الآثار المصرية تبدأ خطة عاجلة لترميم مسجد السلطان حسن

يعتبر درة العمارة الإسلامية بالقاهرة وكان بمثابة جامعة ثقافية

لقطة للمسجد من الخارج تظهر ما يتمتع به من جمال التصميم
TT

أعلن الدكتور محمد إبراهيم وزير الدولة لشؤون الآثار المصري بدء الإجراءات الفعلية لصيانة جامع السلطان حسن بقلعة صلاح الدين بالقاهرة، ضمن خطة للوزارة لترميم المسجد الذي يعاني بعض التصدعات.

وقال الوزير عقب تفقده مؤخرا موقع الجامع إنه سيتم تزويد المسجد ببوابة إلكترونية، وأنه تم الانتهاء أيضا من إعداد المقايسة الخاصة بإعادة النظر في أسلاك الشبكة الكهربائية داخل المسجد لجعلها غير مرئية للزوار، مشيرا إلى أنه تم الانتهاء من إعداد المقايسة الخاصة بتركيب كاميرات المراقبة بالجامع بتكلفة وصلت إلى 78 ألف جنيه يسهم فيها مجلس إدارة المسجد برئاسة المفتي دكتور علي جمعة بمبلغ 20 ألف جنيه، وذلك ضمن خطة لتأمين المسجد والمنطقة الأثرية على مدار الساعة من خلال غرفة مراقبة مركزية. لافتا إلى إعداد مكتبة للتراث بالمسجد، تضم كتبا تاريخية تتناول مصر في العصر الإسلامي مع إعداد مقترح للأنشطة الثقافية والدينية لتنظيم وإقامة المحاضرات والندوات الثقافية والدينية والتربوية والعلمية المتعلقة بالشباب.

ولفت وزير الآثار إلى أن مشروع الصيانة سوف يتضمن أيضا تخصيص منطقة خدمية لخدمة زوار المنطقة من المصريين والأجانب. داعيا إلى ضرورة الاهتمام بتجميل وتشجير المنطقة الأثرية المحيطة بالمسجد والعمل على تأهيلها بشكل جمالي يليق بجلال الآثار الإسلامية بالمنطقة. مشددا على أهمية مخاطبة وزارة الأوقاف لإخلاء مبنى الدفتر خانة بمسجد الرفاعي، بهدف استخدامه ضمن منظومة تطوير المنطقة الأثرية لمسجدي السلطان حسن والرفاعي، بالإضافة إلى ترميم إيوان القبلة وتأهيل شبكات الكهرباء وتركيب كاميرات مراقبة لتأمين المسجد.

ويعد جامع السلطان حسن درة العمارة الإسلامية المملوكية بالقاهرة ويقف شامخا على قلعة صلاح الدين في تجانس معماري أخاذ مع عمارتها الأيوبية.

المسجد أنشأه السلطان الناصر «حسن بن محمد بن قلاوون» أحد أبرز سلاطين دولة المماليك في العام 1356 م، وكان الغرض من إنشائه تدريس المذاهب الأربعة، ولذلك قام السلطان بتعيين المدرسين والمراقبين، وحدد لهم المرتبات، ووضع لكل مدرس 100 طالب يقوم بالتدريس لهم، وألحق بالمدرسة سكنا للطلبة المغتربين.

وقد بدئ في بناء هذا المسجد عام 1356 م (757 هـ) واستمر العمل فيه ثلاث سنوات بغير انقطاع إلى أن مات السلطان حسن قبل أن يتم بناؤه، فأكمله من بعده أحد أمرائه وهو بشير الجندار الذي أتمه في العام 1363م (764 هـ)، ولم يشأ القدر أن يدفن السلطان حسن في الضريح الذي أنشئ من أجله فدفن به ابنه أبو الشهاب أحمد.

ويعد الجامع الوحيد بين مساجد القاهرة الذي يجمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، ما يجعل أثره قويا في نفوس زائريه، إذ له خصائصه التي لا يشترك معه فيها غيره.

والمسجد تتوفر فيه دقة الصناعة وتنوع الزخارف، كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات، فيرى فيه الزائر دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة، بجانب براعة صناعة الرخام ممثلة في وزرتي القبة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر و«دكة المبلغ» وكسوة مداخل المدارس الأربعة المشرفة على الصحن ووزرات أعتاب أبوابها. كما يشاهد الزائر دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها مجسمة في كرسي السورة الموجود بالقبة.

