فن «الغرافيتي» في أفغانستان.. أداة للتحدي والتمرد الفني والاجتماعي

مالينا سليمان تغضب طالبان والرئيس كرزاي يشتري لوحتين من أعمالها

عمل لمالينا حول تمزق أبناء شعبها بين القيم الغربية وقيم حركة طالبان
TT

تعمل فنانة «الغرافيتي» الأفغانية مالينا سليمان على تشكيل أعمالها الفنية المعدنية في استوديو الفن بمومباي، وانتهت من رسم نقاب يكسو هيكلا عظميا لامرأة وسط حالة من الإشادة والاستحسان الذي تستحقه. وتقول إن هذه المرأة هي تصوير ذاتي لها. وتركز مالينا حاليا على الأعمال المعدنية؛ حيث إنه لم يكن أمامها عندما كانت في أفغانستان سوى خيار فن «الغرافيتي» أو الكتابة على الجدران. وأصبحت تلك الفتاة مدانة لمجرد تعبيرها عن رأيها من خلال رسوماتها، وغالبا ما يتم رشقها بالحجارة علنا بسبب أعمالها الفنية «المعادية للإسلام». وأصبحت أعمالها الفنية، سواء عن قصد منها أو من دون قصد، عملا احتجاجيا ونوعا من التحدي.

وهربت مالينا سليمان، التي تجرأت على تحدي حركة طالبان عن طريق ممارسة فن الغرافيتي في كابل وقندهار، إلى مومباي في الهند، حيث تقيم حاليا. وتقول مالينا إنها واحدة من الفنانات القلائل اللاتي تلقين تهديدات وتعرضن لاعتداءات من بعض المارة في قندهار، وذلك بسبب أعمالها الفنية الموجودة على الجدران وتصريحاتها السياسية الجريئة. وتضيف: «يتلفظ الناس أمامي بكلمات بذيئة، كما يهددون بالتعدي علي، وكان بعضهم يرشقني بالحجارة، رغم ارتدائي للبرقع». ومع كل هذا، أعربت عن سعادتها بالحرية التي تتمتع بها في مومباي.

مالينا، التي تبلغ من العمر 23 عاما، أصبحت مميزة بين زميلاتها في كلية جامسيتجي جيبوي للفنون في مدينة مومباي. وهذا ليس فقط بسبب ارتدائها الحجاب أو ملامحها الأفغانية المميزة، بل لأنها متحفظة بشكل خاص على عكس زميلاتها الأخريات اللاتي يهتممن بالتعارف وتكوين العلاقات الاجتماعية بعد انتهاء اليوم الدراسي، إذ إنها تخرج مسرعة من الحرم الجامعي، وبعيدا عن أضواء وسائل الإعلام، نحو والدها الموجود في المستشفى. ويتلقى والد مالينا العلاج في مستشفى مومباي نتيجة هجوم مدبر من حركة طالبان عليه خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وذلك عقابا له على تجرؤ ابنته ورسمها على الجدران في كل من كابل وقندهار. وتقول: «بمجرد خروج والدي من سيارته، تم ضربه بشيء ثقيل يشبه الحجر».

وقالت إنها رسمت على الجدران في قندهار قبل أيام قليلة من وقوع الحادث. ما رسمته كان عمامة مثل التي يرتديها عناصر حركة طالبان «كرمز لإحدى قوى الشر التي تتخذ من أفغانستان مكانا لممارسة أنشطتها». وفي صباح اليوم التالي، تم تلطيخ هذا الرسم الجريء، وتم توصيل تهديد إلى منزل مالينا. وتقول: «طرقت إحدى العاملات لدينا الباب في الساعة السادسة صباحا لإبلاغ والدي أنها سمعت أن حركة طالبان غاضبة مما قمت به. وكان الأمر صادما لأهلي لأنهم لا يعرفون حتى إنني فنانة غرافيتي».

وكان رد فعل حركة طالبان تجاه ما رسمته على الجدران سريعا جدا، على حد قولها، فلم يتمكن أي شخص من رؤية رسومي. وحينئذ أدركت «مدى قوة الفن كسلاح يفوق السلاح الحقيقي قوة».

وعندما حصلت مالينا على بكالوريوس الفنون الجميلة من مجلس الفنون في مدينة كراتشي عام 2010، بدأت تداوم على حضور ورشة عمل متخصصة بمجال الفن الغرافيتي كان قد أنشأها فنان أميركي في كابل خلال ذلك العام. وكانت ترسم رسومات مثيرة سياسيا في أفغانستان. وكان عملها الفني الأول هو رسم رأس امرأة محجبة عليها ثقب المفتاح وبجانبها المفتاح. وصورت المواطن الأفغاني العادي بين رابطة عنق أميركية معقودة بعمامة لأحد أعضاء طالبان. إنها قصة تمرد وتحد. لم تواجه مالينا، وهي الصغرى بين ثمانية أشقاء، غضب حركة طالبان فحسب، بل أيضا رفض أسرتها لعملها.

درست مالينا الفن في جامعة كابل، لكنها تركت الكلية لعدم رغبة والديها في المضي قدما في هذا المسار من الدراسة، بعد انتقالهم إلى قندهار الأكثر تحفظا منذ بضع سنوات. وأضافت: «إن أسرتي لا تريد أن يتحدث أي شخص من خلف ظهورهم حول ما تقوم به ابنتهم». ومع ذلك، ظلت الفتاة الشابة ترسم على الجدران سرا. وتقول مالينا إن أحد رسومها الذي يصور هيكلا عظميا لامرأة يكسوه نقاب، يوضح حالة المرأة في بلدها. وتقول: «سأظل أرسم على الجدران والصخور، وسيظلون يرشقونني بالحجارة ويدينونني. ومع أني سأنتقل إلى منطقة أخرى، سيتعقبونني ويرشقونني بالحجارة».

