مكتبة تشتهام: الهدوء يلف المكان منذ أن جلس فيها كارل ماركس!

تأسست عام 1653 من أجل توفير المعرفة لمنطقة شمال إنجلترا

TT

في ثنايا التاريخ البريطاني قصص عجيبة منها قصة مكتبة تشتهام في مانشستر التي ظل الهدوء الأكاديمي يعم أرجاءها لمدة 350 عاما. تأسست مكتبة تشتهام عام 1653م من أجل توفير المعرفة لمنطقة شمال إنجلترا. وهي الآن تعد أقدم مكتبة تاريخية في بريطانيا، وربما في العالم، وتقع في مركز مدينة مانشستر في مبنى تاريخي عتيق مشيد بالأحجار الرملية وكان في الأصل سجنا للرجال المنحرفين في المدينة.

واشتهرت المكتبة ببعض الشخصيات التاريخية التي استخدمتها حيث اجتمع فيها كارل ماركس وفريدريك إنجلز عندما زار ماركس مدينة مانشستر. وتخصص المكتبة حاليا رفا كاملا لكتب الاقتصاد التي كان يطلع عليها ماركس والتي شكلت نظريته التي نشرها فيما بعد تحت اسم «البيان الشيوعي» وذلك في عام 1848م.

وأنشأ المكتبة تاجر أقمشة ثري هو همفري تشتهام الذي أوصى بأن تفتح المكتبة أبوابها للأكاديميين والعامة على السواء، وألا تتقاضى المكتبة أي رسوم من كل من يدخلها. وعمل مجلس الأوصياء على المكتبة على جمع أكبر مجموعة من الكتب في كل التخصصات لخدمة الأطباء والمحامين وطلاب العلم.

ولم تكن المكتبة هي الإرث الوحيد في مانشستر من تشتهام حيث بنى مستشفى في المدينة ومدرسة لتعليم الأطفال الأيتام، وهي الآن من أشهر مدارس تعليم الموسيقى في إنجلترا. وتقع المكتبة والمدرسة والمستشفى في مواقع متلاصقة في مانشستر.

وتحتوي المكتبة على أكثر من 120 ألف كتاب ومطبوعة نصفها يعود إلى ما قبل عام 1850. واشترت المكتبة معظم كتبها التاريخية مستعملة مثل كتاب «أفلاطون» الذي اشترته في عام 1655 بثمن يعادل 3.5 إسترليني (5.5 دولار)، وكتاب آخر اسمه «بروسبر أوف اكيتين» كان من ممتلكات الملك هنري الثامن ومغلف بجلد الغزال واشترته المكتبة بسعر 8 شلنات (أقل من دولار واحد) في عام 1674. وفي ذلك العصر كانت الكتب المطبوعة تعد من الممتلكات الثمينة.

وكان أول أمين لمكتبة تشتهام يتقاضى 10 جنيهات في العام بالإضافة إلى السكن. واقتنت المكتبة أيضا عددا من النسخ الأولى الجديدة لمطبوعات اعتبرتها قيمة مثل رواية «الفردوس المفقود» لمؤلفها ميلتون، في عام 1667، وقاموس اللغة الإنجليزية الذي ألفه صاميل جونسون في عام 1755. كما توجد في المكتبة مجموعة كبيرة من اللوحات الزيتية والأعمال الفنية لفنانين إنجليز منذ القرن السابع عشر. وتحتوي المكتبة أيضا أول عمل مترجم في العالم من الألمانية إلى الإنجليزية، وهو نسخة من كتاب «تاريخ نورمبرغ» لمؤلفه هاتمان شيدل، وذلك عام 1493. وهي ربما من المكاتب الوحيدة في العالم الذي تفتح أبوابها بصفة مستديمة منذ عام 1653. وهي تعمل الآن كجمعية خيرية وما زال استخدامها مجانيا.

