مسح جديد للموارد المائية لتحديث تقديرات قديمة لأكثر من 20 عاما

الشرق الاوسط تنشر تفاصيل قطاع المياه بخطة التنمية الثامنة السعودية (الجزء الأول)

TT

دعت وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني بالسعودية من خلال خطة التنمية الثامنة، والتي اقرها مجلس الوزراء السعودي بالواحد والعشرين من نوفمبر الفائت على وجوب إجراء مسح جديد شامل للموارد المائية في السعودية وذلك لتحديث التقديرات الحالية والتي تستند إلى مسح تم إجراؤه قبل أكثر من (20) سنة.

وفي حين لم توضح الوزارة توقيتا محددا وخطة عملية لتنفيذ المسح، مشيرة إلى أن المسح القديم الذي يعود لأكثر من عشرون عاما مضت قدر احتياطيات السعودية من المياه الجوفية غير المتجددة في حينه بـ (500) بليون متر مكعب، مشددة على انه في حال أكد المسح الجديد هذه التقديرات، فهذا يعني أن وضع المياه بالبلاد حرج في ضوء ما تم استهلاكه من المياه الجوفية غير المتجددة منذ ذلك الحين، مستدركة على انه مع الأخذ في الحسبان أن التقديرات القديمة قد لا تكون دقيقة تماماً بسبب وضع التقنيات المتاحة حينذاك، لذا فإن المسح الجديد ضروري لتأكيد حجم الموارد المائية الفعلية، لكي يتم في ضوئها اعتماد سياسة مائية مستدامة.

وبغض النظر عن حجم المياه غير المتجددة المتوفرة، فإن تحقيق هدف التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة يتطلبان سرعة تخفيض الاعتماد على موارد المياه غير المتجددة والاحتفاظ بها كاحتياطي استراتيجي لأغراض الشرب والاستخدامات المنزلية في المقام الأول.

ولأهمية ما ورد بخطة التنمية الثامنة للخمس سنوات القادمة حول قطاع المياه بالسعودية فإن (الشرق الأوسط) ستنشر من خلال صفحة المياه وعبر ثلاثة أجزاء التفاصيل المائية بالخطة وخصصنا هذا الأسبوع للجزء الأول الخاص بتقييم الخطة للوضع الراهن لإمدادات موارد المياه التقليدية وغير التقليدية بالسعودية مع عرض التطورات في إمدادات الميـاه في جميع المناطق بالأرقام، وحجم استهلاك المياه حسب الأغراض المختلفة.

إمدادات الميـاه موارد المياه التقليدية: تعتمد السعودية على موارد المياه التقليدية من خلال مصدرين هما: المياه المتجددة وغير المتجددة.

أولا: المياه المتجددة وهي التي تتغذى مباشرة من مياه الأمطار وهي إما سطحية تتجمع في الأودية وخلف السدود أو جوفية ضحلة تتجمع في رواسب الأودية وفي الشقوق والفجوات تحت سطح الأرض. وتتباين معدلات هطول الأمطار بين مناطق البلاد تبايناً كبيراً إذ تتراوح ما بين (60 ـ 200) ملي متر سنويا، باستثناء منطقة الربع الخالي الشديدة الجفاف، والمنطقة الجنوبية الغربية التي تنعم بأمطار وفيرة نسبياً مقارنة بباقي مناطق المملكة، حيث قد يصل المعدل إلى ما يزيد على (600) مم سنوياً في بعض أجزائها الجبلية.

إن حجم المياه السطحية المتجددة في السعودية كبير ولا يستهان به، لذا ركزت السعودية على تطوير شبكة واسعة من السدود لغرض تجميع المياه السطحية والاستفادة منها بالشكل الأمثل، علاوة على ما توفره تلك السدود من حماية ضد السيول، وتغذية لآبار المياه الجوفية، وتوفير مباشر لمياه الشرب ومياه الري للزراعة. ويوجد في المملكة حاليا (223) سدا مختلفة الأغراض والأحجام تبلغ طاقتها التخزينية الإجمالية (835.6) مليون متر مكعب، كما يجري حاليا تشييد (17) سدا بطاقة تخزينية قدرها (979.5) مليون متر مكعب، بالإضافة إلى (15) سدا آخر في طريقها إلى التنفيذ.

