تحذير من مخاطر السيول وقلة تغذية المياه الجوفية نتيجة الاستمرار في بناء المنازل على المدرجات الزراعية

مطالب بدراسة تلوث المياه الجوفية في حوض وادي أبها وإصدار تنظيمات لمنع البناء على الركبان

TT

حذر مركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبد العزيز بجدة من أن استمرار بناء المنازل السكنية على المدرجات الزراعية في منطقة عسير سيؤدي الى زيادة مخاطر السيول والإقلال من تغذية المياه الجوفية، مطالبا بإصدار تنظيمات عاجلة للمحافظة على هذه المدرجات بالمناطق التي تقع خارج محيط منطقة أبها الحضرية الكبرى وتقييد عملية بناء المساكن على السفوح الجبلية حيث توجد مدرجات زراعية لوقف التغيرات الكبيرة بالأنظمة الطبيعية لتصريف المياه السطحية.

وبين المركز في تقرير حصلت عليه «الشرق الأوسط» أن أفراد الفريق العلمي لاحظوا خلال زيارتهم لأبها العام الماضي أن التوسع العمراني بالمنطقة المحيطة بمدينة أبها والمنطقة الممتدة حتى منتزه السودة تسبب في إحداث تغيرات كبيرة بالأنظمة الطبيعية لتصريف المياه السطحية ونظام الري التقليدي الذي يعتمد على استغلال مياه الأمطار لري المدرجات الزراعية بمناطق السفوح بينما المناطق الأخرى من عسير حدثت بها نفس هذه التأثيرات ولكن بشكل أقل.

وبين التقرير انه بالنسبة للمدرجات الزراعية، التي يطلق عليها أسم (ركبان) وهي عبارة عن مصطبات ترابية أنشأها السكان منذ أزمنة سحيقة على سفوح الجبال لاستغلال مياه الأمطار في الزراعة. وتدهورت حالة هذه المدرجات بسبب حركة تحويل أراضي السفوح الجبلية إلى مناطق سكنية، أما بالنسبة للمدرجات التي لم يحدث توسع عمراني بمناطق وجودها فإن عوامل الهجرة إلى المدن وتحول السكان إلى وظائف أخرى والمتطلبات المرتفعة من اليد العاملة لصيانة هذه المدرجات أدت إلى إهمالها. وكنتيجة لهذا فإنه لا يوجد بمنطقة عسير حاليا إلا القليل من المدرجات الصالحة للعمل الزراعي وتتضح هذه الظاهرة بشكل واسع بالمنطقة المحيطة بمدينة أبها حيث تحتل المناطق السكنية مواقع المدرجات الزراعية القديمة.

والمح التقرير إلى أن التوسع الحضري بمنطقة عسير تسبب في إحداث أضرار بيئية أخرى، فقد أدى هذا التوسع إلى الإخلال بالنظم الطبيعية لتصريف مياه الأمطار بالمنطقة. ولوحظ في عدد كبير من المناطق خصوصا على حواف الطرق الإسفلتية وجود تشققات عميقة على السطح كنتيجة لتأثيرات النمو العمراني الذي تسبب في حصر المياه السطحية وتوجيهها نحو بقعة محددة مما زاد في قوة جرفها للتربة السطحية. كما أن هذا النمو العمراني بالسفوح الجبلية تسبب في ارتفاع معدلات انجراف التربة وتخريب العديد من المدرجات الزراعية. ونجد من جهة أخرى أن التوسع العمراني أحدث تغييرات في مسارات مجاري الأودية. فعلى سبيل المثال فإن بناء الطرق والمباني السكنية أحدث تغييرا في مسارات المجاري العليا لوادي أبها الذي يشق مدينة أبها. وكنتيجة لهذا انخفضت كثيرا كميات المياه السطحية التي تصل إلى المجرى الأسفل من الوادي، حيث بني سد خرساني حديث هو سد وادي أبها. ويلاحظ أن البحيرة التي يفترض أن تتكون خلف هذا السد هبط منسوب المياه بها كثيرا وانكمشت المساحة التي تحتلها. وقد ظهرت جزيرة صغيرة بوسط البحيرة مما يدل على انخفاض مستوى الماء بهذه البحيرة.

