دراسة سعودية توصي باستراتيجية مائية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي

للبحث عن موارد مائية جديدة والمحافظة على الثروة الحالية

TT

دعت دارسة سعودية متخصصة إلى نشاء مركز خليجي يهتم بدراسة الموارد المائية وتنميتها وجمع الإحصاءات والبيانات والمعلومات المائية وتوحيد الأنظمة والتشريعات الخاصة بالموارد المائية بدول مجلس التعاون الخليجي.

وشدد معد الدراسة، الدكتور إبراهيم بن محمد الفقي أستاذ الجغرافيا السياسة في معهد الدارسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية السعودية، على أهمية وضع إستراتيجية مائية موحدة لدول مجلس التعاون تهدف إلى البحث عن موارد مائية جديدة والمحافظة على الموارد الحالية وتنميتها والاستخدام الأمثل لهذه الموارد ومواصلة عقد الندوات والمؤتمرات المتخصصة بالموارد المائية في دول المجلس وتكثيف حملات التوعية المائية الهادفة إلى ترشيد استخدامات المياه في دول المجلس مع التركيز على إيضاح الصورة القاتمة التي تنتج عن الهدر المائي في القطاعات التنموية المختلفة.

وأسفرت الدراسة عن نتائج تتضمن توحد دول المجلس مائيا من خلال توحد التكوينات الجيولوجية الحاملة للمياه التي تظهر في جميع دول المجلس وتوافق الأوضاع المائية من حيث وقوع هذه الدول في منطقة جغرافية جافة يندر بها سقوط الأمطار وتذبذبها من حيث الكمية والفصلية وتتوزع الموارد المائية في دول مجلس التعاون واعتماده بدرجات متفاوتة على المياه الجوفية السطحية والعميقة ومياه السدود ومياه محطات التحلية ومياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة «ومياه الأمطار التي تعتمد عليها أكثر منطقة عسير في السعودية وسلطنة عمان، حيث تشهد زيادة سقوط الأمطار مقارنة بالمناطق الأخرى».

ويعتمد التنوع في الموارد المائية بل يمتد ليشمل درجة الاعتماد على هذه الموارد من دولة لأخرى إلا أن هذه الدول تعتمد على المياه الجوفية العميقة بصورة رئيسية في تلبية متطلباتها من المياه، خاصة في القطاع الزراعي الذي يعتبر المستهلك الرئيسي للمياه في دول مجلس التعاون واتجاه دول المجلس نحو الاهتمام والاعتماد على محطات التحلية بهدف الاستجابة للطلب المتزايد على مياه الشرب نتيجة لتزايد السكان وضمان الأمن المائي خاصة أن هناك صعوبات عديدة تقف عائقا أمام المشروعات المائية الإقليمية المشتركة التي طرحت في الآونة الاخيرة; من أبرزها أنبوب السلام التركي ونقل المياه بالناقلات، إلا أن هذه الدول تتفق جميعها على رفض مثل هذه المشاريع لعدة عوامل; منها التوتر في العلاقات العربية ـ العربية وتخوفها من سيطرة الدول غير العربية على مواردها المائية وقرارها السياسي.

وأيدت الدراسة توجه دول المجلس نحو إعادة النظر في استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة والتوسع في استخدامها وتغطية جزء من احتياجاتها في ري المزروعات والحدائق وحماية البيئة.

وأشار الباحث في دراسته لاتفاق نظرة دول المجلس على أن الموارد المائية تمثل أهمية إستراتيجية نظرا لمحدودية الموارد المائية، والتي تشكل هاجسا أمنيا لمستقبل الأجيال المقبلة في هذه الدول، خاصة مع معاناته من النمو السكاني المتزايد واستمرار نمو معدل استهلاك المياه، والذي يعد عاليا بكل المقاييس.

وتوقع الباحث أن يؤدي الطلب المتزايد والسريع في القطاعات الاقتصادية المختلفة في المستقبل القريب إلى زيادة الضغط على موارد المياه المحدودة في دول المجلس، وذلك في حالة غياب سياسات ترشيدية فاعلة، محذرا من تعرض هذه القطاعات الاقتصادية إلى نقص إمدادات المياه، مما سيؤدي إلى هزات اقتصادية واجتماعية.