من الأعمال الأخرى التي تحويها المكتبة المجموعة الكاملة لأعمال جون جنيسون لتصنيف الحيوانات والطيور والنباتات في آلاف الرسوم. وفي العام الماضي حصلت المكتبة على معونة مالية من أجل إتاحة هذه المجموعة للباحثين على الإنترنت.

من المجموعات الأخرى مجموعة جون بايروم الذي يقال إنه اخترغ لغة الاختزال للكتابة السريعة، والذي عرضت عليه المكتبة في عام 1718 أن يكون أمينها ولكنه رفض العرض لأنه كان يجمع كتبا لمكتبته الخاصة. ومع ذلك عمل بايروم مندوبا عن المكتبة لشراء الكتب الثمينة في مزادات لندن وإرسالها إلى مانشستر. وبعد وفاته في عام 1870 تبرعت وريثته الينور اثرتون بالمجموعة التي تحوي 2800 كتاب إلى المكتبة.

وفي ذلك الحين لم تكن الكتب تعرض في أرشيف خاص بمجالات معينة، ولكن كانت تصف على الرفوف وفقا لحجمها. وفي عام 1791 بدأت عملية الأرشفة وفقا للموضوع، حتى يجد الباحثون في مجال معين كل الكتب التي تهمهم في موقع واحد.

وتقول المكتبة عن نفسها إنها الأقدم «في العالم المتحدث باللغة الإنجليزية»، وهي ما زالت مفتوحة للعامة بلا رسوم دخول وإن كان مجلس الأوصياء يقترح تبرعا بمبلغ 3 جنيهات من كل زائر للمساهمة في الحفاظ على التكاليف الدورية للمكتبة. وهي تعد من المعالم السياحية الشهيرة في مانشستر ويزورها يوميا عشرات السياح خصوصا هؤلاء المهتمين بمتابعة مسار حياة كارل ماركس. ولمن يود زيارة المكتبة فهي تفتح أبوابها يوميا ما بين التاسعة صباحا إلى الثانية عشرة ظهرا ومن الواحدة والنصف إلى الرابعة والنصف عصرا من الاثنين إلى الجمعة. ولمن يريد زيارة المكتبة للبحث والاطلاع والقراء عليه تحديد موعد لذلك نظرا لشدة الإقبال عليها ولكن الزيارة العابرة لا تتطلب موعدا. كذلك تطلب المكتبة من المجموعات إبلاغها قبل الزيارة للتأكد من وجود مساحة كافية لاستقبال الزوار.

وتعتبر المكتبة الآن متحفا أكاديميا حيث حصلت رسميا على هذا اللقب من مجلس الفنون البريطاني. وهي تستقبل بين الحين والآخر دورات تدريبية وأكاديمية مثل تلك التي يديرها حاليا الدكتور مايكل هربرت عن تاريخ مانشستر، وهي دورة تستمر لمدة 8 أسابيع وتقام في المكتبة.

وتعمل المكتبة حاليا على تحويل أرشيفها الثمين إلى أرشيف رقمي محفوظ على الإنترنت كما توفر بعض المجموعات الخاصة على أقراص «دي في دي». ومن ضمن المخطوطات المتاحة الآن على الإنترنت وثيقة تبحث في أصول نشأة مدينة مانشستر منذ العصر الروماني وحتى عام 1650. ويعمل الكثير من الطلبة المتطوعين على برامج تحويل المجلدات والكتب التاريخية إلى وثائق رقمية محفوظة على الإنترنت حيث تظل محفوظة بلا تأثير من مرور الزمن عليها.

ومع ذلك تعمل المكتبة على برنامج موسع لحفظ الكتب القديمة وترميمها للاحتفاظ بها في أفضل حال للأجيال القادمة. ويمكن الجمع بين زيارة المكتبة وزيارة مدرسة تشتهام للموسيقى التي تقع في المبنى المجاور. ولا تتيح المكتبة مساحات لصف السيارات إلا لمن يحمل ترخيص إعاقة.