السعودية: المطالبة بإنشاء هيئة محايدة للإشراف على إنشاء وتشغيل محطات وشبكات مياه الصرف الصحي

TT

أكد استشاري في مجال تصميم شبكات الصرف الصحي على أن الاهتمام بإنشاء شبكات جديدة للصرف الصحي بالسعودية واستبدال الشبكات القديمة القائمة جاء متأخرا نوعا ما، وذلك بعد ثبوت عدم جدوى النظام التقليدي لتصريف مياه الصرف الصحي «نظام البيارات أو خزانات الرشح» في المناطق التي لا توجد شبكات للصرف الصحي فيها، لما تسببه من مشاكل صحية وبيئية واقتصادية متعددة، وكذلك تقادم شبكات الصرف الصحي في المناطق المخدومة تصل إلى عشر سنوات، وبالتالي لم تظهر المشكلة إلا بعد حدوث طفح في تلك الشبكات القديمة لكونها مدفونة تحت الأرض ما جعل هناك حاجة ماسة للتركيز بصفة كبيرة على انشاء وتحديث وتطوير شبكات الصرف الصحي بالسعودية.

وأوضح الدكتور خالد بن حمد الضويلع من مكتب فرات للاستشارات الهندسية البيئية في الرياض لـ «الشرق الأوسط» أن مشاريع الصرف الصحي في السعودية تعيش حاليا مرحلة صحوة في تنفيذ تلك المشاريع، وذلك مع وجود وفر مالي كبير في الميزانية وتخصيص مبالغ كبيرة لمشاريع الصرف الصحي، حيث توجد على نطاق واسع في البلاد مشاريع كثيرة تنفذ، متوقعا بلوغ نسبة تغطية شبكات الصرف الصحي في المدن الرئيسية في السعودية إلى 90% خلال الخمس سنوات المقبلة رابطا ذلك بتنفيذ المشاريع حسب الخطط الموضوعة وبالأوقات المحددة لذلك. وارجع الدكتور الضويلع سبب تأخر تنفيذ شبكات الصرف الصحي سابقا في البلاد والنسبة المتدنية لمستوى تغطية شبكات الصرف الصحي في السعودية إلى بعض المقاولين المعنيين بتنفيذ تلك المشاريع، بحيث تصل مدة تنفيذ بعض المشاريع إلى ضعف المدة المحددة لتلك المشاريع وأحيانا كثيرة يخفق في تنفيذ تلك المشاريع ما يجعل الجهات المختصة تقوم بسحب بعض تلك المشاريع واعادة الأموال المخصصة إلى وزارة المالية، لذلك لا نلحظ تقدماً فعلياً في مجال مشاريع الصرف الصحي مقارنة بمشاريع شبكات المياه والكهرباء التي تصل إلى نسب أعلى في مجال التغطية. مشيدا في الوقت نفسه بما تقوم به حاليا وزارة المياه من تشدد ومتابعة مستمرة للمقاولين المنفذين لمشاريع الصرف الصحي حسب البرنامج المحدد من قبل الوزارة والسحب الفوري من المقاولين غير الملتزمين بالتنفيذ في الوقت المحدد.واعتبر الدكتور الضويلع أن المقاولين من جانبهم يعانون من عقبات لدى تنفيذ المشاريع، وذلك لعدم وجود تعاون من قبل بعض ادارات المرور والبلديات في تنفيذ المشاريع في الوقت المحدد.ولفت الدكتور الضويلع إلى إن هناك عوائق إذا لم يوجد لها الحل المناسب ستقف حجرة عثرة امام إتمام مشاريع الصرف الصحي في الوقت المحدد، ومن ابرز تلك العوائق ترسية عقود بعض المشاريع على مقاولين غير مؤهلين منفردين أو متضامنين بالرغم من عدم وجود خلفية وخبرة تمكنهم من تنفيذ مشاريع بحجم مشاريع الصرف الصحي التي تعتبر قياساً بمشاريع أخرى اكبر في الحجم والتكلفة، وكذلك افتقاد المقاولين لطاقم كاف مؤهل لأداء مثل هذه المشاريع التي تصل تكلفته إلى مئات الملايين من الريالات، وبالتالي فان هؤلاء يخفقون في تسليم المشاريع في الوقت المحدد مما سيقلل من حجم المشاريع المنفذة فعليا.وتابع الدكتور الضويلع، هناك عائق آخر يقف في وجه إنهاء تنفيذ مشاريع الصرف الصحي في الوقت المناسب، سواء تم ارساء تلك المشاريع على مقاولين مؤهلين أو غير مؤهلين، وهو عقبة وزارة العمل التي تتشدد حاليا في منح تأشيرات العمالة الفنية المؤهلة اللازمة لتنفيذ المشاريع بالرغم من ترسية تلك المشاريع رسميا على هؤلاء المقاولين مما سيجعل تلك المشاريع لا تنفذ فعليا.وألمح الدكتور الضويلع إلى إنه كان هناك سابقا مبالغة في تقدير تكلفة مشاريع الصرف الصحي، خاصة في تصاميم المشاريع قبل خمس عشرة سنة مما يتعارض مع الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع، وذلك بسبب عدم وجود الكوادر المؤهلة في الجهات المختصة القادرة على تقدير تكلفة المشاريع بشكل مناسب. لكن الوضع حاليا تحس بوجود كوادر مؤهلة في إدارة المشروعات في وزارة المياه ومديريات المياه في مناطق السعودية المختلفة قادرة على وضع تكاليف مناسبة للمشاريع المنفذة، لكن نحتاج لمراقبة معايير التصميم من قبل الجهات العليا.