واعتبر الباحث القطاع الزراعي المستهلك الأول للمياه في دول مجلس التعاون، داعيا دول المجلس إلى سرعة تبني سياسات قصيرة وطويلة الأجل تهدف إلى إدارة احتياطات المياه الجوفية وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة وتحديد الإنتاج الزراعي ومساحته ونوعيه المحصول، خاصة القمح وتحسين كفاءة الري ووضع خطط مستقبلية لتنمية موارد المياه وإدخال تقنيات تسهم في خفض كميات المياه المستخدمة مثل تحسين وسائل الري السطحي واستخدام الري بالتنقيط ومكافحة التسرب وإصلاح الكسور وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي في ري المزروعات وإيقاف الضخ الجائر من الطبقات الجوفية الحاملة للمياه، والذي يؤدي إلى تلوث المياه واختلاط مياه الطبقات الجوفية المختلفة وزيادة ملوحتها وعدم ري الأراضي الزراعية بأكثر من حاجتها للمياه ووضع أنظمة وقواعد صارمة تمنع حفر الآبار بصورة غير قانونية أو السحب الجائر للمياه.

وبين الباحث أن الإسراف يتركز في استخدامات المياه بالنسبة للقطاع المنزلي في المدن والمراكز الحضرية التي لا تتوفر بها وسائل الصرف الصحي للمياه ووسائل معالجتها مما يشكل خطورة على الصحة العامة والطرق والأبنية، داعيا إلى سرعة إنشاء محطات الصرف الصحي في هذه المدن، وذلك بهدف الاستفادة التامة من المياه المُهدرة عن طريق الاستفادة منها بمعالجتها لري الحدائق مع حماية الموارد المائية من خطر التلوث بهذه المياه.

وأكد الباحث على احتواء الطبقات الجيولوجية الحاملة للمياه في دول مجلس التعاون على تكوينات مائية ذات ملوحة قليلة وعالية ويمكن الاستفادة منها بعد خلطها بمياه عذبة أو مياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة في ري نوعية معينة من المزروعات تتحمل الملوحة أو ري الحدائق أو الزراعة على الطرقات أو استخدامها داخل المنازل من خلال إنشاء نظامين لتوزيع المياه، أحدهما مخصص لمياه الشرب والآخر يستخدم المياه المعالجة لصناديق الطرد وري الحدائق المنزلية، مشيرا إلى أن محطات التحلية تغطي الجزء الأكبر من استخدامات المياه في القطاع المنزلي، موضحا إمكانية خفض استخدام المياه في هذا القطاع من خلال صيانة وتنمية ودعم صناعة محطات التحلية، وذلك من خلال دعم الأبحاث العلمية بهدف خفض تكاليف إنتاج مياه محطات التحلية وطرق خفض استهلاك المياه في هذا القطاع. واعتبر الباحث أن القطاع الصناعي أصبح مستهلكا ضخما للمياه في دول مجلس التعاون بالرغم من حداثة وضآلة حصته المائية من إجمالي الموارد المائية المتاحة في دول المجلس، ملحا على تبني سياسات ترشيدية في هذا القطاع، مؤكدا على أن استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة أصبح خيارا استراتيجيا، وذلك لأنه سيسهم بصورة فاعلة في خفض استهلاك المياه المعالجة في عمليات التصنيع والتبريد، مشددا على انه لابد من إعادة النظر في المشروعات الصناعية القائمة ومدى ملاءمتها للموارد المائية الشحيحة في منطقة الخليج واستهلاكها للمياه ودراسة تصميمات المصانع المقامة أو التي هي قيد الإنشاء وقدرة هذه الصناعات على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة.

ودعا الباحث إلى أهمية تغيير سلوكات المجتمع بهدف المحافظة على المياه وتنمية مصدرها، مشيرا إلى أن التعليم والتدريب إحدى الوسائل المتبعة التي تؤثر في سلوكات المجتمع بكافة شرائحه للمحافظة على الثروة المائية، داعيا المختصين في الشؤون المائية إلى السعي الحثيث لرفع درجة اهتمام العامة والخاصة بأهمية المحافظة على الموارد المائية.