المهندس البخاري: فلنزرع «البلوبانك» في السعودية بدلا من النخيل واستنزاف المياه

باحث زراعي يطلق صرخة إنذار: أوقفوا زراعة النخيل درءا للجفاف

TT

تتفق غالبية الدارسات على إن زراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه بالسعودية تسبب في استنزاف مصادر المياه مما يتطلب من الباحثين والمختصين البحث عن وسائل ناجحة لوقف هذا الهدر. صفحة المياه التقت هذا الأسبوع مع المهندس الزراعي محمد حبيب البخاري الباحث في الإنتاج الزراعي والحيواني في مقر إقامته بجدة ليسلط الضوء على الممارسات الزراعية الخاطئة التي تتسبب في استنزاف المياه بالسعودية، ومدى اهتمام الشركات الزراعية بجوانب توفير المياه، وحلول وقف الاستنزاف المائي، الى جانب الأطلس الزراعي ـ الذي أعده ـ لتوفير المياه وتجاربه في زراعة النخيل والأعلاف فإلى تفاصيل الحوار:

> عملت بالمجال الزراعي بالسعودية لما يزيد على 36 عاما في القطاعين الحكومي والخاص، متى تزايدت الممارسات الزراعية الخاطئة التي تتسبب في استنزاف مصادر المياه بالسعودية؟ وما هي ابرز تلك الممارسات؟

ـ في اعتقادي ان الممارسات الزراعية الخاطئة والتي تسببت في استنزاف مصادر المياه بالسعودية تعود لعام 1981م حين انتشرت زراعة القمح على نطاق واسع، سواء على مستوى الشركات الزراعية أو المزارعين مما تسبب في الاستنزاف المائي عبر حفر المزيد من الآبار وتركيب المضخات وأجهزة الرش المحوري بشكل عشوائي لا يأبه بالدراسات العلمية لعمليات الري تبعا للاحتياجات المائية، ثم تسبب انتشار زراعة الأعلاف في عام 1986 بمزيد من الاستنزاف لمصادر المياه.

> من خلال عملكم باثنتين من الشركات الزراعية السعودية المساهمة في فترات متفاوتة، هل ترى أنهم اهتموا بجوانب توفير المياه من خلال زراعة محاصيل اقل استهلاكا للمياه أو اتباع وسائل حديثة للري؟ ـ خلال عملي في احدى الشركات الكبرى عام 1981 عند بداية تأسيسها كمدير للمشاريع، كنت ضد التوسع في زراعة القمح لما يسببه من استنزاف لمصادر المياه، حيث لم تضع الشركة عامل الهدر المائي غير المبرر في حسبانها، وذلك يعود لموجة هرولة القطاع الزراعي السعودي نحو زراعة القمح، والمتضرر الأكبر ـ بالطبع ـ كانت مصادر المياه.كنت حينها قد اقترحت على الشركة وقف التوسع في القمح واستبداله بزراعة محاصيل اقل استهلاكا للمياه كزراعة البنجر والبذور الزيتية، حيث قمت بالعديد من الدراسات واثبت نجاح زراعة تلك المحاصيل وبالأخص على مستوى توفير المياه والعائد المادي، لكني لم أجد استجابة لعدم تخصص إدارة الشركة بالزراعة، مما اضطرني حينها للاستقالة· ولقد أدى التوسع في زراعة القمح لخسائر فادحة على الشركة بسبب حفر الآبار خاصة في منطقة وادي الدواسر وتركيب أجهزة ري محوري، والسبب إنتاج القمح دون دراسة وافية لها والنتيجة أصبحت معروفة «تبخر المزيد من المياه»، وفي عام 1994م حين كنت مديرا عاما لشركة بيشة الزراعية قمنا بتغيير نظام الري من الغمر إلى التنقيط مما أدى إلى توفير 60 % من المياه المستهلكة في ري مزارع الشركة.

