باحث يدعو لتسخير طاقة البرق لتخفيض تكلفة تحلية مياه البحر

كل ومضة برق تنتج تياراً كهربائياً يتراوح بين عشرة آلاف إلى مائتي ألف أمبير

TT

ظلت ظاهرة البرق حدثاً مخيفاً ومحيِّراً للعلماء على مدى قرون طويلة، ونُسجت الأساطير الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته، فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث مقدس يرتبط بالآلهة، وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير لهذا الحدث المرعب· ففي الميثولوجيا الإغريقية مثلاً كان البرق هو سلاح الإله زيوس، الذي استخدمه لقتل أعدائه، ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة على مدى أكثر من قرنين ونصف القرن، قام خلالها العلماء بآلاف التجارب في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيرة، والتي لا تزال التفاصيل الدقيقة مجهولة تماماً بالنسبة لنا حتى الآن.

نستعرض في صفحة المياه لهذا الأسبوع ظاهرة طبيعية أخرى مرتبطة بالإمطار، وهي ظاهرة (البرق) بعد ان استعرضنا بالأسبوع الماضي ظاهرة (البرد)، حيث أثرنا عددا من التساؤلات حول هذه الظاهرة مع المهندس عبد الدايم الكحيل الباحث في الإعجاز العلمي القرآني واحد المهتمين عربيا بدراسة الظواهر الطبيعية فأجاب عليها عبر اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» من مقره في حمص بسورية، وقد شملت التساؤلات أنواع البرق وعلاقته بغزارة الامطار والعمليات المسببة لحدوث البرق وابرز الإحصائيات والدراسات لهذه الظاهرة فإلى تفاصيل الحديث.

* لنبدأ بالتساؤل الذي يطرحه الكثيرون حول ظاهرة البرق، هل ومضات البرق مستمرة كما نراها أم هي متقطعة، ماذا توصلت إليه التجارب الجديدة بهذا الشأن؟ وهل للبرق أنواع متعددة؟

ـ التجارب الجديدة أكدت أن أية ومضة برق ليست مستمرة كما نراها، بل تتألف من عدة أطوار، أهمها طور المرور وطور الرجوع، أي أن شعاع البرق يمرّ ثم يرجع خلال زمن غير مدرك بالعين، وهذا الزمن يقدر وسطياً بعشرات الأجزاء من الألف من الثانية. وجاء في إحدى الدراسات الحديثة عن البرق: «إننا لم نتمكن من رؤية أطوار البرق إلا عام 2000 عندما تمكنّا من تصنيع آلة تصوير تستطيع التقاط 1000 صورة في الثانية الواحدة». وللبرق أنواع كثيرة منها ما يحدث بين الغيمة والأرض وهي أكثر الأنواع شيوعا، ومنها ما يحدث بين الغيمة والأخرى، وما يحدث بين الغيمة والهواء المحيط بها. وهنالك برق يحدث في الصيف وآخر في الشتاء، وكذلك هنالك برق يحدث بين أعلى الغيمة وطبقات الجو العليا وهو ما تم رصده بالأقمار الاصطناعية، وغير ذلك.

* ما هي طبيعة البرق؟ وهل هنالك علاقة بين البرق وغزارة مياه الأمطار؟

ـ لقد ثبت أن البرق ما هو إلا شرارة كهربائية ناتجة عن التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين. أما العمليات الدقيقة التي ترافق ظاهرة البرق فقد بقيت مجهولة حتى الستينات من القرن العشرين، حيث تطورت التجارب وازداد الاهتمام بها لتجنب صدمات البرق التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت الصناعية. وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب الفضائية والرادارات والحاسوب لمعالجة ودراسة هذه، الظاهرة·ويخبرنا العلماء بأن البرق يحدث غالباً في الغيوم الكثيفة أي ذات الأمطار الغزيرة، فالبرق هو إشارة لنزول كميات كبيرة من المطر. وقد بينت الأبحاث أن هنالك عمليات معقدة تحدث داخل البرق.

