خبير مائي يوصي الهيئات المالية بدعم الاستثمارات المائية بالسعودية

د. بشناق: أدعو إلى سرعة تأسيس هيئة لتنظيم خدمات المياه والصرف الصحي

TT

يثار الحديث ـ هذه الأيام ـ عن توجه الحكومة السعودية لتخصيص قطاعات المياه والصرف الصحي وتحلية المياه المالحة، في ظل الأرقام الضخمة المتوقعة لتلك الاستثمارات التي تصل 350 ملياراً خلال العقدين القادمين في هذه القطاعات لتكون على رأس قائمة المجلس الاقتصادي الأعلى للقطاعات المستهدف تخصيصها بالبلاد، التي أقرها منذ ثلاثة أعوام ـ بعد وتيرة بطيئة ـ للقيام بخطوات فعلية تجاه التخصيص.

وفي الآونة الأخيرة ارتفعت وتيرة نشاطات الجهات المختصة بهذا الشأن بشكل متلاحق، ففي جانب أقرت أربعة مواقع من محطات التحلية بالسعودية لطرحه للقطاع الخاص، تلاها توقيع عقد تخصيص أحد تلك المواقع مع ائتلاف سعودي ماليزي ثم عقود لدراسة تخصيص المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، ثم تتخلل فترات تلك النشاطات في جانب آخر توقيع عقود مع شركات أجنبية لدراسة هيكلة قطاع المياه والصرف الصحي بكل من الرياض وجدة، تليها عقود لنفس الغرض لمدن أخرى بالسعودية، لكن لا زالت الصورة قاتمة للمواطن والمستفيد من خدمات المياه والصرف الصحي حول قضية التخصيص في ظل تدني مستوى جودة تلك الخدمات ومستوى تغطيته، ونقص شفافية الجهات المختصة حيال توضيح هذه القضية الهامة ليعرف المواطن والمستفيد من تلك الخدمات مرود تلك الخطوات على كافة الصعد.

ونظرا لأهمية هذه القضية ولتوضيح جزء من ملابساتها، التقت صفحة المياه لهذا الأسبوع بالدكتور عادل بشناق الخبير المائي السعودي ورئيس مجموعة بشناق للمياه فأجاب على العديد من التساؤلات في حوار مع «الشرق الأوسط» حول خطوات تخصيص الحكومة السعودية لقطاعات المياه والصرف الصحي وتحلية المياه المالحة، والتجارب الدولية في هذا المجال، وأنسب صيغ التخصيص والأرقام المتوقعة للاستثمارات المائية وتوزيعاته ومدى ضمان الاستثمار ودور البنوك السعودية وحصة القطاع الخاص من خطة التنمية الثامنة في مجال المياه فإلى تفاصيل الحوار...

> وضع المجلس الأعلى الاقتصادي بالسعودية قطاعات المياه والصرف الصحي وتحلية المياه المالحة على رأس المرافق والخدمات المستهدفة تخصيصها منذ ثلاثة أعوام، يرى الكثيرون من المختصين ان خطوات الجهات المختصة في هذا المجال بطيئة بصفتكم أحد المتابعين للمجال المائي، هل تتفق مع هذا الرأي؟

ـ من وجهة نظري أرى أن قطاع المياه يسير بخطى حثيثة ومدروسة أسرع بكثير من قطاعات أخرى ذات أولوية كما حددها المجلس الاقتصادي الأعلى منذ سنوات في قراره الذي أشرت إليه ومن المعروف ضرورة إعادة هيكلة القطاع قبل التخصيص وهو ما تعمل وزارة المياه على تنفيذه، ومن طرف آخر أعتقد أن هناك أموراً تنظيمية مطلوبة عاجلاً للتمكن من استكمال تنفيذ قرار التخصيص وفي مقدمتها تأسيس هيئة تنظيم خدمات المياه والصرف وتحديد سياسة الدولة لحساب تعرفة خدمات المياه وهذه من مسؤوليات المجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة المياه والكهرباء.

> هناك العديد من التجارب الدولية في مجال تخصيص قطاعي المياه والصرف الصحي بينما نجحت دول أخرى في صيغة المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص في إدارة قطاعي المياه، ما الفرق بين الاتجاهين؟ والى أي توجه تميل بالتوصية؟

ـ هذا سؤال جيد وهام أشكرك على طرحه. فمعظم الدول التي سبقتنا في تخصيص قطاع المياه اتبعت صيغة المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص وبالخصوص مشاركة القطاع الخاص في إدارة وتطوير مرافق عامة كشبكات المياه والصرف بعقود طويلة الأجل بينما تحتفظ الدولة بملكية هذه المرافق وتحدد مستوى الخدمات المطلوبة والأسعار المقبولة لهذه الخدمات وهناك دول قليلة مثل بريطانيا انتهجت أسلوب بيع المرافق العامة مع اشتراط حجم الاستثمارات اللازمة لتطوير المرافق وتحديد التعرفة دورياً.