> ما هي الممارسات الزراعية الخاطئة الأكثر خطورة هذه الأيام على مصادر المياه؟ وما هي الحلول لوقف تلك الممارسات؟

ـ الآن، بعد ضياع التريليونين من الأمتار المكعبة من المياه وبعد 25 سنة من الهدر أجد من الضروري شد الاحزمة بالنسبة للزراعة وعلينا وقف زراعة المزيد من أشجار النخيل لأنه لدينا 25 مليون نخلة تستهلك 3.7 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهذا يعادل 22 بالمائة من مياه الزراعة تقريبا، والتي تساوي 16مليار متر مكعب سنويا، لان الاستهلاك السنوي للمياه في السعودية 19مليارا والخوف كل الخوف من الجفاف، وما سوف يسببه للأجيال المقبلة، حيث ننتج سنويا حوالي مليون طن سنويا من التمور وكل نخلة تحتاج إلى 50 لتر مياه وعليك الحساب، فمثلا بالقصيم يوجد حوالي 2 مليون نخلة تنتج 180الف طن من التمور وللأسف فان كل الضجة والأسواق والمعرض للتمور خلال الموسم وفي النهاية بيع 8000 طن فقط في القصيم و8000 في مناطق أخرى مناطق السعودية، إما الباقي فتكون نهايته التلف دون فائدة للأسف، تبخر الماء وجفت الأرض والماء أهم من التمر. لذا يتوجب علينا إيقاف التوسع في زراعة النخيل وحصر العدد في 6 ملايين نخلة منتجة من الأصناف الممتازة والفاخرة ووقف الأنواع الأخرى الرديئة لتوفير3.7 مليار متر مكعب من المياه، وبالنسبة للأعلاف الكل يزرع البرسيم الدروس أو حشيشة السودان وهذه المحاصيل العلفية مكلفة للمياه، والبديل هو زراعة الحشيشة الزرقاء (البلوبانك) لأنها توفر 70 بالمائة من المياه العذبة ويمكن استزراعها باستخدام الماء المالح ويمكن إقامة مشروع وطني كبير على ساحل البحر الأحمر لزراعة 40 ـ 80 الف هكتار، ويمكن تنمية الثروة الحيوانية في منطقة ساحل البحر الأحمر لتوفير المياه المتجددة، بعكس المناطق الأخرى. على سبيل المثال يوجد أكثر من 100واد، وأحد هذه الاودية وادي الليث الذي أجريت عليه عدة دراسات وتبين ان هذا الوادي تجري فيه السيول ثلاث مرات شهريا وتذهب بلا فائدة نحو البحر.

> قمت بإعداد أطلس زراعي بالسعودية منظور توفير المياه وذلك بتخصيص زراعة محاصيل في كل منطقة مناطق السعودية من اجل توفير المياه المستنزفة في الزراعة، كم استغرق إعداده؟ وماذا يحتوي؟ وما هو مفهومه؟

ـ استغرق إعداد الأطلس نحو 19عاما، وذلك خلال الفترة من 1983إلى 2002. ويحتوي على توزيع مناطق السعودية والحالة المناخية ومنسوب المياه ومعدل الامطار ونوعية التربة والزراعات المناسبة لكل منطقة على حدة. والأطلس مفهوم عالمي متعارف عليه ففي الولايات المتحدة يوجد حزام الذرة... الخ. وكذلك كوبا والبرازيل ينتجان السكر في حزام السكر، والهند وباكستان ينتجان الأرز في حزام الأرز. وتوصلت بعد إكمالي للأطلس إلى نتيجة هامة هي: لا بد من انتهاج سياسية زراعية جديدة تعتمد على الأحزمة الزراعية بتخصص كل منطقة مناطق السعودية بزراعة محصول معين وفقا لمناخ وكميات المياه ونوعية التربة في تلك المنطقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر زراعة المشمش والخوخ والزيتون أفضل في المناطق الجبلية بدلا من زراعتها في الشمال حتى لا نفقد المياه، وان تخصص منطقة واحدة لزراعة الخضراوات التي تحتاج إلى 500 هكتار من بيوت محمية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات بالسعودية بدلا من الزراعات المكشوفة وهدر المياه بزراعة مثيلة وأيضا توصلت من خلال الأطلس إلى أن منطقة القصيم انسب مكان لزراعة الحبة السوداء وجازان انسب مكان لزراعة الكمون.

> هل تطبق الجهات المعنية بالسعودية مثل هذا الأطلس؟ وما هي الصعوبات التي واجهتك لإعداده؟ وهل سعيت للجهات المختصة لتطبيقه ؟ وما هي فوائد تطبيق هذا الأطلس على توفير مصادر المياه؟

ـ لا بوجد أطلس مماثل تطبقه الجهات الحكومية بالسعودية والصعوبات التي واجهتني لدى إعداد الأطلس هي التنقل بين مناطق السعودية المختلقة وكذلك البحث وجمع المعلومات اللازمة لإعداده ولم أسعى لعرضه على الجهات المختصة، ولكني أدعو عبر «الشرق الأوسط» الجهات المختصة بالسعودية وبالأخص وزارتي الزراعة والمياه لتبني هذا الأطلس لأنه سيحقق فوائد متعددة للبلاد وهي توفير المياه بوقف حفر الآبار عشوائيا، وتحديد المساحات الزراعية والإنتاج الزراعي في كل منطقة وإنتاج محاصيل جديدة اقل استهلاكا للمياه وذات عائد جيد والاهم من ذلك إيجاد فرص عمل للشباب في تلك المناطق في المجال الزراعي.

