت» مثلا. ولأن القصة عن حلم ليلة صيف، فقد انتهى العرض بلوحة درامية جلست فيها العارضات على السجاد الأخضر الاصطناعي، ولم يغادرن المنصة، كما تجري العادة، بعد أن يحيي المصمم الحضور ويغادرون القاعة، وكأن الهدف أن لا يفيقوا من الحلم وأن تبقى الصورة مرسومة في مخيلتهم إلى آخر لحظة.

عرض بالنسياجا، في المقابل، كان مختلفا وخلف أصداء متضاربة. المتحمسون للمصمم الشاب ألكسندر وانغ رأوا أنه اكتسب ثقة أكبر استطاع من خلالها أن يمزج أسلوب الدار الراقي بأسلوبه الشبابي، بينما رأى آخرون أنه لم يكن واقعيا. من الظلم القول إنه كان مخيبا للآمال، لكنه لم يكن ديمقراطيا يخاطب كل النساء.

بداية تأخر عرضه بأكثر من نصف ساعة، وتبين أن السبب كان انتظاره لكيم كارداشيان وزوجها كيني ويست، اللذان حضرا معظم عروض باريس لحد الآن. غني عن القول أن دخولهما تسبب في جلبة وحرب بين الباباراتزي، وبعض الحضور، في محاولة لالتقاط صور لهما، لا سيما وأنهما كانا يحملان مفاجأة صغيرة: طفلتهما نورث، التي خطفت الأضواء. لم تتضايق طوال العرض من الموسيقى العالية ولم تشعر بالملل الذي ينتاب الأطفال بعد دقائق معدودات، بل كانت تتابع ما يدور حولها باهتمام بريء. بدت متعودة على الأضواء التي ولدت تحتها. بدأ العرض أنيقا وهادئا يفتقد إلى الإبهار، ربما لأن التوقعات كانت كبيرة جدا. فمنذ أن التحق الكسندر وانغ بالدار، وهناك إحساس بالتفاؤل بأنه سيأخذها باتجاه جديد، لكن ما حصل أنه خفف من المبالغات في استعمال البريق وركز على الخطوط المتناسقة كما منحها روحا شبابية. هذا لا يعني تراجع الدار أو أن التطريز بالخرز والأحجار اختفى تماما بل العكس، فهو موجود في التفاصيل بجرعات أخف مما كان عليه في السابق. لكن المثير أن عددا لا بأس به من الأزياء كان يخاطب كيم كاردشيان ومثيلاتها، مما جعل ثلاثة أسئلة تقفز لذهن امرأة بالنسياجا المعهودة: أين مكانها من الإعراب في هذه التشكيلة؟ وأين يمكنها أن تلبس هذه الأزياء؟ وكيف تجعلها تناسب حياتها الخاصة؟. فالألوان مطفية وغير مشهية كما أن بعض التنورات والمعاطف الـ«ميدي» والطويلة لا يمكن أن تناسب الكل. مما يشفع لها خطوطها المفصلة التي عاد فيها المصمم إلى أرشيف الدار، وتلك الروح الشبابية التي يتمتع بها أسلوبه الخاص التي انبعثت من بعض القطع ومن طريقة تنسيقها مع بعض.

عرض لانفان كان عرسا ممتعا بكل المقاييس. فقد خرج الجميع وهم متفقون على عبقرية المصمم ألبير إلبيز، إلى حد أن لا كيم كارداشيان أو كيني ويست نجحا في خطف الأضواء من الأزياء رغم أنهما تسببا في تأخر العرض بـ40 دقيقة تقريبا. بمجرد ظهور أول عارضة نسي الكل وجودهما. فالبطولة المطلقة كانت للأزياء، التي غلبت عليها ألوان حيادية تتباين بين الأسود والبيج والعاجي والنحاسي والأزرق الغامق ونفحات من الأصفر. كما خفف فيها المصمم من النقشات والرسمات التي شاهدناها في كثير من العروض من نيويورك ولندن إلى ميلانو، بحيث ظهرت في مجموعة صغيرة وبشكل هادئ، مما جعل عرضه بمثابة نسمة صيف منعشة بالمقارنة. الكثير من القصات استحضرت أناقة الزمن الماضي من دون الإغراق فيه، فألبير إلبيز لم يكن يريد من هذه العودة أن يعيش فيه، بل فقط أن ينتقي منه ما يروق له ويترجمه حينا في فساتين منسابة تذكر بأسلوب المؤسسة جين لانفان أو بحقبة العشرينات أو الأربعينات، أو قفاطين تستحضر ثاليثا غيتي في مدينة مراكش، أو مجموعة من الجاكيتات المفصلة، بعضها على شكل توكسيدو وبعضها الآخر على شكل سترات رجالية طويلة ومزدوجة يمكن أيضا استعمالها معاطف قصيرة.

دار لانفان تحتفل هذا العام بعامها الـ125، ما كان أحد الأسباب لهذه الرحلة التاريخية لحقب الموضة وأيضا لأرشيف الدار الغني، من التوكسيدو إلى البنطلونات المقصبة، لتبقى الغلبة للفساتين ذات الأطوال المتنوعة. فهي إن لم تكن فوق الركبة، فإنها غطت نصف الساق أو الكاحل. كما جاء بعضها دون أكمام وبعضها بأكمام واسعة تصل إلى الخصر. الصورة التي تخرج منها من العرض بأن المصمم نجح في اختزال تاريخ يمتد إلى 125 في لوحة فنية وعملية ممتعة، جمع فيها جمال الماضي بقوة الحاضر، من دون أن ينسى رفيقات دربه من العارضات المخضرمات اللاتي أعادهن إلى الأضواء، مثل فيوليتا سانشيز، التي عملت مع هيلموت نيوتن في الثمانينات، وكريستن أوين (43 عاما)، وأمبر فاليتا (40 عاما)، وغيرهن ممن قدمن درسا رائعا للعارضات الصغيرات. كان كل شيء في العرض يقول بأن الحاضر امتداد للماضي وأن الشباب هو شباب الروح. أما الجمال فهو الثقة التي تظهر على وجه المرأة وهي تلبس قطعة مناسبة وتنعكس على مشيتها، الأمر الذي جسدته عارضاته أحسن تجسيد مساء يوم الخميس.