سائق تاكسي لندن الأسود.. عبقري خرائط ينافس جهاز «دليل الطرق»

يدرس عامين لحفظ 25000 شارع و20000 من المعالم والأماكن الأساسية

تاكسي لندن الأسود واحد من أشهر معالم المدينة
TT

يعتبر تاكسي لندن الأسود واحدا من أشهر معالم بريطانيا، مثل قطار الأنفاق أو كابينة التلفون الحمراء وصندوق البريد.

وظهرت أول سيارة أجرة في عهد الملكة إليزابيث الأولى وكان يطلق عليها «هاكني» وتجرها الخيل، وهي خاصة بالأغنياء وليس النبلاء في تلك الفترة، وتطور الأمر بظهور نوع آخر في عام 1897 يعمل بالطاقة الكهربائية ويعرف باسم «الطيور الطنانة» لصوتها المزعج، وعملت منها 50 سيارة في عاصمة الضباب إلا أنها لم تستمر طويلا وتم سحبها عام 1900 لما أحدثته من ازدحام وربكة في الشوارع إضافة لخطورتها. وفي عام 1903 ظهر أول تاكسي يعمل بالبنزين في لندن وصنع في فرنسا.

وتطور الأمر إلى أن تم تركيب عدادات إلزامية في التاكسي في عام 1907 وأصبحت تعرف باسم سيارات الأجرة. هذا التطور لتاكسي لندن شهد أيضا تطورا لسائقي السيارة السوداء، وأصبح الحصول على رخصة لقيادة التاكسي يتطلب عبقرية وليس مهارة في القيادة فقط بل امتحانا خاصا بالمعرفة (the knowledge).

ويذكر أن باحثين فحصوا أدمغة 16 من سائقي تاكسي لندن الذين قضوا عامين لمعرفة شوارع لندن فوجدوا أن لديهم أكبر مساحة للذاكرة والتحكم في المواضيع. وهذا الأمر لم يأت عن طريق الصدفة بل بالدراسة المدعومة بزيارة تلك الشوارع والمعالم.

وينقسم امتحان المعرفة إلى قسمين: قسم خاص بوسط لندن وهؤلاء يحملون الإشارة الخضراء بعد النجاح، أما القسم الثاني: فيشمل ضواحي لندن وهي 9 مناطق كل منطقة لها امتحان خاص بها تؤهل الناجح للعمل في المنطقة ويحملون علامة صفراء.

وفي هذا الصدد يحكي سائق التاكسي، كارين مارتين، لـ«الشرق الأوسط»عن تجربته مع امتحان المعرفة، الذي قال «إن جميع السائقين في لندن الذين يعرفون باسم سائقي الإشارة الخضراء يحتاجون إلى معرفة 320 طريقة تساعدهم في حفظ 25000 شارع و20000 من المعالم والأماكن الأساسية بما فيها الفنادق والمطاعم داخل مساحة دائرية نصف قطرها 6 أميال من منطقة (شارنغ كروس) في وسط لندن».

وحسب مارتين فإن الدراسة تتطلب عامين إلى 4 أعوام، وأضاف: «هذا يتطلب منك زيارة كل هذه الشوارع والمعالم لمعرفتها».

وقال مارتين إنه استأجر دراجة نارية ووضع أمامه خريطة للمنطقة وقام بزيارة كل الشوارع والمعالم قبل الامتحان، وأضاف ضاحكا أحيانا كنت أحلم بالخريطة، وفي بعض الأحيان أستيقظ من النوم وأنظر فورا للخريطة التي أصبحت دراستها ومراجعتها والقيام بزيارة للأماكن جزءا من حياتي بل كل حياتي اليومية. وأضاف أنه يعرف شخصا درس 9 سنوات ولم ينجح. وقال: إن نسبة النجاح تصل إلى 5% فقط و95% لا ينجحون.

أما بالنسبة لسائقي الضواحي المعروفين باسم سائقي الإشارة الصفراء فإن عليهم معرفة ما بين 30 إلى 51 دائرة للتحرك فيها ومعرفة كل الطرق بما فيها الأماكن والمعالم الأساسية في الضاحية والأمر يحتاج إلى عامين مع اجتياز الاختبار ليصبح سائق أجرة برخصة «سوبربان» في الضاحية المرخص له العمل فيها.

وقال مارتين إنه أحب المهنة باعتبار أنه يمكنه أن يعمل حسب الوقت الذي يريده بعبارة أخرى أنه مدير نفسه. وعن العائد المادي قال مارتين يمكنك أن تحصل على 30 ألف جنيه إسترليني في العام، أما إذا لم تكن لديك أسرة وتعمل كل الأيام فقد تحصل على 70 ألف جنيه إسترليني في العام.