وأميل من طرفي إلى بديل المشاركة وليس البيع وهو البديل الذي تميل إليه السعودية في سياستها لخصخصة قطاع المياه ولهذا تجدني أفضل استخدام مصطلح «مشاركة القطاع الخاص» بدلاً من كلمة تخصيص، وهناك بديل ثالث معروف في مجتمعنا الإسلامي وهو بديل الأوقاف العامة حيث تبادر الدولة أو الأفراد ذوو القدرات المالية لتأسيس أو تطوير مرفق عام ويتولى إدارته كيان مستقل مالياً وإدارياً وخير مثال على ذلك وقف زبيدة بمكة المكرمة ووقف الملك عبد العزيز (العين العزيزية بجدة) ووقف العين الزرقاء بالمدينة المنورة، وقد لمست اهتمام وزارة المياه والكهرباء ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بأحياء سنة أوقاف المياه وهناك مبادرات فردية وجماعية عديدة في هذا الشأن أرجو أن ترى النور قريباً بإذن الله يستفيد منها أكبر عدد وبالخصوص في القرى والمحافظات التي هي في أمس الحاجة إلى زيادة مواردها المائية وتحسين مستوى خدمات المياه والصرف الصحي بها.

> هناك من يعترض على خطوة تخصيص المياه باعتبار المياه حقا مشاعا للجميع، هل توافق مع هذا الرأي؟ وما هي الصيغة الأنسب لمشاركة القطاع الخاص في قطاعي المياه والصرف الصحي؟

ـ نعم الماء حق مشاع للجميع في مكان وجوده ولكن هناك تكاليف عالية مطلوبة لاستخراجه من باطن الأرض أو لاعذابه أو تنقيته أو نقله إلى مكان الحاجة إليه وإذا لم نسمح باسترداد التكاليف الكاملة لتوفير الماء العذب ثم التخلص الصحي من الفضلات سنعاني جميعاً من شح موارد المياه وتلوث المتاح منها ولهذا شجع نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام على انشاء أوقاف المياه وجعلها من خير الصدقات.

وبخصوص الشق الثاني من سؤالك فأعتقد أن الصيغة الأنسب لمشاركة القطاع الخاص هو النهج الذي تتبعه السعودية حالياً حيث بدأت بمشاركة القطاع الخاص في توسعة محطات التحلية الكبرى والتزمت بشراء الماء ريثما يتم تعديل تعرفة المياه لتوجيه معونة الدولة للفئات المحرومة في المجتمع واسترجاع التكاليف من كبار المستهلكين.

> وقعت وزارة المياه والكهرباء السعودية عقداً مع تكتل سعودي ماليزي لتشغيل محطة الشعيبة بأول مشاركة للقطاع الخاص، بصفتكم خبيرا مائيا ما هو تحليلكم لهذه الخطوة؟ وما هو مردود هذه الخطوة على الاقتصاد السعودي؟ وما هي المجالات الأنسب للتخصيص في قطاعي المياه والصرف الصحي بالسعودية في الوقت الحالي؟

ـ هذه خطوة موفقة ومردودها سيكون كبيرا على الاقتصاد لأنها خفضت تكلفة انتاج الماء من البحر ووجهت رؤؤس الأموال للاستثمار في زيادة مصادر المياه وأعطت الحافز لأصحاب الأموال للاستثمار في تخفيض تكاليف تحلية المياه لتحسين قدراتهم التنافسية في المشاريع المستقبلية وزيادة أرباحهم في العقود الحالية وستساهم هذه الخطوة أيضاً في إيجاد فرص عمل جديدة ذات دخول عالية للكفاءات السعودية.

أما الخطوة القادمة فستكون مشاركة القطاع الخاص لإدارة شبكات المياه والصرف وتخفيض الفاقد من المياه في شبكات التوزيع.

> في منتدى جدة العالمي للمياه والطاقة الذي عقد مؤخراً، ذكرتم أن السعودية رصدت 350 مليار ريال للاستثمار في المياه فهل لكم أن توضح لنا على أي مصدر اعتمدت هذا المبلغ المرصود؟ وما هي أوجه استثمار هذا المبلغ في قطاع المياه؟ وفي حالة أن المبلغ المرصود مجرد توقعات فما هو الرقم الذي ترشحه؟

ـ ذلك الرقم هو تقدير شخصي تقريبي في ضوء الأسعار السائدة في السعودية بافتراض توفير مستوى خدمة عال ومتساو لجميع السكان في كافة أنحاء البلاد وتفصيله موجود في دراسة قدمتها إلى المجلس الاقتصادي الأعلى منذ خمس سنوات، أما توزيع المبلغ فنصفه يعكس متطلبات التوسع في شبكات المياه والصرف الصحي وربعه لمشاريع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وحوالي 40 بليون ريال لبناء محطات الصرف الصحي بهدف إعادة استخدام كافة مياه الصرف وهناك مبلغ مخصص لبناء مخزون استراتيجي للمياه بالقرب من المدن الكبرى وتجدر الإشارة إلى أن تقديرات وزارة التخطيط للاستثمارات المطلوبة في قطاع المياه خلال العقدين القادمين نحو 275 بليون ريال.