وأشار الدكتور الضويلع إلى ان هناك توجهاً جديداً لدى وزارة المياه بوضع معايير ومحددات للتصميم تلزم الاستشاري الذي يقوم بتصميم مشاريع شبكات ومحطات الصرف الصحي باتباعها مراعاة تقليل التكلفة لدى تصميم تلك الشبكات والمحطات. داعيا إلى تدعيم الكوادر الحالية بإدارة المشروعات والإدارة الهندسية بوزارة المياه وفروعها بكوادر جديدة ومؤهلة تكون قادرة على تحديد الصالح من الطالح من تصاميم مشاريع الصرف الصحي.وكان الدكتور خالد الضويلع بالاشتراك مع الدكتور عبد الله بن محمد الرحيلي قد قاما قبل ما يقارب الثلاث سنوات بدراسة لم يتم نشرها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها تحت عنوان «خفض التكاليف وتحسين الأداء لمشاريع الصرف الصحي باختيار عوامل التصميم والأنظمة المناسبة»، حيث تعد من الدراسات القليلة التي تناولت جانباً مهماً وهو بحث تقليل التكلفة في تصميم شبكات الصرف الصحي بالسعودية كون مشاريع الصرف الصحي من المشاريع المكلفة ماديا، وبالتالي هناك ضرورة ماسة لبحث وسائل تقليل التكلفة لتحقيق الهدف وراء إنشاء شبكات ومحطات جديدة للصرف الصحي في البلاد، وذلك لتكوين بيئة صحية خالية من الأوبئة والاستفادة بشكل جدي من مورد مهم من موارد المياه غير التقليدية وهي مياه الصرف الصحي. صفحة المياه لهذا الأسبوع تسلط الضوء على ابرز ما ورد في الدراسة تحقيقا لما يخدم الصالح العام. وحول تحديد مدى الاستفادة من هذه الدراسة من قبل الجهات المختصة قال الدكتور الضويلع لـ «الشرق الأوسط» انه يصعب عليه تحديد مدى الاستفادة من الدراسة، لأن ذلك يعتمد بشكل مباشر على تقييم الجهات المختصة في هذا المجال. مشيرا إلى انه بصفته مستشاراً لدى وزارة المياه وبالتحديد في المديرية العامة للمياه بالرياض فانه على اتصال مستمر، وذلك من خلال الاجتماعات المتكررة لتقديم استشاراته من خلال المساهمة في بحث وسائل خفض التكاليف وتحسين الأداء لمشاريع الصرف الصحي.وبالعودة إلى الدراسة فقد خرجت بخمس توصيات، حيث أشارت التوصية الأولى إلى أن الاعتماد على العلاقة التجريبية بين معامل الذروة والتعداد السكاني قد ينتج عنه مبالغة في تقدير معامل الاحتكاك للأنابيب مما قد يزيد من الأخطاء في تقدير أقطار الأنابيب. لذا يجب الاعتماد على معلومات تصميمية أدق لتفادي التضخيم في تصميم شبكات الصرف الصحي.إما التوصية الثانية فهي مراجعة أسس التصميم المعتمدة من قبل الجهات المسؤولة عن مشاريع الصرف الصحي والاستفادة من نتائج هذه الدراسة للتقليل من أخطاء التصميم والمبالغة في تقدير أقطار الأنابيب، خاصة فيما يتعلق بتقدير معامل الذروة، ويمكن تبني نتائج هذه الدراسة في مراجعة المشاريع التي لم تنفذ والمشاريع المستقبلية لشبكات الصرف الصحي.وبينت التوصية الثالثة انه نظرا لوجود العديد من خطوط الصرف الصحي التي تعمل بنسبة ضئيلة من طاقتها الكلية يمكن الاستفادة من هذه الطاقة الاحتياطية في تصريف بعض المناطق المجاورة والترشيد في إنشاء خطوط جديدة لخدمة مثل هذه المناطق. كما انه من الضروري الاستمرار بجمع المعلومات التشغيلية الخاصة بشبكات الصرف الصحي، خاصة ما يتعلق بالتدفقات والمشاكل التشغيلية، وذلك للاستفادة من هذه المعلومات في تطوير طريقة هندسية مناسبة لتصميم شبكات الصرف الصحي.أما التوصية الرابعة فتبين انه على الرغم من الطاقة المحدودة لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي وعدم مواكبتها لكميات مياه الصرف الصحي الناتجة عن المدن، نجد ان هناك تنوعاً كبيراً في تقنيات المعالجة المستخدمة في المحطات القائمة، الأمر الذي يعكس عدم وجود نظام واضح صريح وملزم تقوم بمتابعته من خلال إنشاء هيئة محايدة وجهة محددة ومتخصصة بوضع منهجية لاختيار أنظمة المعالجة في السعودية، مع الأخذ في الاعتبار الخبرات السابقة وكفاءة الأداء للمحطات القائمة في ظل الظروف السائدة من إمكانات التشغيل والصيانة وتوفر الكوادر المتخصصة، ومدى توفر الاعتمادات المالية أو أساليب التمويل الأخرى، كما تقوم هذه الجهة بمراقبة المحطات لتحديد مدى التزامها بالنظام والمحافظة على منشآت وأداء المحطات.