> لديكم تجارب عملية في زراعة النخيل والأعلاف من خلال استخدام أساليب تعتمد على توفير المياه العذبة، هل تحدثنا عن هذه التجارب وما هي ابرز نتائج تلك التجارب؟ وهل هناك من تبنى أفكارك من داخل وخارج السعودية؟

ـ بالنسبة للأعلاف فقد أجريت تجارب منذ عام 1996 وحتى اليوم باستخدام المياه المالحة في الصحاري والقرى الواقعة على ساحل البحر الأحمر بالاشتراك مع كلية زراعة المناطق الجافة في جده وجامعة الزقازيق في مصر، والآن في الإمارات، وللأسف «ليس في وزارة الزراعة من يسمع حديثي» ولكن عليَّ أن اعمل. وبالنسبة للنخيل أقمت بنكا للنخيل في الرياض يحتوي على 73 صنفا ممتازا، والري تحت التربة يوفر المياه بنسبة 92 بالمائة من الري العادي فالأعلاف والنخيل تستهلك 50 بالمائة من مياه الزراعة وهذا هدر، فنحن لسنا على انهار جارية وهناك باحثون تبنوا أفكاري وهم يعملون بها في كل من مصر وإيران والجزائر والكويت والإمارات.

> يستهلك الإنتاج الحيواني جزءا غير يسير من المياه في السعودية وكان لكم مشاركة مميزة لمنع ذلك عبر تربية النعام لأول مرة في السعودية، حدثنا عن هذه التجربة؟

ـ شاركت بعمل مشروع لتربية النعام بالسعودية لأول مرة في تبراك بالقرب من الرياض، عبر شركة إنعام الجزيرة. وكانت النتائج مميزة من خلال توفير مصدر للحوم الحمراء اقل استهلاكا للمياه، فالنعام يتميز بعامل التكامل الغذائي· فعندما تأكل النعام كيلوجراما من الأعلاف فإنها تعطي كيلوجراما مماثلا من اللحم، وتشرب المياه كل ثلاثة أيام بينما، الأبقار تعطي كيلو من اللحم عندما تأكل 7·5 كيلوجرام من الأعلاف، والأغنام تعطي كيلوجراما من اللحم عندما تأكل 3·5 جرام من الأعلاف، وكلما زاد استهلاك الأعلاف زاد استهلاك المياه ومن هنا يتضح ان النعام اقل استهلاكا للمياه.

> ما هو تأثيرا انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية على الممارسات الزراعية العشوائية؟

ـ اعتقد ان انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية سيؤدي إلى وقف الممارسات الزراعية العشوائية التي تقوم بها بعض الشركات الزراعية من خلال وقف زراعة بعض المحاصيل وهذا يساهم ايجابيا في وقف استنزاف مصادر المياه ويوفر كميات من المياه.

> ما هي الحلول المناسبة لمنع هذه التحديات المستقبلية على مصادر المياه بسبب الزراعة؟ وما هي المنطقة الواعدة زراعيا في السعودية؟

ـ علينا الاستفادة التامة من الخبرات السعودية في مجال الزراعة، وان نضع مشاكل الزراعة على طاولة البحث ثم ندرسها ونعرفها لان معرفة المشكلة نصف الحل، واعتقد ان ما حدث في حائل ـ ملتقى الخطة ـ كان بداية جيدة لدراسة التحديات المستقبلية للزراعة في حائل، وحبذا لو كان لكل منطقة ملتقى سنوي يدرس مشاكل المنطقة· وفي هذا، لا بد من ان ألفت الانتباه إلى منطقة واعدة للزراعة في السعودية هي المنطقة الجنوبية الساحلية، فهي الكنز والماء والخضرة، وللأسف، لا يوجد هناك سوى شركة واحدة تعمل بجهد متواضع ـ جازان الزراعية ـ وعلى الشركات الزراعية الاهتمام بهذه المنطقة لأنها واعدة.