انتقادات لوزارة المياه لاعتزامها تنفيذ مشروع الخزن الاستراتيجي لارتفاع التكلفة وقلة المورد المائي

الوزارة تقدر التكلفة بـ223 ريالا للمتر المكعب .. ومركز أبحاث المياه يقدره بريالين

TT

أثار اعتزام وزارة المياه تنفيذ مشروع للخزن الاستراتيجي بمكة المكرمة بتكلفة مليار ريال يوفر 4.5 مليون متر مكعب، انتقادات من قبل الأوساط المائية في السعودية نظرا لتكلفته المبالغ فيها وقلة المياه الذي يوفرها.

ورغم اتفاق الأوساط المائية على ضرورة السرعة في تنفيذ مشروع للخزن الاستراتيجي في منطقة مكة المكرمة لكن اعتراضهم ينبع من التكلفة المبالغة وقلة المياه التي لا تكفي لأيام معدودة، وفقا لتقديرات وزارة المياه، وبالتالي فانه لا يصنف في نطاق الخزن الاستراتيجي الذي لا بد من أن يكفي لمد المياه لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

وطالبت تلك الأوساط وزارة المياه بدلا من إهدار هذا المبلغ الكبير من المال العام في هذا المشروع غير المجدي بالاستفادة من دراسة مركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبد العزيز التي تقدر تكاليف الخزن الاستراتيجي بتكلفة 100 مليون ريال فقط ويوفر 50 مليون متر مكعب أي أن تكلفة المتر المكعب من المياه حسب تقديرات وزارة المياه 223 ريالا بينما تبلغ حسب تقديرات مركز أبحاث المياه فقط ريالين للمتر المعكب الواحد. ومن هنا يلحظ أن هناك فرقا شاسعا بين التكلفتين بين تقديرات الوزارة والمركز حيث ترجح كفة تقديرات المركز اقتصاديا سواء على مستوى قيمة المياه أو حجم المياه الذي يوفرها.

وتذهب تلك الأوساط الى ان الوقت أصبح مناسبا لتنفيذ مشروع الخزن الاستراتيجي بمنطقة مكة المكرمة نظرا لوجود وفر مالي في ميزانية البلاد مشددين انه لا بد أن يتم استغلال الطفرة الاقتصادية التي تعيشها حاليا السعودية من خلال الاستخدام الأمثل للمبالغ المعتمدة للمشاريع المائية بالشكل الصحيح دون هدر أو مبالغة ووفقا للأولويات.

من جانبه قال الدكتور عمر بن سراج أبو رزيزة في حديث مع «الشرق الأوسط» إن لمواجهة أي طارئ لانقطاع المياه خاصة في مناطق المشاعر المقدسة عرفة ومزدلفة ومنى ومكة المكرمة والمدينة المنورة التي تتغذى بالمياه من محطتي الشعيبة وينبع وقليل من المياه الجوفية من الأودية القريبة منها، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وإشراف مباشر من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، فقد شرفت جامعة الملك عبد العزيز ممثلة بمركز أبحاث المياه بالقيام بدراسات مستفيضة اشتركت فيها الكليات المتخصصة بعلمائها ومعاملها فقامت بإعداد دراسة عن الخزن الاستراتيجي للمياه لإمداد المشاعر المقدسة ومكة المكرمة بالمياه عند الحاجة إليها عند حدوث أي طارئ، وقد انتهى التقرير الأول ورُفِع إلى أمير منطقة مكة المكرمة الذي أوصى بإقامة خزان جوفي في وادي نعمان شرق نقطة التفتيش الجهة الغربية من وادي نعمان، ثم بعد ذلك قام مركز أبحاث المياه بدراسات جيوفيزيائية مستفيضة قام بها فريق متكامل من قسم الجيوفيزياء بكلية علوم الأرض بالجامعة في مشروع عين زبيدة حيث تم تحديد مكان السد الجوفي في وادي نعمان.

وأضاف الدكتور أبو رزيزة أن فريق الدراسة حالياً مهتم بتصميم السد الجوفي الذي من المؤمل أن يكون مخزونة الاستراتيجي في السنوات العشر القادمة حوالي 50 مليون متر مكعب بل قد يصل إلى أكثر من ذلك.

والخزان الجوفي كما يدل اسمه عليه يحفظ المياه تحت سطح الأرض متلافياً معظم الآثار السلبية للسدود السطحية من بخر وتعرض للتلوث. ومعطيات الدراسة تؤيد إقامة هذا السد الجوفي وتبشر بنتائج جيدة تجعلنا ـ بحول الله ـ بمأمن واستعداد لأي طارئ في إمداد المشاعر المقدسة من هذه المناطق المباركة بالمياه.

