مصير الطائرات القديمة.. فنادق ومطاعم ومساكن فاخرة

ماذا يحل بها عندما تستغني الشركات عن خدمتها؟

نسبة كبيرة من الطائرات تباع إلى جهات خاصة ويتم تحويلها إلى مشاريع تجارية كالمطاعم والفنادق
TT

تعد الطائرات الحديثة من أهم مكونات صناعة السياحة وأحد العناصر الأساسية في عالم السفر والأعمال. وهي أيضا صناعة عالمية حيوية في حد ذاتها تتعلق بها ملايين الوظائف المباشرة وغير المباشرة. وخلال أي ساعة من النهار أو الليل هناك آلاف الطائرات المسافرة عبر الأثير وحول العالم تنقل الركاب والبضائع من موقع لآخر بين قارات العالم. وتدخل السوق دوريا أجيال جديدة من الطائرات التي تحمل معها مميزات إضافية مثل الحجم الأكبر أو السرعة الأعلى أو المزيد من اقتصادية ونظافة التشغيل. ولكن ماذا يحدث للطائرات القديمة التي تستبدل شركات الطيران بها الطائرات الأحدث؟

* مصير الطائرات القديمة

* ليست هناك إجابة واحدة أو محددة عن هذا السؤال، لأن مصير هذه الطائرات يعتمد على عدة عوامل حيوية لا تقتصر على شركات الطيران وحدها وإنما تعود أيضا إلى حالة الصناعة بوجه عام وأوضاع الاقتصاد والنقل الجوي. وإذا كانت الطائرة محظوظة فسوف تبيعها شركة الطيران إلى شركة أخرى لكي تواصل الطائرة رحلاتها الجوية ولكن بشعار ولون آخر. وقد تجد هذه الطائرات أنها انتقلت جغرافيا إلى العالم الثالث لكي تواصل رحلاتها من أفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية بعد أن كانت تعمل بين المدن الأميركية أو الأوروبية.

وإذا كانت شركة الطيران تملك الطائرة، أو في حالات انتهاء تعاقد تأجيرها مع عدم الحاجة إليها لانخفاض الطلب على رحلات الطيران، فإن هذه الطائرات تذهب إلى مطارات نائية حيث ترقد هناك في سكون إلى حين الحاجة إليها مرة أخرى. وتوجد عدة مطارات في جنوب الولايات المتحدة مثل موجاف وفيكتورفيل في كاليفورنيا وغوديير في أريزونا حيث تقبع مئات الطائرات في طقس حار وجاف يقاوم الصدأ إلى حين تقرير مصيرها. ويتأرجح تعداد هذه المطارات صعودا وهبوطا عبر المواسم والسنين.

وفي المرحلة التي تلت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، زاد تعداد هذه المطارات لانخفاض الطلب على السفر الجوي. لكن معظم الطائرات المخزنة عادت مرة أخرى للخدمة مع ارتفاع الطلب. وإذا أدركت شركات الطيران أن هناك فرصا لبيع طائراتها بحيث تتاح لها مرونة شراء طائرات أحدث في الوقت المناسب، فهي لا تتردد.

* طلب كبير من العالم الثالث

* وفي فترة إحالة أعداد كبيرة من طائرات «بوينغ 727» و«737» إلى التقاعد كان هناك طلب متزايد من دول العالم الثالث على هذا النوع من الطائرات، وذهب معظمها إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية التي وجدت فيها فرص شراء رخيصة. لكن بعض هذه الطائرات يبقى في دول المنشأ لكنه يتحول من خطوط الطيران الكبرى إلى شركات تشارتر صغيرة.

وفي السنوات الأخيرة ارتفع الطلب من الجمهوريات الآسيوية السوفياتية سابقا على شراء الطائرات المستعملة من شركات الطيران الغربية. وتشتري شركات هذه الدول طائراتها من شركات الطيران مباشرة أو من شركات تأجير وبيع الطائرات. وهناك نشرات خاصة ببيع الطائرات المستعملة مثل «سبيد نيوز» و«جيت مارك».

وفي كل الأحوال تخضع الطائرات، سواء القديم منها أو الجديد، إلى إجراءات الأمن والسلامة نفسها المعممة دوليا. ولذلك قد تكون الطائرات القديمة أقل كفاءة لكنها لا تقل في درجة الأمان التي تتيحها للمسافرين في أي مكان في العالم.

وبطبيعة الحال، لا تعود كل الطائرات المحالة إلى التقاعد إلى الطيران مرة أخرى. وعلى الرغم من أن العديد من الطائرات المخزنة تكون صالحة للاستخدام وقادرة على استئناف الطيران بأمان فإن عمليات الصيانة الدورية التي تحتاجها وتجديد المحركات يجعل منها معادلة غير اقتصادية. وتترك هذه الطائرات في ما يسمى بالمقابر الجماعية، وبعد فترة يتم تقطيع أوصال الطائرة وبيعها كمعدن خردة أو استخدام الأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار فيها لطائرات أخرى ما زالت في الخدمة. وتذهب بعض النماذج النادرة إلى المتاحف كما تستخدم هيئات المطافئ في المطارات هياكل مفرغة لطائرات قديمة من أجل تدريب فرق الحريق والإنقاذ عليها.

وفي نهاية المطاف تصل الطائرات إلى محطة إعادة تدوير في مواقع «سكراب» مثل السيارات والأجهزة الأخرى. لكن حتى في هذه المقابر لا تكون نهاية قصة الطائرات.