ثانيا: المياه غير المتجددة وهي المخزنة في الطبقات المائية الرسوبية منذ آلاف السنين وقد تتغذى بكميات قليلة من الأمطار، وهي بمثابة مخزون استراتيجي قابل للنضوب إذا لم يتم التعامل مع هذا المخزون واستخدامه بطريقة مثلى. وتُعد هذه المياه من أهم موارد المياه في السعودية لتلبية الاحتياجات للأغراض الزراعية والبلدية أو غيرها. وتقدر كمية المياه المستخدمة من هذه الطبقات في عام 1424 / 1425هـ، ـ (2004)، (12400) مليون متر مكعب.

أولا: مياه التحلية وتحتل السعودية المركز الأول عالمياً من حيث استخدامها لتقنية تحلية المياه المالحة، إذ تملك أكبر طاقة للتحلية في العالم، بلغت نحو (2.9) مليون متر مكعب يوميا عام 1424 / 1425هـ، ـ (2004)، كما توفر محطات التحلية قدرة كهربائية صافية تبلغ (3426) ميجاوات يتم تصديرها إلى شبكة الكهرباء الوطنية.

وقد تم خلال خطة التنمية السابعة إنشاء ثلاث محطات إضافية وتشغيلها، في الخبر والشعيبة والجبيل، بلغت طاقتها الإجمالية (710) آلاف متر مكعب يومياً من المياه و (651) ميجاوات من الكهرباء. وبذلك بلغ عدد المحطات التي يتم تشغيلها من قبل المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (30) محطة موزعة على سواحل المملكة، «الجدول» كما يجري حالياً إنشاء محطات جديدة لتضيف بنهاية خطة التنمية الثامنة (580) مليون متر مكعب إلى الطاقة الإجمالية الحالية للمحطات، وتنفيذ برنامج لإعادة تأهيل محطات التحلية القائمة ومرافقها وتجديدها.

وقد واكب التوسع في قدرات الإنتاج خلال السنوات الماضية تطور مواز في شبكات خطوط النقل ومرافق التخزين، حيث بلغ طول خطوط الأنابيب (4170) كيلومترا، وعدد محطات الضخ (30) محطة، و (165) خزان مياه بسعة إجمالية قدرها (904) ملايين متر مكعب في عام 1424 / 1425هـ، ـ (2004)، مما أتاح للمياه المحلاة أن تغطي نسبة (%51) من إجمالي الطلب على المياه للأغراض البلدية بنهاية خطة التنمية السابعة.

ثانيا: مياه الصرف الصحي المعالجة بلغ المتوسط العام لمعالجة مياه الصرف الصحي في السعودية (%33.5) عام 1424 / 1425هـ، ـ (2004)، مرتفعا من (%32) في عام 1420/ 1421هـ (2000). ويتباين هذا المعدل بشكل كبير بين مدن السعودية، إذ يقترب من التغطية الشاملة (%100) في كل من مدينتي الدمام والجبيل، فيما يتراوح بين (%30) و (%40) في مدن الرياض وجدة والمدينة المنورة. إن ما يقرب من ثلثي المياه البلدية تقريباً لا تتم معالجتها، وتتسرب إلى باطن الأرض متسببـة في ارتفاع منسوب المياه السطحية في بعض المناطق وتفضي إلى ضغوط بيئية وأضرار صحية. علاوة على عدم الاستفادة من الإمكانات الكبيرة المتمثلة في مياه الصرف الصحي التي لا يمكن تحقيقها ما لم يتم سد الفجوة بين طاقات إمدادات المياه وشبكات الصرف الصحي.