هذا وأنتهز فرصة الحديث عن منتدى جدة العالمي للمياه والطاقة لأوجه الدعوة عبر صحيفة (الشرق الأوسط) إلى جميع المختصين والمهتمين بشئون وعلوم المياه للمشاركة في منتدى العام القادم الذي سيعقد خلال الفترة 11-13 نوفمبر 2006 بجدة، وسيضم معرض دولي ويتوقع أن يشارك في فعاليات المنتدى والمعرض ألفا شخص وتجدر الإشارة إلى أن المشاركين في فعاليات هذا العام زادوا على 1700 شخص من 25 دولة.

> وفي نفس المناسبة ذكرتم أن الاستثمار في مجال محطات التحلية مضمون وبحكم اتصالاتكم مع المستثمرين السعوديين والأجانب، هل لمست منهم رغبة جادة للاستثمار في هذا المجال؟

ـ الاستثمار في مجال محطات التحلية مضمون لسببين الأول أن الدولة تضمن شراء الإنتاج بسعر متفق عليه لمدة 20 سنة أو أكثر هذا لمحطات التحلية الكبرى والسبب الثاني أن الطلب على المياه في المملكة ينمو بمعدل 7% في السنة ويفوق 10% في المدن الرئيسة ولذلك حتى في حالة عدم شراء الدولة للإنتاج فالحاجة إلى المياه العذبة في تزايد مستمر مع نمو السكان ونمو الاقتصاد وتغير أنماط المعيشة.

وبخصوص المستثمرين السعوديين والأجانب فهم كثر ويستطيع كل من يعمل في مجال تحلية المياه أن يلمس ذلك.

وتجب الإشارة إلى أن جميع دول الخليج والدول العربية بحاجة إلى استثمارات كبيرة في قطاعي المياه والصرف الصحي تكافئ وربما تضاعف الأرقام المذكورة بأعلى والشركات السعودية وأصحاب الأموال مطلوب منهم الاستفادة من هذه الفرص المتاحة لهم.

> البنوك السعودية تقف متفرجة على الفرص الاستثمارية في مجال المياه ويبدو أنه غير مشجعة لتمويل مثل هذه المشاريع بينما على النقيض هناك العديد من البنوك الأجنبية لديها اهتمام كبير، ما هي توصيتكم للبنوك السعودية للحصول على الجزء الأكبر من كعكة الاستثمار في المجال المائي؟

ـ توصيتي للبنوك السعودية هي إعادة النظر في منطلقاتهم وتفضيلهم للقروض قصيرة الأجل، وتوصيتي لمؤسسة النقد بأن تصرح للمزيد من البنوك وبالخصوص بنوك الاستثمار الموجهة للمرافق وتوصيتي لهيئة سوق المال بأن تصرح لإصدار صكوك المياه والمرافق لتنويع أدوات التمويل المحلي المتاح.

> أعتمد مؤخراً مجلس الوزراء السعودي خطة التنمية الثامنة للخمس السنوات القادمة، ما أبرز ما ورد بالخطة فيما يتعلق في مجال المياه؟

ـ ولعل أبرز ما ورد في الخطة من وجهة نظري هو زيادة حصة القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات في مشاريع ومرافق المياه إلى 30% وزيادة هذه الحصة في مجال تحلية المياه إلى 50% وزيادة مخصصات البحث والتطوير في تقنيات تحلية المياه إلى 4% وخطة قطاع المياه تعتمد على اتباع منهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية وزيادة فاعلية أساليب الترشيد وهناك أهداف محددة لزيادة الطاقة التخزينية للسدود والطاقة الفعلية لمحطات التحلية ومحطات معالجة مياه الصرف وعدد التوصيلات المنزلية لخدمات المياه والصرف ومن المفيد في هذا الصدد إيجاز ما جاء في كلمة المهندس عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء أمام منتدى جدة 2005م حول استراتيجية الوزارة التي هي تحت الإعداد وخاصة ما يلي:

ـ إدارة الطلب على المياه بدلاً من التركيز على جانب العرض.

ـ إدارة الطبقات المائية بصفة مستدامة عن طريق تخفيض كميات المياه الجوفية عير المتجددة التي تسحب سنوياً.

ـ إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لأغراض الري.

ـ إعادة النظر في الإطار المؤسسي والقانوني لقطاع المياه.

كما ذكر أن الوزارة تعمل لتغطية جميع سكان السعودية بمياه صالحة للشرب قبل أواخر الخطة الثامنة 1430هـ وتغطية مناطق المملكة بشبكات الصرف الصحي قبل عام 1435هـ.