* ما هي هذه العمليات التي تسبب البرق وكيف تحدث؟

ـ عندما تتجمع كمية من الإلكترونات السالبة في أسفل الغيمة تنتقل بواسطة الهواء الرطب باتجاه الأرض، وتقترب من سطح الأرض ذي الشحنة الموجبة، فتصطدم به على ارتفاع عشرات الأمتار، وتتشكل قناة اتصال بين الغيمة والأرض وعندها تنهار عازلية الهواء، ويصبح ناقلاً للكهرباء ويتولد تيار كهربائي قوي ينير على شكل ومضة باتجاه الأعلى، ويدعى طور الرجوع، وهذه الضربة الراجعة هي ما نراه فعلاً لأن معظم الضوء يتولد عنها. وبعد ذلك تمر فترة توقف ثم تتكرر العملية من جديد وهكذا عدة ضربات. وقد تتألف ومضة البرق الواحدة من عشر ضربات متتالية وسريعة، ولكننا نراها ومضة برق واحدة ولا ندرك مرور ورجوع البرق بأعيننا.

* بحكم أنكم أحد المهتمين بدراسة الظواهر الطبيعية عربياً، توصلت الدراسات الحديثة التي قام بها العلماء في الغرب حول ظاهرة البرق لإحصائيات مهمة، هل لك أن تعرفنا بأبرز تلك الإحصائيات لكي نأخذ فكرة أوسع عن ظاهرة البرق؟

ـ لكي نأخذ فكرة أوسع عن البرق علينا أن نتأمل هذه الإحصائيات الحديثة والتي تشير إلى أنه في كل ثانية هنالك مائة ومضة برق في العالم، وفي كل يوم هنالك 8.6 مليون ضربة برق، وفي سنة واحدة يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية فقط 20 مليون ضربة برق.

وإذا نظرنا للكرة الأرضية في أية لحظة نرى فيها 2000 عاصفة رعدية تحدث في نفس اللحظة في أماكن مختلفة، وتخبرنا الإحصائيات أن البرق يصيب 2000 شخص كل عام وثلث هذا العدد يموتون. وتصل درجة الحرارة داخل شعاع البرق إلى 30 ألف درجة مئوية، أي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس! ويصل التوتر الكهربائي إلى ملايين الفولتات، وبالتالي تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسات وأكثرها تعقيداً.

* بما ان البرق يولد تيارات كهربائية هائلة، فهل من الممكن برأيكم الاستفادة من هذه التيارات لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لتحلية مياه البحر مثلا أو كمصدر بديل لتوليد الطاقة الكهربائية؟

ـ تؤكد الدراسات العالمية الحديثة أن كل ومضة برق تولد توتراً كهربائياً يتراوح من 100 مليون فولت وحتى 1000 مليون فولت. وكل ومضة برق تنتج تياراً كهربائياً يتراوح من 10 آلاف أمبير وحتى 200 ألف أمبير، وفي ظل هذه الأرقام الضخمة، وباعتقادي من الممكن الاستفادة من طاقة البرق لتغذية الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل التجهيزات الخاصة بتحليه مياه البحر مما يساهم في خفض تكاليف التحلية المرتفعة حاليا، ولكن هذا يتطلب من الباحثين العرب والمسلمين العمل على اجراء المزيد من الدراسات المتخصصة للوصول لذلك بظل الحاجة المتزايدة لتوفير مصادر جديدة للمياه بالعالم العربي والإسلامي وبتكلفة منخفضة وبالمناسبة تلاحظ لنا أن علماء الغرب اليوم قد بدأوا بدراسة هذه الظاهرة ومحاولة الاستفادة من الطاقة الهائلة التي تحررها كل ومضة برق. وهنالك دراسات حديثة حول إمكانية تخزين طاقة البرق للاستفادة منها لاحقاً.

وأود أن أوجه دعوة من خلال «الشرق الأوسط» إلى الباحثين العرب والمسلمين بضرورة الاهتمام بالظواهر الطبيعية المتعلقة بالمياه والأمطار ومحاولة إعداد دراسات يمكن الاستفادة منها مستقبلاً، كما أن هذه الدراسات ستكون مفيدة في تجنب أضرار البرق، حيث يمكن لشرارة البرق أن تضرب أي هدف على سطح الأرض مثل المصانع أو أعمدة الكهرباء والبيوت والبشر.