وقد أدى التوسع السريع للمدن والمراكز الحضرية الأخرى إلى تركيز الجهود في الماضي على التخلص من مياه الصرف الصحي بدلاً من معالجتها وإعادة استخدامها بصورة فاعلة وللأغراض المناسبة. ونظراً لأهمية مياه الصرف المعالجة كبديل للمياه العذبة في الأغراض الزراعية والصناعية والترفيهية، فقد تم خلال خطة التنمية السابعة المباشرة في تنفيذ عدد من المشاريع الهادفة إلى زيادة معدلات استخدام مياه الصرف المعالجة لأغراض الري، منها المشروع الذي يغطي المنطقة الممتدة من جنوب الرياض إلى المزاحمية في منطقة الرياض الذي يتوقع البدء في تشغيله في عام 1426 ـ 1427هـ، (2006). كما يتوقع لهيئة الري والصرف بالأحساء أن تحقق الاستغلال الكامل لمحطات المعالجة في الهفوف والمبرز بإضافة نحو (39) مليون متر مكعب سنويا من المياه المعالجة بحلول عام 1429 ـ 1430هـ، (2009). إلى موارد الري في مشروع الأحساء.

* خدمات المياه والصرف الصحي

* أسهمـت التطورات فـي شبكـات المياه والصرف الصحي خلال خطة التنمية السابعة في ازدياد نسبة تغطية خدمات المياه من (%60) عام 1419 ـ 1420هـ، (1999)، إلى (%67) عام 1424 ـ 1425هـ، (2004)، كما ازدادت نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي من (%26) عام 1419 ـ 1420هـ، (1999)، إلى (%30) عام 1424 ـ 1425هـ، (2004).

* إجمالي موارد المياه المتجددة وغير التقليدية

* تقدر موارد المياه المتجددة وغير التقليدية في عام 1424 ـ1425هـ (2004) بنحو(9.4) بليون متر مكعب سنوياً، تمثل تقديرات المياه المتجددة جزءاً كبيراً منها تصل إلى نحو (%85)، والباقي للمياه غير التقليدية، مما يجعل تطوير هذا المورد من أولويات خطة التنمية الثامنة.

* استهلاك المياه

* بلغ الحجم الكلي للمياه المستهلكة في المملكة (20270) مليون متر مكعب عام 1424 ـ 1425هـ، (2004)، مقارنة بـ (20740) مليون متر مكعب عام 1419ـ 1420هـ، (1999)، بمعدل انخفاض قدره (0.5%) سنويا.

وقد تأثر الاستهلاك بعدة عوامل وتطورات ذاتية لكل فئة من فئات الاستهلاك الرئيسة الثلاث: الاستهلاك الزراعي، والاستهلاك البلدي، والاستهلاك الصناعي.

الاستهلاك الزراعي: يهيمن استهلاك المياه للأغراض الزراعية على أغراض الاستهلاك الأخرى إذ يمثل نحو (%86.5) من إجمالي المياه المستهلكة. ويقدر استهلاك المياه للأغراض الزراعية بنحو(17530) مليون متر مكعب عام 1424 ـ1425هـ (2004)، حيث شهد انخفاضاً قدره (%1.1) في المتوسط سنوياً خلال مدة الخطة، كما أنه أقل من مستوى الذروة الذي وصله عام 1412/1413هـ، (1992) وقدره (19826) مليون متر مكعب.

وقد جاء هذا الانخفاض أساساً نتيجة السياسات التي اعتمدتها المملكة الهادفة إلى ترشيد زراعة المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه، وإعادة تشكيل المحاصيل الزراعية ذات الكفاءة المائية العالية كالخضروات والفواكه. كما اتخذت الدولة المزيد من الإجراءات الترشيدية في المجال الزراعي منها تخفيض دعم زراعة القمح والشعير، وتجميد منح الأراضي الزراعية لمدة خمس سنوات وغيرها من الإجراءات.

ومما يحد من كفاءة سياسات ترشيد استهلاك المياه في القطاع الزراعي، استمرار توفيرها دون قيود تذكر لأغراض الزراعة، بغض النظر عن معدلات الاستهلاك وكفاءته. ويقدر معدل فاقد المياه في الأغراض الزراعية بحدود (30%) وهو معدل مرتفع نسبيا.