* طائرات تتحول إلى خردة

* في بريطانيا، يحكي خبراء الطيران عن قصة مارك غريغوري الذي كان يعمل مهندسا في شركة طيران مفلسة اسمها «دان إير»، منذ 15 عاما. وعندما انتهى تعاقده مع الشركة اشترى بمبلغ التعويض المتاح له طائرة قديمة ليس بغرض الطيران بها وإنما لتقطيعها وإعادة بيع مكوناتها. واكتشف مارك أن 90 في المائة من مكونات الطائرات يمكن إعادة استخدامها، مثل أدوات خدمة الركاب والمسامير وسترات النجاة والأبواب، وحتى مهابط الطوارئ يمكن خلعها وإعادة بيعها.

وبعد نجاحه في إعادة بيع أجزاء الطائرة وتحقيق بعض الأرباح، أسس غريغوري شركة «إير سالفاج إنترناشيونال» وتحول إلى مجال إعادة تدوير الطائرات القديمة. ويعمل لدى الشركة الآن 40 فنيا يقطعون في ما بينهم 44 طائرة سنويا من مطار كوتسولد شمال إنجلترا.

ويقول أحد العاملين في تقطيع الطائرات القديمة إن كل جزء في الطائرة له رقم معين يمكن بواسطته الوصول إليه، والقطعة التي لا تحمل رقم الصنع لا قيمة لها. وتعتبر المحركات أكثر قطع الغيار قيمة في الطائرات القديمة. فالطائرات التي تصل إلى مرحلة تقطيع الأوصال تهبط إلى هذه المطارات بمحركات سليمة. وبعد إجراء التجارب وتشغيل المحركات يتم خلعها وتعبئتها في صناديق للبيع لشركات الطيران، التي تدفع في المحرك الواحد مليون دولار.

هناك أيضا استخدامات أخرى لهياكل الطائرات حيث تستخدم صناعة السينما هذه الطائرات القديمة في الأفلام لتفجيرها. وتطلب الجيوش والقوات الخاصة أحيانا بعض هياكل الطائرات لأغراض التدريب وتجارب الأسلحة.

* أكبر مقابر الطائرات

* تعد مقبرة «بونيارد» القريبة من مدينة توكسون الأميركية في ولاية أريزونا إحدى أكبر المقابر حجما في العالم، حيث تصل مساحتها إلى 2600 فدان، ومعظم الطائرات فيها من النوع العسكري. ويقيم الموقع بين الحين والآخر مزادات على الإنترنت لبيع أجزاء أو معدات من هذه الطائرات أو طائرات بأكملها. وتوجد آلاف الطائرات من كل الأنواع، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر، في هذا الموقع. وتبدو بعض الطائرات فيه بحالة ممتازة إلى درجة يمكن معها تخيل استعداد هذه الطائرات للإقلاع. بينما توجد طائرات أخرى بقطع ناقصة من هيكلها، تبدو معها وكأنها فعلا طائرات خردة.

وهي منطقة تتميز بجفاف الطقس وصلابة الأرض مما يجعلها صالحة لتحمل أوزان الطائرات المخزنة عليها. لكنها ليست خالية تماما من المتاعب حيث تسببت عاصفة ليلية ذات أمطار غزيرة في غرس طائرة من طراز «إم دي 80» في التربة الطينية، ومع شمس اليوم التالي تجمدت التربة حول الطائرة بحيث استحال تحريكها.

وفي أحيان أخرى، يتم بيع الطائرات المحالة للتقاعد إلى أفراد أو شركات خاصة لا علاقة لها بعالم الطيران حيث يتم تحويل الطائرات القديمة إلى العديد من الاستخدامات منها ملاجئ ضد الأعاصير، ومخازن. وفي السويد اشترت شركة سياحة طائرة «جامبو» من طراز «747» وحولتها إلى فندق. ويمكن أن تعرض الطائرات القديمة كنماذج في المتاحف وفي القواعد العسكرية والجوية، أو لأغراض تجميلية أو تعليمية. وتوجد طائرة من طراز «دي سي 7» تستخدم كمطعم سياحي في فلوريدا.

وفي الأحوال العادية تخدم الطائرات الحديثة لمدة 20 عاما بلا مشاكل مع إتمام الصيانة الدورية في مواعيدها. وتقطع الطائرة في المتوسط نحو 51 ألف ساعة طيران و75 ألف دورة ضغط جوي (أي إقلاع وهبوط). وبعد ذلك تزداد مخاطر تشقق المعدن من الضغوط الجوية. لكن معظم الطائرات المحالة إلى التقاعد لا تستمر في الخدمة لهذه الفترة لأن هناك العديد من الشروط البيئية التي يجب أن تلتزم بها الطائرات الحديثة، منها ما يتعلق بمعدل الضوضاء أو نظافة التشغيل، التي تستبعد تلقائيا الطائرات القديمة من الخدمة. من ناحية أخرى تستبعد شركات الطيران الطائرات القديمة تلقائيا بسبب عدم كفاءة استهلاك الوقود، الأمر الذي يجعل الطائرات القديمة أكثر تكلفة للشركات فتتخلص منها وتستبدل أخرى حديثة الصنع بها ترفع بها كفاءة التشغيل، ومعها هوامش الأرباح.