وتابع التقرير إلى أن المدرجات التي أقامها السكان على سفوح الجبال لاستغلال مياه الأمطار في الزراعة تحولت أجزاء واسعة منها إلى مناطق سكنية. وكنتيجة لهذا فإن طبيعة السطح على سفوح الجبال بمنطقة عسير تغيرت منطقة تغطيها تربة يمكن أن تمتص مياه الأمطار إلى مسطحات إسمنتية وإسفلتية لا يمكن لها أن تحتفظ بمياه الأمطار.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه الظروف الجديدة إلى ارتفاع معدلات الجريان السطحي مما يزيد من أخطار السيول وانجراف التربة. وكنتيجة غير مباشرة فإن زيادة معدلات الجريان السطحي تؤدي إلى الإقلال من معدلات إعادة التغذية الطبيعية للمياه الجوفية. ويمكن التعرف على ذلك من نضوب عدد من العيون في منطقة عسير، مثل عين المقضى التي كانت موجودة على سفح جبل السودة.

كما أن قلة معدلات التغذية للمياه الجوفية أدى إلى إنقاص، أو حتى إيقاف، معدلات التدفق القاعدي للمياه Base Flow والذي يتم عن طريقه تغذية المجاري المائية المستديمة من مخزون المياه الجوفية. وتسبب هذا في توقف بعض المجاري المائية السطحية المستديمة «الغيول» التي اشتهرت بها منطقة عسير سابقا عن التدفق. وأهم مثال على هذا هو جفاف مجرى المحالة وتوقفه عن الجريان نهائيا.

ويرى مركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبدالعزيز أن هذه المدرجات تمثل وسائل تقليدية مهمة لاستغلال مياه الأمطار، كما أنها تعمل على المحافظة على التربة وحمايتها من الانجراف وان المدرجات الزراعية بالمنطقة يمكن تطويرها لأجل استغلالها كوسيلة فعالة تؤمن جزءا كبيرا من حاجات منطقة عسير لمياه الشرب، وتمثل هذه المدرجات من ناحية أخرى إنجازا هندسيا وإرثا تاريخيا له قيمة جمالية يجب المحافظة عليه والاهتمام باستغلاله كمعلم حضاري وتعليمي، ويشكل وجودها كعامل مهم في الجذب السياحي لمنطقة عسير.

ومن جانب آخر يعتقد المركز أن هناك العديد من المشاكل المائية بمنطقة عسير التي تستحق البحث العلمي لإيجاد حلول مناسبة مبديا اهتمامه بدراستها متى ما طلب منه ذلك. ويرى المركز انه لا بد من دراسة احتمالية تلوث المياه الجوفية بحوض وادي أبها ودراسة وتحديد الاستجابة الهيدروليكية واحتمالات حدوث السيول لحوض وادي أبها، المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية ومعالجة السلبيات الناتجة عن وجود السدود، خاصة سد وادي روام والمخلفات الصلبة وإمكانية تطوير مصاطب المياه واستخدامها كمصائد لتخزين المياه.

وشدد المركز على انه لا بد دراسة عاجلة لاحتمالية تلوث المياه الجوفية بحوض وادي أبها في الجزء الغربي والجنوب الغربي من السعودية التي تعتبر المتكونات المائية في بعض أحواض الأودية ومنها حوض وادي أبها من المصادر الرئيسية لإمدادات المياه للمدن والقرى والهجر وان النمو المطرد في النشاط الزراعي والتطور السريع للتجمعات السكانية في هذه الأودية. وهذا يقودنا إلى الاهتمام بالتأثيرات الناجمة عنها على نوعية المياه الجوفية وذلك بسبب الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية وكذلك غياب شبكات مياه الصرف الصحي، حيث عادة ما يتخلص من مخلفات مياه الصرف الصحي عبر أنظمة البيارات وهي الطريقة التقليدية التي تتجمع فيها المخلفات وبعدها تمتص بواسطة الرواسب من قاعدة صهريج التجميع لهذه المخلفات. وعليه فإن إمكانية تلوث المتكون المائي قد تزيد وتحد من فائدة استخدامه، حيث لا يوجد نظام مراقبة لنوعية واستخدامات الأسمدة الكيميائية في المجال الزراعي بالإضافة إلى عدم توفر شبكات صرف صحي في تلك المناطق.