* ما هي الأخطار التي تسببها ضربة البرق، وما النصيحة التي توجهها للقراء لدى حدوث البرق؟ وحسب اطلاعكم على الأبحاث العلمية الحديثة، ما هي النصائح الطبية للمصاب بالبرق؟

ـ إن معظم الإصابات بالبرق تنتج من تأثير الشرارة الكهربائية أو الحرارة أو الطاقة الميكانيكية المرافقة لضربة البرق. وتؤثر ضربات البرق بشكل أساسي على الجملة العصبية للجسم وعلى الرئتين وهنالك تأثيرات على البصر، فقد تؤدي إصابة البرق إلى العمى الدائم. وهنالك أيضاً اضطرابات في القلب واضطرابات نفسية.

وننصح عند حدوث البرق بتجنب الوقوف في المرتفعات العالية وقرب الأبراج المعدنية أو قرب مصدر للمياه مثل مسبح أو بحيرة أو قرب شجرة، لأن هذه ستكون أهدافاً سهلة أمام شرارة البرق. ويمكن تجنب البرق بتركيب قضيب معدني في أعلى البناء موصول بالأرض (مانعة الصواعق)، حيث تتسرب الكهرباء من خلاله إلى الأرض. كما ينصح بتفادي استعمال الهاتف الجوال أو الماء أو لمس الأشياء المعدنية. لأن هذه الأشياء تعتبر موصلاً جيداً للكهرباء وذات مقاومة منخفضة وبالتالي هي المفضلة لدى البرق ليفرغ شحنته من خلالها.

أما في حال التعرض لإصابة فيجب استشارة الطبيب لأن أعراض الإصابة وأضرارها قد تتأخر بعد ضربة البرق لعدة أيام، ولذلك ينبغي المسارعة في إجراء الفحوصات اللازمة، خصوصاً إذا كانت الإصابة تتعلق بشبكية العين.

رأينا من خلال حوارات سابقة كيف تناول القرآن الكريم والسنة النبوية مواضيع كثيرة ذات علاقة بالمياه مثل ثبات كمية المياه على سطح الأرض وظاهرة البرَد وغير ذلك، والسؤال: هل هنالك إشارات في القرآن والسنة حول ظاهرة البرق؟

ـ يقول تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ» [الرعد:12]، لقد ربطت هذه الآية الكريمة بين البرق وبين السحاب الثقال وهي الغيوم الركامية، ويقول العلماء إن أوزان هذه الغيوم المنتجة للبرق يتجاوز آلاف الأطنان، فهي بحق ثقيلة جداً. إذن في زمن نزول القرآن لم يكن أحد يعلم شيئاً عن أوزان هذه السحب، لكن القرآن أشار إلى أنها ثقيلة، وهذا يتطابق مع معطيات العلم الحديث.

هنالك أيضاً حديث نبوي صحيح عن يوم القيامة ومرور الناس على الصراط، وعن سرعة مرور كل منهم حسب عمله في الدنيا. فهذا هو أبو هريرة رضي الله عنه يقول على لسان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم: «فيمرُّ أوَّلكم كالبرق»! فيقول أبو هريرة: بأبي أنت وأمي أيّ شيء كمرّ البرق؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟» [رواه مسلم]. في هذا الحديث إشارة رائعة إلى آلية حدوث البرق. فكما رأينا لا تحدث ومضة البرق إلا إذا مرّ شعاع البرق ثم رجع، وهذا ما حدثنا عنه الرسول الكريم بقوله: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع» وفعلاً البرق يمرّ ثم يرجع! وهنالك إشارة أخرى إلى الزمن اللازم لحدوث البرق، فقد حدده الحديث الشريف بطرفة عين! وعندما بحثت في الزمن الذي تستغرقه موجة البرق ذهاباً وإياباً أي كم يستغرق البرق ليمرّ ويرجع وجدت بأن متوسط زمن البرق هو عشرات الأجزاء من الألف من الثانية بحدود 25 جزءاً من الألف من الثانية، ثم بحثت عن الزمن اللازم لطرفة العين فوجدته مساوياً 25 جزءاً من الألف من الثانية تقريباً، أي أن زمن ومضة البرق يساوي زمن طرفة العين، وهذا ما تحدث عنه النبي الكريم بقوله «يمرُّ ويرجع في طرفة عين»، أليست هذه معجزة نبوية تشهد بصدق رسالة هذا النبي الكريم؟.