وتابع الدكتور أبو رزيزة ذلك هو الخزن الاستراتيجي، ولم تهمل دراسة عين زبيدة الخزن التشغيلي ولكنها نظرت إليه منظور آخر يتواءم مع طبيعة المنطقة الصحراوية، فعينت مكاناً لخزان تشغيلي تحت أرضي يقع مجاوراً ومسامتاً للسد الجوفي الاستراتيجي ويصمم مبدئياً لمليون متر مكعب ومن الممكن زيادة طاقته الاستيعابية إذا رغبت الجهات المسؤولة لأكثر من ذلك.

وأضاف ان هناك أبعادا اقتصادية مهمة للخزن الجوفي لعل من أهمها قلة تكاليف الإنشاء والصيانة. وقد قدرت تكاليف الخزان الجوفي قرابة 100 مليون ريال والخزان التشغيلي بـ 100 مليون ريال. كما أن هناك بعداً مهماً جداً وهو البعد الأمني حيث يقع تحت الأرض وليس ظاهراً كالخزانات السطحية، مما يجعل جسم السد والمياه التي به في مأمن وحماية من عبث العابثين.

وأشار إلى أن مركز أبحاث المياه في جامعة الملك عبد العزيز سيتسمر في العمل لإتمام هذه الدراسة ـ بحول الله ـ من تصميم الخزانين الجوفيين الاستراتيجي والتشغيلي وفق توجيهات المقام السامي ورعاية إمارة منطقة مكة المكرمة.

وبين الدكتور أبو رزيز ة للأسف أن هناك خلطا كبيرا بين مفهومي الخزان التشغيلي والخزان الاستراتيجي باعتبارهما يؤديان نفس الغرض وهذا مفهوم خاطئ فالصحيح ان الخزان الاستراتيجي هو الذي يتم تصميمه لتكون مهمته إمداد المياه لفترة زمنية تكون لستة اشهر أو ثلاثة اشهر بينما الخزان التشغيلي الذي يتم تكون مهمته إمداد المياه لعدة أيام.

ويتابع: إن الخزان الاستراتيجي بالإضافة لميزة الفترة الزمنية الأطول له مميزات كثيرة منها انه يقلل البخر ويحفظ مياها ذات جودة عالية خاصة ان معظمها من مياه الامطار وكذلك يحفظ تلك المياه من أي بخر وتلوث سطحي.

وشدد الدكتور أبو رزيزة انه بمقارنة اقتصادية بين الخزان الاستراتيجي الذي يقترحه مركز أبحاث المياه فان تكلفته لا تزيد عن 100 مليون ريال ويوفر 50 مليون متر مكعب عكس ما تعتزم وزارة المياه تنفيذه لثلاثة خزانات بتكلفة مليار ريال وتوفر 4.5 مليون متر مكعب فقط، وبالتالي فإن ميزان الجدوى الاقتصادية يرجح الخزان الذي يقترحه المركز من ناحية تكلفة قليلة وتوفير مياه أكثر تكفي لوقت أطول.

ودعا وزارة المياه التنسيق مع مركز أبحاث المياه قبل تنفيذ مشروع الخزن الاستراتيجي أو التشغيلي بمنطقة مكة المكرمة للاستفادة من خبرتهم بهذا المجال لتوفير المال والجهد.

وتنفرد «الشرق الأوسط» وعبر صفحة المياه بالكشف لأول مرة عن تفاصيل تقرير المرحلة الأولى من مشروع الخزن الاستراتيجي للمياه الذي تم رفعه لإمارة منطقة مكة المكرمة في عام 1992 وقام بهذا التقرير كل من مركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبد العزيز بجدة بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية وذلك من إعداد كل من الدكتور شريف محمد الديدي والدكتور خالد بن سعيد بالخير والدكتور احمد جودة حسين والمهندس سامر احمد شومان.

ويشير التقرير الى إن الهدف من مشروع الخزن الاستراتيجي للمياه هو البحث عن مواقع لخزن مياه صالحة للاستهلاك البشري تفي باحتياجات مدينتي مكة المكرمة وجدة حيث إن هذا التقرير للمرحلة الأولى من المشروع المكون من أربع مراحل متتابعة.

وبين التقرير في هذه المرحلة الأولى انه تم انجاز الاعمال المحددة في مقترح المشروع وهي تجميع وتقويم البيانات المتوفرة عن المنطقة ودراسة مقارنة طرق تخزين المياه المختلفة وتحديد كميات وتوزيع الأمطار على منطقة الدراسة لاختيار الموقع الأمثل.