من ناحية أخرى، فإن نظام المحافظة على المياه الحالي الذي ينظم عملية الترخيص لحفر الآبار وعمليات الحفر، لا يتضمن عمليات تنظيم سحب المياه وبالتالي لا يحمي طبقات المياه الجوفية والآبار المجاورة أو البيئة من أنماط الاستخدام المضرة بها.

الاستهلاك البلدي: بلغ إجمالي استهلاك المياه للأغراض البلدية(2100) مليون متر مكعب عام 1424ـ 1425هـ،(2004) مرتفعاً من (1750) مليون متر مكعب عام 1419 ـ 1420هـ، (1999)، أو بمعدل نمو متوسط قدره (4%) سنويا. وقد شكل الاستهلاك البلدي نسبة (10.4%) من إجمالي المياه المستهلكة في المملكة عام 1424 ـ 1425هـ،(2004) وقد بلـغ معدل تغطية شبكات المياه نسبة (67%) بنهاية الخطة، بزيادة متواضعة عن مستواه في بدايتها، إذ أن ما تم إضافته من توصيلات جديدة لم يتجاوز (%40) مما استهدفته الخطة.

ويقدر معدل استهلاك الفرد من المياه في السعودية بنحو(230) لترا يومياً، غير أن هذا المعدل يرتفع إلى ما يزيد عن(300) لتر في بعض مدن البلاد كالرياض ومدن المنطقة الشرقية. ويُعد معدل الاستهلاك في بالسعودية مرتفعاً قياساً بالمعدلات القياسية العالمية التي تتراوح ما بين (150) و(200) لتر للفرد يوميا. ويتأثر استهلاك المياه في السعودية بعدة عوامل أبرزها المناخ ومستويات الدخل. كما أن حوافز الترشيد في الاستهلاك لا تزال ضعيفة نظراً لأن تعرفة المياه لا تعكس تكلفة توفيرها.

وتعاني شبكات المياه من ارتفاع معدلات الفاقد، حيث يقدر متوسط نسبة المياه غير المحسوبة، أي تلك التي تفقد في الشبكة وعند المصدر قبل وصولها إلى المستهلك حالياً بنحو (28.5%)، لذا فإن خفض نسبة الفاقد يعد من أرخص الوسائل الممكنة لتوفير الطلب المستقبلي على المياه البلدية، إذ يمكن أن يحقق ذلك تلبية الطلب الإضافي المتوقع خلال العقد القادم. لذا ينبغي وضع سياسة واضحة لإدارة الطلب على المياه البلدية، على أن يتضمن ذلك إجراء خفض كبير في فاقد المياه من الشبكات واتخاذ إجراءات تحفز الأسر ومستخدمي المياه للأغراض المنزلية والتجارية في المناطق الحضرية لترشيد الاستهلاك. كما يمكن أيضاً اتخاذ إجراءات إضافية لزيادة الوعي بأهمية المياه.

الاستهلاك الصناعي: ارتفع استهلاك المياه للأغراض الصناعية من (450) مليون متر مكعب سنوياً في بداية خطة التنمية السابعة إلى (640) مليون متر مكعب في نهاية الخطة، حيث تجاوز المعدل المتوقع بالخطة لعام 1424 ـ1425هـ، (2004) بنحو (40) مليون متر مكعب، علماً بأن هذا الاستهلاك لا يشمل المياه المستعملة في قطاع النفط لغرض حقن الآبار.

ويتسم استهلاك المياه في القطاع الصناعي بشكل عام، بدرجة عالية من الترشيد وكفاءة الاستخدام، خاصة في المدن الصناعية الكبرى. لذا فإن تأثير التنمية الصناعية على الموارد المائية هو في الحدود المعقولة. كما تجدر الإشارة إلى أن النظام لا يجيز للقطاع الصناعي استخدام المياه الجوفية دون قيـد أو شرط كما هو الحال في القطاعات الأخرى. علاوة على ذلك، فإن المدن الصناعية الكبرى تستفيد بشكل كامل من مياه الصرف الصحي من خلال تجميعها ومعالجتها وإعادة استخدامها، مع ضمان عدم تلوث المياه البلدية بالمخلفات الصناعية.