ومن جهته يقول ستيف توماس ممتحن سائقي التاكسي إن امتحان المعرفة أمر ضروري لسائقي التاكسي وليس الغرض منه تصعيب العمل وتعقيد الأمور بل يساعد السائق على التعرف على الطرق السريعة والمختصرة لتوصيل الزبون ولتفادي الإحراج عندما يسأل من طرف الزائر أو السائح إلى لندن عن مكان ما في العاصمة البريطانية. وأضاف توماس «الزمن واختصار الوقت والسرعة» أمور مهمة لسائق التاكسي الأسود.. وهي تتطلب المعرفة الدقيقة لتلك الشوارع.

وأضاف أن المعرفة بشوارع لندن بدأت منذ عام 1851 وهي كانت الانطلاقة الأولى لمعرفة كل معالمها وتسجيلها عند مراكز الشرطة حيث قامت مجموعة من المتطوعين بجمع المعلومات وأرشفتها في تلك المراكز وبعدها تطور الأمر لوضعها في خرائط تفصيلية.

وفي برنامج بثته الـ«بي بي سي» مؤخرا أجريت المقارنة بين الذين يستخدمون جهاز القيادة عبر الأقمار الصناعية (Sat - navigation) وسائقي التاكسي الذين يستخدمون عقولهم للوصول إلى معلم معين في وسط لندن في نفس الوقت، كانت النتيجة هي وصول سائق التاكسي قبل الذين يستخدمون الجهاز بفترة زمنية تصل بين 20 إلى 35 دقيقة.

وفي هذا الصدد، يذكر سائق تاكسي: «أن أصحاب (الميني كاب، وهو تاكسي مرخص دون الخضوع لامتحان المعرفة)، دائما يتوهون في شوارع لندن المزدحمة، وأضاف قائلا: الأجهزة تعمل بالأقمار الصناعية وأي اضطراب في الجو أو الاستقبال قد يؤثر عليها، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع السائق في شوارع العاصمة الضيقة، لذلك أصحاب الأعمال يحبذون التاكسي الأسود للسرعة ومعرفة الطرق والأماكن». وأضاف «صحيح (الميني كاب) قد يكون أرخص لكن قد يضيع وقتك خاصة إذا كان السائق لا يعرف الطرق والمكان الذي يقصده».

ومن جهته، يقول جون وليمز: «إنه لا يمانع في خدمة (الميني كاب) إذا كانت المنافسة شريفة، لكن المشكلة في الفنادق لأن معظم الذين يعملون فيها يضللون الزبائن بأن التاكسي الأسود غالي التكلفة وأن الرحلة إلى مطار هيثرو تكلف 100 جنيه إسترليني بالتاكسي الأسود بينما (الميني كاب) يكلف 70 جنيها إسترلينيا. ورغم أن بعض من يستخدمون هذا التضليل يأخذون نسبة مقابل تقديم خدمة لأصحاب (الميني كاب)»، وأضاف «في الواقع أن تكلفة المشوار إلى مطار هيثرو 50 جنيها إسترلينيا فقط» وهذا يبين أن المشكلة والعقبة الكبيرة هم عمال الفنادق ليس «الميني كاب».

أما عن تكنولوجيا جهاز القيادة بالأقمار الصناعية «السات ناف»، فقال جون إن الجهاز قد يوصل إلى المنطقة التي تقصدها ولكن ليس لديك خيار في اختيار الشوارع السريعة والقصيرة، وأضاف أن امتحان المعرفة بشوارع ومعالم لندن أمر مهم لسائق التاكسي الأسود.

وذكر أنه خلال أول تجربة له للعمل كسائق بعد النجاح في اختبار المعرفة كان مضطربا لدرجة أنه لم يكن يعرف كيف يفتح الباب الخلفي لاثنين من الزبائن طلبا الذهاب إلى «كلافام جنكشن» في جنوب لندن من «كوفنت غاردن»، وقال: «إنني اعتذرت بأنني قد حصلت على شاهدة النجاح لتوي فضحكا»، وأضاف «وهنآني عليها».

وعن امتلاك سيارة التاكسي يقول جون: «يمكنك تأخير السيارة بمبلغ 250 جنيها إسترلينيا في الأسبوع، وهي نفس التكلفة التي سوف تدفعها لامتلاك سيارة، أنا شخصيا أحب تأجير السيارة».

وعن العائد المادي الذي يحصل عليه من التاكسي في العام، قال جون «هذا يختلف من شخص لآخر كل حسب ظروفه المعيشية، ولكنه رفض الإفصاح عن المبلغ الذي يتحصل عليه».

وحسب شركة «ايتيز ميديا» يوجد في لندن 24 ألف سيارة تاكسي أسود تحصل جميعها على خدمة للإنترنت.

ويذكر أن 93% من سائقي التاكسي من البيض.. ولكن هذا الرقم لن يستمر طويلا، وحسب بعض المعلومات فإن هناك عددا من أبناء بنغلاديش وشمال أفريقيا ينافسون في المهنة ويتوقع ارتفاع نسبتهم 35% خلال السنوات القليلة المقبلة.