وأوضح التقرير انه قد خلصت هذه المرحلة في حساب كميات المياه المطلوب تخزينها التي بلغت 38 مليون متر مكعب على الأقل لتفي باحتياجات العدد الحالي للسكان والبالغ 9.5 ملايين نسمة لمدة ثلاثة أشهر، وباعتبار ان الزيادة السكانية أثناء موسمي الحج والعمرة فان الكمية تزداد بواقع 33% على الأقل. وعند دراسة طرق التخزين المختلفة التي شملت التخزين السطحي المكشوف والمغطى وداخل رواسب الأودية (مياه جوفية) وقد تم تفضيل الرواسب البينية لرواسب الأودية لما لها من مزايا اقتصادية وفنية وهندسية وبيئية.

وتابع التقرير ولتحديد كميات الأمطار الساقطة على المنطقة وتوزيعها، عند إجراء حسابات إحصائية لسجلات محطات الأمطار البالغ عددها 28 محطة وجد أن متوسط كميات الامطار السنوية يتراوح من81مم الى139مم ومن خلال الدراسة الجيولوجية النظرية تبين أن منطقة الدراسة تشتمل على خمسة أحواض مياه طبيعية رئيسية تقع ضمن الدرع العربي حيث وجد أن الصدوع والقواطع تتحكم في تكوين الأودية وانحداراتها، كما انه بالاطلاع على الدراسات السابقة تم التعرف على التراكيب الجيولوجية المؤثرة في الوحدات الصخرية بالمنطقة، كما بينت هذه الدراسات نماذج لأشكال خزانات جوفية قد تكون صالحة لخزن المياه إلا أنها تحتاج إلى كثير من القياسات الجيوفيزيقية المكثفة باستخدام كل الطرق المتاحة بالإضافة للقياسات الهيدرولوجية، وبرسم خرائط أحواض المنطقة وجد أنها تتباين في مساحات سطوح رسوبياتها وشبكة تصريف مياهها السطحية.

وأشار التقرير الى انه لاختيار موقع الخزان الأمثل تم إجراء مفاضلة تفصيلية على أسس علمية بين الأحواض الرئيسية في منطقة الدراسة، وقد استخدمت طريقة التنحية والاختيار وطريقة البرمجة للوصول إلى الحل الوسط وهما طريقتان عالميتان تستخدمان لترتيب الاختيارات للأنظمة ذات المعايير المتعددة وكان من متطلبات كل طريقة وضع معايير ذات تأثيرات سلبية أو ايجابية على الاختبارات المختلفة وقد تم وضع اثني عشر مليارا اشتملت على معلومات رقمية مختلفة ووصفية لكل اختيار مثل المعلومات الهيدرولوجية ومساحات مسطحات رواسب الأودية وأعماق رسوبياتها واستخدامات الأراضي والمسافات البينية ونوعيات المياه وللحصول على هذه المعلومات تم استخدام الخرائط الطبوغرافية لحساب المساحات والمسافات المختلفة وصور الأقمار الصناعية للتعرف على استخدامات الأراضي بالإضافة إلى دراسة التقارير الفنية ذات العلاقة لاستخلاص باقي المعلومات.

وبين التقرير انه تم الاتصال بثلاثة من أفضل الخبراء في العالم في مجال موضوع الدراسة للاستئناس بمرئياتهم والتأكد من سلامة الخطوات المتبعة في هذه المرحلة وذلك قبل البدء في تطبيق طرق المفاضلة بين الاختبارات فوجدنا ان آراءهم جاءت منسجمة مع آراء فريق البحث بواقع 90% وبتطبيق الطريقتين وجد أن الاختيارين الأمثلين لخزن المياه لمدينتي مكة المكرمة وجدة هما حوض وادي نعمان وحوض وداي فاطمة على التوالي.