ويعتبر باب المسجد النحاسي من أجمل الأبواب المكسوة بالنحاس، وهناك على أحد مدخلي القبة باب مصفح بالنحاس حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة.

بداخل المسجد أربع مدارس لتدريس المذاهب الأربعة (الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي)، كتب على كل من أبوابها «أمر بإنشائها السلطان الشهيد المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في شهور سنة 764 هـ».

وللمسجد أربع واجهات، تقع الواجهة الرئيسية في الضلع الشمالي الذي يبلغ طوله 145 مترا وارتفاعه 37.80 متر ويؤدي الباب الرئيسي للمسجد إلى مدخل يؤدي للصحن وهو مربع الشكل تقريبا يبلغ طوله 34.60 متر وهو مفروش بالرخام وتتوسطه فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم علي ثمانية أعمدة وهذه القبة أدخلها فريق الترميم والصيانة عليها، فلم تكن موجودة من قبل.

ويصف المؤرخون مدرسة السلطان حسن بأنها صرح يتيه فيها المرء عجبا، وكأنه لم يبن مثلها في ديار الإسلام، ما يجعلها فخر العمارة الإسلامية، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالمين العربي والإسلامي.

ومن هنا ينظر المعماريون إلى المدرسة على أنها واحدة من أهم المنشآت المعمارية الدينية في القاهرة التاريخية، لما تتميز به من فن معماري في البناء، الذي يتخذ شكل المستطيل غير منتظم الأضلاع، وخال من جميع الجهات.

ويعتمد تخطيط المسجد على التخطيط المتعامد؛ حيث يتوسطه صحن مفتوح محاط بالإيونات الأربعة، كل منها مغطى بقبو، وأعمق هذه الإيوانات هو ذلك الذي يقع في اتجاه قبلة الصلاة، ويضم المحراب المنبر، الذي يتخذ شكلا معماريا بديعا.

ويضم الصحن أربعة أبواب، بواقع واحد عند كل ركن، ويتميز مدخل المدرسة بباب ضخم نحاسي، بما يشعر الزائر بشموخ العمارة المملوكية، بل وتفردها على غيرها من فنون العمارة الأخرى، وبدخول الزائر إلى ردهات المدرسة سرعان ما تفاجئه واجهة مصنوعة من الفسيفساء بأشكال هندسية إسلامية بديعة.

وإذا واصل الزائر سيره بداخل المدرسة، سيجد نفسه أمام ممر طويل منحن نسبيا، عولج بحيث لا يشعر الداخل بوجود أي انحراف، حتى يصل الزائر إلى صحن المسجد الذي ما إن يره أحد إلا تحتار فيه عيناه أين تستقر في تلك اللوحة الفنية البديعة.

وبالقرب من الصحن، تقع الميضأة المحمولة على ثمانية أعمدة من الرخام، وحول هذه الميضأة الأيونات الأربعة المتعامدة - غرف من ثلاثة ضلوع - وبجوار كل إيوان باب لأحد المدارس المذهبية الأربعة، وخلف كل باب أربعة طوابق تضم ما يقرب من 150 غرفة للتدريس.

ويتفق الخبراء على أن بالمسجد غريبة من الغرائب لم يحل لغزها إلى اليوم وهو أن الحجارة التي بأعلى الباب الموصل إلى رواق المدرسة الحنفية فيه تشابك من الوجه ومن الأسفل بحيث يستحيل أن يتم ذلك عمليا.

وقد سبق أن حاول العلامة «كريزول» فك هذا اللغز، وقام بكسر جزء من الحجر للتأكد من أن هذا ليس من قبيل الألوان أو التركيب ولكنه لم يصل إلى شيء وما زال الكسر موجودا في الرواق الآخر. وبذلك تبدو مدرسة «السلطان حسن» أضخم وأعلى وأفخم المباني الأثرية بالقاهرة وأجمعها لمحاسن العمارة، حتى اعتبره البعض أبدع آثار القاهرة وأكثرها تجانسا وتماسكا وكمالا، وأجدرها بأن يقوم بجانب تلك الآثار المدهشة التي خلفتها مدينة القاهرة.