وأوضحت التوصية الخامسة أن المحطات القائمة تنتج مياهاً متفاوتة في الجودة وفي كثير من الأحيان لا تتواءم مع متطلبات التخلص النهائي أو إعادة الاستعمال، حيث إن احد المحددات المهمة لاختيار تقنيات المعالجة يكمن في وجود تشريعات محددة وملزمة توضح التعامل مع المياه المعالجة وتحدد درجة المعالجة المطلوبة. لهذا يرى الباحثان انه من الضروري في ضوء شح المياه في السعودية والتكلفة الباهظة لتحلية مياه البحر، وترشيدا لاستهلاك المياه أن يتم إعادة استعمال جميع المياه المعالجة لاغراض محددة يتم وضع المواصفات المطلوبة لها بحسب أساليب الاستفادة منها في المناطق المختلفة في السعودية على ان تكون هذه التشريعات ملزمة ومتابعة باستمرار.وأشارت الدارسة إلى ان هناك دراسات أجريت لتقييم خدمات الصرف الصحي بالسعودية دلت على أن كميات مياه الصرف الصحي التي يتم جمعها في شبكات ومعالجتها في السعودية تبلغ حوالي 1.5 مليون متر مكعب في اليوم وعلى افتراض أن حوالي 90% من المياه التي تستخدم داخل المدن تتحول إلى مياه صرف صحي، فانه يمكن القول بأن أنظمة الصرف الصحي «الشبكات والمحطات” القائمة في المدن التي بها هذه الخدمة تستوعب حوالي40% فقط من مياه الصرف الصحي المتوقعة بينما حوالي 60% من مياه الصرف الصحي تتسرب إلى باطن الأرض عن طريق النظام التقليدي المتبع «نظام البيارات أو خزانات الرشح” علما بأنه ما زال هناك عدد من المدن والقرى التي لا توجد بها شبكات أو محطات للصرف الصحي تعتمد بشكل كلي على نظام البيارات الذي يهدد بأزمات صحية وبيئية في حالة الاستمرار به.

وأوضحت الدراسة أن التكاليف الباهظة لمشاريع الصرف الصحي من أهم المعوقات التي أدت إلى تأخر هذه الخدمة في العديد من مدن السعودية، ولعل المبالغة في اختيار معايير التصميم للشبكات والمحطات وعدم الدقة في اختيار أنظمة المعالجة التي تؤدي إلى تضخم غير مبرر لهذه المشاريع، تعد من الأسباب المهمة في ارتفاع تكاليف هذه المشاريع. فخلال العقدين الماضيين واللذين تم فيهما تصميم وتنفيذ العديد من مشاريع الصرف الصحي وجد ان هناك مبالغة واضحة في تصميم شبكات ومحطات الصرف الصحي نتجت عن تبني عوامل تصميم وأنظمة معالجة لا تلائم البيئة السعودية في كثير من الأحيان، حيث إن العوامل والأنظمة طورت أصلا لبيئات أميركية وأوروبية مختلفة عن بيئة السعودية. يذكر ان تغطية خدمات الصرف الصحي في السعودية تبلغ حاليا درجات متدنية وذلك وفقاً لخطة التنمية الثامنة عن قطاع المياه والتي سبق نشرها على مدى ثلاثة أسابيع في صفحة المياه حيث تبلع نسبة التغطية بالمعدل المتوسط 30% فقط مما يعني وجود عجز يبلغ 70 % بخدمات الصرف الصحي في السعودية بينما تشير بعض التقديرات الحديثة الى ان الرياض تمت تغطيتها بنسبة 50% فقط وجدة بنسبة 20% فقط. وسبق لـ «الشرق الأوسط» وعبر صفحة المياه ان طرحت في الثامن عشر من مارس الماضي مقترحا بتأسيس هيئة جديدة لتنظيم خدمات المياه والصرف الصحي في السعودية أسوة بهيئة تنظيم خدمات الكهرباء والإنتاج المزدوج.