من جانبه قال المهندس محمد البخاري ممثل القطاع الخاص بمركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبد العزيز بجدة في حديث مع «الشرق الأوسط»: بناء على ما كشفته وزارة المياه من اعتزامها تنفيذ مشروع الخزن الاستراتيجي بتكلفة مليار ريال فإنه سبق لمركز أبحاث المياه أن أعد دراسة للخزن الاستراتيجي لتوفير مياه تكفي لمدة 5 إلى 6 أشهر وهذا الخزن يكون في 8 أودية حول مكة المكرمة وجدة وهذا الخزن يكون لحوالي 1 مليار متر مكعب من المياه وهو مهم جداً ويجب أن تتم بدلاً من الخزانات الثلاثة التي سوف تسبب الكثير من المشاكل من حيث إنتاج الماء وتعبئة هذه الخزانات إلى التغطية وإلى الحراسات والصيانة الخ. ونحن نعرف خزان المليون ومشاكله السنوية في المشاعر المقدسة، متابعا أن الخزن الاستراتيجي يكون مصدراً مهماً للمياه في حالات الطوارئ، إضافة إلى أن الخزن في باطن الأرض مأمون ومضمون أكثر من الخزن في مستودعات أسمنتية راكدة مما قد يتسبب عنه عفونة الماء وركودها وقد أمضى مركز أبحاث المياه بالجامعة أكثر من سنتين في إعداد هذه الدراسة القيمة التي لا نعلم أين ذهبت وكان لي شرف الاشتراك في وضعها.

وأضاف البخاري «سبق للمشرف على الإدارة العامة لوزارة المياه بمنطقة مكة المكرمة أن طلب من مركز أبحاث المياه إعداد مقترح للخزن الاستراتيجي في مكة المكرمة وجدة وقد تم إعداد المقترح باشتراك أكثر من اثنى عشر خبيراً من جامعة الملك عبد العزيز بجدة لمدة ثمانية أشهر وقدم المقترح إلى المشرف العام في الغربية وللأسف ذهب المقترح أدراج الرياح، وكان ملخص ذاك المقترح إقامة سدود جوفية في عدة أودية حول مكة المكرمة وجدة لخزن المياه في باطن الأرض تكفي لمدة أربعة أشهر».

واستغرب البخاري كثيرا من تجاهل تلك الدراسة والاتجاه إلى إقامة ثلاثة خزانات أسمنتية بمليار ريال لخزن 4.5 مليون متر مكعب مبديا أسفه الشديد لتجاهل جهود الباحثين والأفكار النيرة والتوفير المادي الكبير.

وأشار البخاري إلى صيغة ثانية لتنفيذ مشروع الخزن الاستراتيجي بدلا مما تعتزمه وزارة المياه تنفيذه حيث ان في الوقت الحالي هيئة تدرس إعادة أعمار عين زبيدة وسبق لها إعداد دراسة وانتهت منها بإقامة خزن استراتيجي لمائة مليون متر مكعب مياه في وادي نعمان وذلك بإقامة سد جوفي في الوادي وهذا الخزن يغذي منابع عين زبيدة ويقوم بإمداد مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بالمياه في أوقات الطوارئ وهذا الخزان الطبيعي مع تمديداته لا يكلف أكثر من مائة وخمسين مليون ريال أي حوالي 15% من المليار، وهذا الخزن يعتبر مثاليا، حيث ان وادي نعمان قريب من مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وعين زبيدة.

ووضع البخاري العديد من علامات الاستفهام حول صيغة مشروع الخزن الاستراتيجي الذي تعتزم تنفيذه وزارة المياه مشيرا إلى أن هناك بعض المشاريع التي تثير الانتباه ومنها خزانات المليار، إن كلمة مليار لن ولم تصبح بمعنى المليون ريال لأن المليار يمكن العمل به لإنجاز الكثير والكثير وأكثر من ثلاثة خزانات مياه بسعة 4.5 مليون متر مكعب.

وسبق لصفحة المياه في الخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن طالب مختصون بسرعة تنفيذ برامج طارئة لمواجهة نقص المياه في السعودية من ابرزها برنامجا الخزن الاستراتيجي وحصد الأمطار. وسبقه في في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي أن تم نشر دراسة لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية أكدت صلاحية وادي فاطمة كخزان استراتيجي للمياه لمنطقة مكة المكرمة.

وكانت «الشرق الأوسط» قد اتصلت بالمهندس محمد البغدادي، المشرف على المياه في منطقة مكة المكرمة، للحصول على اجابات عن مصير دراسة مركز أبحاث المياه بجامعة الملك عبد العزيز بشأن مشروع الخزن الاستراتيجي، ولماذا لا يتم التنسيق مع المركز للاستفادة من خبراته في مجال الخزن الاستراتيجي والتشغيلي؟ وهل تم الاستفادة من دراسات هيئة المساحة الجيولوجية بشأن الخزن الاستراتيجي؟ ولماذا التكلفة العالية التي تم تقديرها لمشروع الخزن الاستراتيجي بالرغم من الحجم القليل من المياه الذي يوفرها؟ غير أنه حتى إعداد هذا التقرير لم نحصل على اجابة.