وتابع: المركز من أكثر المشاكل المصاحبة لتلوث المياه الجوفية في المتكونات المائية هو ما يتعلق بالتلوث البكتيري وتركيز عنصر النترات لما تسببه من مشاكل صحية، خاصة في مناطق التربة الرملية وكثافة عدد البيارات.

وأشار المركز إلى أن الدراسات الحديثة التي أجريت في عدة متكونات مائية ضحلة في المنطقة الغربية أظهرت أن العديد من الآبار المنتجة تستخرج مياها جوفية يكون فيها تركيز عنصر النترات أكثر من 150% ملجم/ل يتجاوز فيها المقاييس التي حددتها منظمة الصحة العالمية حيث ان الحد الأقصى المسموح به هو 45 ملجم/ ليتر.

وأضاف: إن ارتفاع النترات في المياه الجوفية يعد من أهم الملوثات في الأودية التي تستخدم الأسمدة الكيميائية وكذلك في المناطق المستخدمة لأنظمة البيارات وذلك بسبب مقاومته العالية عند إزالته من قطاع التربة. وهو يعتبر عاملا غير مباشر مسببا لمرض الطفل الأزرق وللصحة العامة. ولهذا فإن الهدف من هذه الدراسة هو التعرف على أي تأثير قد يظهر على نوعية المياه الجوفية، لهذا فالهدف من هذه الدراسة هو التعرف على أي تأثير قد يظهر على نوعية المياه الجوفية من تلك المصادر.

ودعا المركز أيضا إلى إجراء دراسة أخرى لتحديد الاستجابة الهيدروليكية واحتمالات حدوث السيول لحوض وادي أبها، المنطقة الجنوبية من السعودية، فبالرغم من أن الطبيعة الجافة لمناخ اغلب مناطق السعودية إلا أن ذلك لا يقلل احتمالات حدوث السيول الجارفة والمدمرة وهو أمر متوقع، وعلى وجه الخصوص تلك التي تتولد في أحواض الأودية الواقعة في الجزء الغربي منها. فكثير من المدن والقرى الواقعة داخل أو عند مخارج هذه الأودية تتعرض من حين لآخر لأخطار فيضانات السيول، نتيجة ما تصرفه هذه الأحواض من مياه سطحية ناتجة عن شدة تساقط الأمطار على تلك الأودية، الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة وتعريض أرواح الناس للخطر.

وأوضح المركز أن غالبية أودية المنطقة الغربية من السعودية لا تتوفر فيها معلومات أو قياسات تختص بقياسات المياه السطحية الجارية. حتى تلك الأودية التي أنشيءت فيها محطات لقياس السيول فإن البيانات المتوفرة معظمها تمثل فترات قصيرة وغير مستمرة وهذا يعزى إلى توقف هذه المحطات عن التسجيل، إما نتيجة أعطال فنية أو أنها دمرت بفعل السيول الجارفة.

وعليه فإن المعلومات المتوفرة بصورتها الحالية يحول دون استخدامها في الدراسة والتحليل لفيضانات السيول وتكرارها من هذه الأودية بشكل علمي دقيق للحد من خطرها. ويرى المركز أن تشمل الدراسة المقترحة دراسة السيول التي قد تتولد في حوضي وادي فاطمة ووادي وج الواقعان في الجزء الغربي من السعودية، مقترحا بهذا الخصوص دراسة تفصيلية شاملة لتحديد الخواص المورفومترية لهذه الأحواض المقترحة ودراسة التصرف الهيدروليكي، تحت تأثير عواصف مطرية ذات مدد تكرار مختلفة ويشمل التحليل تحديد ذروة السيول التي تنشأ ـ حجم مياه السيول ــ وحساب معدل نقل الرواسب وحجمها بفعل هذه السيول.

إن أهمية هذه الدراسة تكمن في توفير معلومات ذات قيمة علمية تؤدي إلى التعرف على سلوك هذه الأودية وما تصرفه من مياه سطحية جارية يمكن الاستفادة منها في الإنشاءات مثل الطرق ـ السدود ـ الجسور وغيرها من أعمال التحكم في الحد والإقلال من مخاطر فيضانات السيول.