لم تكن أسرة مالينا سليمان على علم بأن ابنتها ترسم الغرافيتي على جدران المدينة وأحجارها وتنحت التماثيل، إلى أن تلقت تهديدات من حركة طالبان. وكان أول تهديد لسليمان بسبب طفل في معرض لها في قندهار احتفالا باليوم العالمي للمعاقين في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، حيث واجه تمثال لطفل عاصفة من انتقادات المحافظين، بعد إرسالهم خطابا لها يقولون فيها إنها ما كان لها أن تنحت تمثالا بشريا ثلاثي الأبعاد. وكان التمثال لطفل منحن وأحد أطرافه مفقودة. وقالت: «هناك الكثير من الأطفال المعاقين مثل هذا الطفل في أفغانستان. إنهم جزء من مستقبل بلادنا وبحاجة إلى اهتمامنا».

ورغم مباعث قلقهم، حاول والداها إثناءها عما تقوم به، لكنهما في النهاية خضعا لرغبة ابنتهم وتركا لها حرية الاختيار. مع ذلك بعد الحادثة الأخيرة التي اضطرت الأسرة إلى العودة للهند، لم تعرف مالينا ما كانت تخبأه لها الأقدار بمجرد عودتهم إلى أفغانستان. وفي الورشة الكبيرة بكلية الفنون في مومباي، يبدو على مالينا السلام والهدوء، لكن تحت هذا المظهر يختبئ قلق له جذور عميقة. وتقول: «لا أعلم ما تخبئه لي الأيام المقبلة. أنا أحاول جاهدة أن أتحرر في الوطن وفي الخارج». وتوضح قائلة: «لقد طلب مني أبي أن أقدم كل ما بداخلي من فن هنا لأنني عندما أعود لن أستطيع ممارسة الفن». وأضافت أنها تلقت مكالمة من مديرة منزلهم في قندهار تحذرها من تهديد طالبان المحدق. وتقول: «هناك بعض الغرباء يتجولون في حينا ويسألون عنا. وأعتقد أن هذا رد فعل لحديثي إلى وسائل الإعلام».

قدمت أسرتها طلبا لتجديد التأشيرة، وإذا تمت الموافقة على الطلب، فإن مالينا تريد قضاء المزيد من الوقت في مومباي قبل الذهاب إلى دلهي، وهي آخر البلاد التي تزورها. وتقول: «دائما ما نشعر بالأمان في الهند». وتضيف بينما تتطلع إلى الحرم الجامعي للكلية: «أنا أحسد الفنانين في الهند، فهنا يذهبون إلى المعارض ويقدمون الفنون كما يحلو لهم، ويحدث هذا مثل أي شيء عادي في حياتهم اليومية. أما في أفغانستان، إذا قررنا حضور معرض للفنون نترك منازلنا وأيدينا على قلوبنا خوفا من أن يتم الهجوم علينا بمادة كاوية أو نرجم بالأحجار». وتضيف: «تعتقد أسرتي أنه ينبغي لي أن أتخلى عن الفن، فقد رأوا المخاطر ويخشون أن يزداد الأمر سوءا عند العودة. إن مجرد التفكير في العودة يجعل من الصعب علي التنفس. مع ذلك، إذا توقفت عن الفن، ماذا عن النساء الأخريات؟ إذا لم أتوقف فربما تنضم إلي نساء أخريات».

أفغانستان، التي شهدت صراعا استمر لـ34 عاما بدأ بحرب الاتحاد السوفياتي عام 1979، أصبحت الآن في طريقها إلى ترسيخ قدمها في مجال الفن المعاصر. وقد عرضت مالينا لوحاتها وتماثيلها وأعمالها في عدة معارض في كابل وقندهار، وتركت بصمتها على الجدران في المدينتين دون أن تذكر اسمها. وفي قندهار، شاركت في اتحاد قندهار للفنون الجميلة الذي تم تأسيسه عام 2011 بهدف نشر الفن في المنطقة.

كما بدأت الحكومة بتشجيع الفن، ونجح فنانون في الحصول على تمويل من الدولة وكذلك أماكن لعرض أعمالهم، بل استطاعوا عرض أعمالهم في القصر الرئاسي بكابل. وتشارك مالينا في العاصمة ضمن مجموعة من الفنانين المتميزين، منهم من عرفت أعمالهم الطريق إلى الخارج. ومن أفراد هذه المجموعة شمسية حساني التي تعمل على صورة المرأة ذات البرقع الأزرق، رغم أن أعمالها تميل إلى أن تكون أقل استفزازا من أعمال مالينا التي كانت على هيئة هيكل عظمي يسترق النظر من وراء النقاب.

وكان الرئيس حميد كرزاي يشجع علنا الفن في البلاد. وخلال معرض لوحات في القصر الرئاسي، كانت اللوحتان الوحيدتان اللتان اشتراهما كرزاي من إبداع مالينا. ومن المفارقة أن واحدة من اللوحتين كانت تصور هشاشة منصب الرئيس، حيث صورته بلوح زجاج مكسور يخرج من نافذة منزل بعد انفجار بقنبلة. ورسمت جانبي اللوح الزجاجي، أحدهما بشرخ بفعل القنبلة، بينما الآخر سليم.

وتقول مالينا: «كنت أريد أن أعبر، من خلال الجانب المشروخ، عن مدى هشاشة منصب الرئيس. أما الجانب الآخر، فكان للتعبير عن صلابة بلدنا التي ستصمد حتى النهاية». ويبدو أنه في ظل وجود فنانين باسلين لا يخشون التعبير عن رأيهم مثل مالينا، لا يوجد ما يهدد مستقبل أفغانستان كما يتصور المرء.