قسنطينة في سباق مع الزمن لاحتضان فعاليات «عاصمة الثقافة العربية»

عاصمة الشرق الجزائري تتأهب لملتقيات فنية ونشر ألف كتاب بالمناسبة

جسر بقسنطينة
TT

تستعد قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، لاحتضان تظاهرة عاصمة الثقافة العربية لعام 2015، بعد أن وقع الاختيار على هذه المدينة العتيقة والعريقة، المعروفة في الوسط المحلي بمدينة «الجسور المعلقة»، لتكون قبلة لرموز الثقافة والفن والعلم في الوطن العربي على مدار سنة كاملة.

جمال فوغالي، مدير الثقافة بمدينة قسنطينة، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن أشغال الورشات والمنشآت الثقافية التي استحدثت لهذه التظاهرة قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء، بالإضافة إلى بعض المشاريع التي تم تدشينها، مشيرا إلى «حرص المسؤولين على المتابعة اليومية، حيث تحرص وزيرة الثقافة نادية لعبيدي ووالي الولاية (المحافظ) على تفقد كل المشاريع بشكل دائم، بالإضافة إلى الزيارات المتتالية لرئيس الوزراء عبد المالك سلال إلى الولاية من أجل تفقد وتيرة الأشغال»، وعلق بأن ما تردد عن عدم جاهزية بعض الهياكل والمنشآت الثقافية التي ستحتضن فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية هي مجرد إشاعات، وقال: «نحن أمام تحد ومع انطلاق التظاهرة ستكون كل المشاريع جاهزة». وعادت التظاهرة على عاصمة الشرق الجزائري بالفائدة، حيث تجرى مشاريع لترميم عدد من الجسور الأثرية وكذا غالبية المواقع التاريخية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. وذكر فوغالي في هذا الصدد أنه «سيتم ترميم كل التراث الأثري للمدينة بما في ذلك الأحياء العتيقة بحواريها وأزقتها، وإعادة الاعتبار للمعالم الثقافية على غرار زاوية سيدي (محمد لغراب) وضريح (ماسينيسا)».

وبدوره، أكد سامي بن شيخ محافظ تظاهرة «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية» لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة الجزائرية رصدت مبلغ 7 مليارات دينار جزائري (75 مليون دولار) للتظاهرة منذ سنتين. لكنه أشار إلى احتمال خفض المبلغ في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية.

ومن المقرر أن تنطلق فعاليات «العرس الثقافي العربي» يوم 16 أبريل (نيسان) وهو التاريخ الذي يحتفل به الجزائريون باعتباره «يوما للعلم»، وذلك من خلال عرض تحت عنوان «أضواء وهمسات الصخر»، الذي ستحتضنه قاعة «الزينيت» التي تتسع لـ3 آلاف شخص. وأوضح فوغالي أن الانطلاقة ستكون من خلال عرض جدارية كبرى حول مسيرة «سيرتا» (الاسم القديم لقسنطينة)، من الفترة النوميدية إلى يومنا هذا، حيث أسندت مهمة تجسيد الملحمة إلى مواهب وفنانين جزائريين. وكانت في السابق إدارة الديوان الوطني للثقافة والإعلام تسند مهمة عروض افتتاح التظاهرات الفنية الضخمة، على غرار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وخمسينية الاستقلال وغيرها، إلى فرقة «كركلا» اللبنانية، الأمر الذي ألّب الوسط الفني في الجزائر ضد وزارة الثقافة. ويروي العرض الثقافي الفني «أضواء وهمسات الصخر» مسار مدينة سيرتا التي يمتد وجودها إلى 3 آلاف سنة عبر التاريخ وفي مختلف جوانب الحياة، كما سيصور العرض مرور شخصيات تاريخية عبر هذه المدينة بدءا بالزعيم ماسينيسا، إلى غاية الإمام عبد الحميد بن باديس، مرورا بالمفكر مالك بن نبي والكاتبين مالك حداد وأحمد رضا حوحو. كما سيسبق الافتتاح الرسمي، عرس شعبي بهيج ينظم يوم 15 أبريل بتحضير طبق «كسكس عملاق» على جسور المدينة، وتقديم عروض فنية ثقافية تعرف بخصوصيات مدينة «سيرتا» الأصيلة.

وتتجه وزارة الثقافة الجزائرية إلى نشر أزيد من ألف عنوان كتاب في مختلف الميادين الثقافية والعلمية والأدبية، وتنظيم 375 حفلة مقسمة بين كل المؤسسات الفنية، و134 عرضا، بين الحفلات الفنية والعروض المسرحية التي ستحتضنها قاعات محمد العيد آل خليفة ومالك حداد وقصر الباي، إلى عقد المهرجانات والملتقيات والمهرجانات الثقافية والفنية المحلية والدولية التي دأبت قسنطينة على عقدها في مواسم مختلفة، هذا بالإضافة إلى إطلاق 3 قوافل فنية عبر ولايات الوطن، كما سيكون للمسرح حصة الأسد في العروض التي ستقدم طيلة السنة، إذ سيعرض 108 عروض مسرحية بقسنطينة و200 عرض عبر الولايات الأخرى، بالإضافة إلى المهرجانات المسرحية.

ولم تقص محافظة تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التراث المعنوي للمدينة من أجندتها، إذ سيتم تقديم أفلام وثائقية حول التراث القسنطيني، وبالأخص التراث الغنائي وهو الطابع الغنائي المعروف بـ«المالوف» الذي يميز المدينة، كما سيتم في إطار التظاهرة إنتاج 5 أفلام طويلة و10 أفلام قصيرة، إلى جانب 15 فيلما وثائقيا. وسيجري أيضا طبع مخطوطات تعالج جوانب دينية، لم يسبق أن نشرت لعلماء دين عاشوا وأقاموا بقسنطينة.

وأجرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف اتصالات مع بعض عائلات المدينة التي تملك هذه المخطوطات من أجل «تأهيل» التراث الإسلامي غير المادي لإحدى أقدم مدن العالم والاستفادة من هذه المخطوطات. وذكرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، أنها اتصلت بعائلات من قسنطينة لاسترجاع بعض المخطوطات التي ظلت حبيسة أدراج أصحابها قرونا من الزمن، لغرض تأهيل التراث الإسلامي غير المادي لإحدى أقدم المدن التاريخية، حيث تسعى هذه الأخيرة، إلى نفض الغبار عن كتابات دينية قيمة، كما تم إطلاق ترميم 5 مساجد و9 زوايا، بالإضافة إلى العمل السمعي البصري، حيث تمت برمجة إنجاز سلسلة من الأشرطة تتضمن أقدم مساجد المدينة على غرار مسجد «سيدي جليس» و«الكتانية» والزوايا مثل «الزاوية التيجانية» و«السيدة حفصة» و«العيساوية».