أوروك أقدم مدن العالم بمتحف الـ«بيرغامون» في برلين

يستعرض نتائج حفريات وأبحاث أكثر من 40 بعثة علمية ألمانية جنوب العراق

تمثال جلجامش المعرض بمتحف الـ«بيرغامون» ببرلين (أ.ف.ب)
TT

لم تكن «أوروك» الواقعة في جنوب العراق، التي تجاوز عمرها 5000 سنة، أقدم وأكبر مدينة في التاريخ فحسب، وإنما كانت المدينة التي ظهر فيها نبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، والمدينة التي نقلت الأساطير عنها «ملحمة جلجامش»، التي تعتبر الأقدم من نوعها في التاريخ.

هي «أور» القديمة ذات الزقورة العظيمة، وهي «أوروك» التي يعتقد أن اسم العراق (أراك) نحت من اسمها على مدى القرون. هنا ظهرت الكتابة الأولى، وكتبت القصائد الأولى، وصنع الورق من قصب البردي. وهي الخرائب العظيمة التي كانت أمنية حياة البابا الراحل بول يوهانيس الثاني زيارتها، ثم تردد في الزيارة خشية أن يستخدمها طاغية بغداد الجديد دعاية له.

ومعرض «أوروك - المدينة العظيمة 5000 سنة» في متحف الـ«بيرغامون» ببرلين، يؤرخ، ويستعرض، نتائج حفريات وأبحاث أكثر من 40 بعثة علمية ألمانية في جنوب العراق، بدأت عام 1912، أي بالتزامن مع حفريات بابل تقريبا، التي جلبت إلى ألمانيا «شارع الموكب» و«باب عشتار»، المعروضين اليوم في متحف الـ«بيرغامون» بالعاصمة الألمانية. هذا إضافة إلى الآثار والصور التي شارك فيها أيضا متحفا لندن وباريس.

يظهر المعرض المدينة الأولى بسورها وتفاصيل أبنيتها حسب الصور الملتقطة من الجو، والصور الأخرى الملتقطة بأيدي العلماء الألمان والبريطانيين والفرنسيين، إضافة إلى صور تفصيلية عن الخرائب الممتدة اليوم في محافظة الناصرية العراقية. وتكفي التعليقات المكتوبة تحت الصور، والنصوص الصغيرة المثبتة في الكاتالوغ، للحديث عن أهمية هذه المدينة بوصفها أول مركز حضاري، وأول مركز اقتصادي في العالم، وأول حياة مدينية منظمة.. وهو ما يؤكد آراء بعض العلماء الذين صاروا يعتقدون أن أور، لشدة قدمها، ظهرت أولا، ثم ظهرت الحضارة بعدها.

ويرى الزائر في المعرض آثارا، وصورا لخرائب، تكشف أن الإنسان عاش في أور في الألف الرابع قبل ميلاد المسيح (6000 سنة قبل اليوم)، وبنى حضارة عظيمة بين 3900 - 3100 قبل الميلاد. عاش في المدينة في ذلك الوقت أكثر من 50000 إنسان، ويقال إن «جلجامش» هو بالذات من بنى سورها الطويل البالغ 11.5 كلم في مطلع الألف الرابع قبل الميلاد.

وتكشف الصور والآثار مكان وجود الزقورة الشهيرة، التي يعتقد أنها كانت على ضفة الفرات، قبل أن يغير مجراه، إضافة إلى مجمعات سكنية أخرى. والمهم أنها تكشف عن حياة منظمة وشوارع وورشات عمل، ونظامي ري وزراعة، وكل ما يشي بحياة حضرية متطورة، وسلطة مدينية متقدمة.

وكي يقود المتحف الزائرين في أروقة أوروك، بنوا معبدا صغيرا في إحدى القاعات، وعرضوا فيه الديانة القديمة وآلهتها السومرية، وكشفوا فيه أن المعابد في تلك الحضارة لم تكن لممارسة الطقوس الدينية فحسب، وإنما لممارسة مختلف الشعائر والنشاطات الفنية والاجتماعية. كما يستعرض المتحف فيلما، صور من الجو، يقود الزائر في رحلة تاريخية مشوقة بين أور وبابل والمدن الصغيرة بينهما.

ربما كان جلجامش شخصية خرافية، ولكن ليس بالنسبة إلى كل العلماء، وهذا هو مصدر الاعتقاد بأن جلجامش هو الذي بنى سور المدينة. وواقع الحال أن هذا ما هو مثبت في ألواح الملحمة العظيمة التي كتبت باللغة المسمارية القديمة، أقدم لغات الأرض المكتوبة. ولذلك أيضا يرى الزائر في المعرض العديد من الآثار والتماثيل، وصور الألواح، التي تكشف تفاصيل الملحمة وصراع جلجامش مع الوحش «خمبابا» في غابات الأرز.

والمعرض يكشف بالتالي اختلاف المعتقدات الدينية بين حضارتي مصر والعراق، ففي حين كان الفراعنة منهمكين في التحضير لحياتهم بعد الموت، ويكرسون كل علومهم في التهيئة لذلك، كان العراقيون يقاتلون من أجل الخلود، لعدم اعتقادهم بحياة ما بعد الموت. وهذا على الأقل ما فعله جلجامش بعد موت صديقه إنكيدو، وبحثه عن سر الحياة والخلود، رغم أنه كان ثلثي إله وثلث بشر.

ويعتقد العلماء الألمان أن ما هو مكتشف من آثار أوروك لا يزيد على 10% من أسرار المدينة القديمة، وربما تكون كمية هائلة من الآثار ما زالت مطمورة تحت الأرض. ويرون أيضا أن الحضارة العظيمة انتهت بسب تغير مناخي هائل أدى إلى جفاف المنطقة، خصوصا جفاف نهر الفرات. وربما يكون هذا حصل في الألف الرابع قبل الميلاد.

يستمر المعرض في متحف الـ«بيرغامون» ببرلين حتى 8 أغسطس (آب) المقبل، ثم ينتقل إلى متحف «رايس - إنغلهوم» في مدينة مانهايم بين 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 و21 أبريل (نيسان) 2014.