المهندس عبد الدايم الكحيل: البحر يحوي طاقة هائلة وغير ناضبة ومجانية ونظيفة

يدعو لاستغلال طاقة أمواج البحر كأسلوب واعد لتخفيض تكلفة تحلية المياه المالحة وإنتاج الطاقة الكهربائية

TT

ألهبت امواج البحر أفئدة الشعراء ليسطروا من خلالها العديد من القصائد في كافة اغراض الشعر. كذلك الحال مع الرسامين الذين رسموا لوحات جميلة انطلاقا من أمواج البحر. كذلك الحال بالنسبة للبحارة من أهل الخليج العربي الذين لديهم العديد من الترانيم المعتمدة على موج البحر التي ينشدونها اثناء رحلاتهم لتدفعهم للعمل بجد في طلب الرزق، كذلك لمواجهة أهوال البحر كما يعتقدون. وأمواج البحر كما لها قصص رائعة مع التراث القديم كان ولا زال لها مع التقنية الحديثة قصص تتسم بالجمالية، حيث جذبت مصممي الكومبيوتر وفنيي المونتاج، ليبدعوا مستغلين جمال أمواج البحر كخلفيات لشاشات الكومبيوتر وتصاميم زاهية جميلة مقرونة، وكذلك صور متحركة مقرونة بصوت الموج. وكما للأمواج صور جميلة فإنه لها على الجانب الآخر صور حزينة وغاضبة فمنا ينسى بالماضي القريب كيف كانت أمواج تسونامي العاتية التي التهمت الأخضر واليابس وخلفت العديد من الضحايا، كذلك أمواج إعصار كاترينا وغيرها من الأعاصير الموسمية. وبين وجهي السعادة والحزن لأمواج البحر، يبقى هناك وجه آخر مهمل لم يأخذ نصيبه من البحث والتفكير إلا من نفر قليل من الباحثين وهو كيفية استغلال طاقة أمواج البحر الكبيرة. وبما ان الحاجة أم الاختراع أو تولده، فإن ذلك أثار انتباههم وبالأخص الطاقة المتولدة عن الأمواج من خلال البحث عن أساليب لاستغلاله، خاصة كوسيلة لمواجهة شح المياه التي تعاني منه اليابسة والحاجة المتزايدة للبحث عن طرق جديدة وأساليب واعدة لتوفير مصادر مائية جديدة في ظل التكلفة الباهظة لتحلية المياه المالحة، وبينما هناك من يرى من المختصين ان استغلال طاقة أمواج البحر تدخل في نطاق قصص الخيال العلمي، فإن هناك فريقا آخر قد تعمق في دراسة استغلال أمواج البحر يراهن على أن استغلال طاقة تلك الأمواج كفيل بتوفير المياه بتكلفة بسيطة، ويذهبون ابعد من ذلك بأنها ستكون منافسا في المستقبل وبقوة للطرق الحالية المكلفة في تحلية المياه المالحة. «الشرق الأوسط» ومن خلال صفحة «المياه» نقلت العديد من التساؤلات لأحد الباحثين المهتمين بالبحث عن طرق جديدة لتحلية المياه المالحة بتكلفة بسيطة، وهو المهندس عبدالدايم الكحيل الذي أجاب عن تلك التساؤلات عبر اتصال هاتفي معه من مقر اقامته بمدينة حمص بسورية وفي مايلي نص الحوار: > هل لك بشكل مبسط أن تطلعنا على أهم الطرق التقليدية المستخدمة حاليا في تحلية المياه المالحة؟ ولماذا تحلية المياه المالحة مكلفة؟

ـ يوجد اليوم في العالم أكثر من 14 ألف محطة لتحلية مياه البحر. وهذه المحطات تعتمد طريقتين هما الأكثر شيوعاً اليوم. وتعتمد الطريقة الأولى على الضغط، حيث تتم هذه العملية من خلال إدخال ماء البحر في وحدات خاصة وضغطه بضغوط عالية وجعل هذا الماء المضغوط يمر عبر غشاء نفوذ للماء فقط، أي أنه يسمح بمرور جزيئات الماء العذب الصغيرة نسبياً، ولا يسمح بمرور جزيئات الملح التي هي أكبر بكثير من جزيئات الماء. ويسمي العلماء هذه الطريقة بالتناضح العكسي Reverse Osmosis. وهنالك طريقة ثانية معتمدة أيضاً وهي طريقة التبخر الحراري، حيث يتم تسخين المياه المالحة وتبخيرها ومن ثم جمع وتكثيف البخار الناتج وتخزينه ومن ثم نقله للمستهلك. ويتم استغلال حرارة البخار الناتج لتشغيل توربينات حرارية بهدف توليد الطاقة الكهربائية. واليوم تعتبر هاتان الطريقتان أساسيتين في تحلية مياه البحر، حيث ان معظم الدول التي تحلّي ماء البحر تعتمد هذه الطريقة. وعلى الرغم من ذلك فإن التكاليف بهاتين الطريقتين مرتفعة نسبياً، بسبب الاستهلاك الكبير في الطاقة الكهربائية لتأمين الضغوط والحرارة اللازمة لإتمام هذه العملية. ولذلك فلا بدّ من البحث عن أساليب وطرق جديدة لتخفيف هذه التكلفة.

> لك اهتمام بالبحث عن طرق جديدة لتحلية المياه بتكلفة بسيطة مقارنة مع التكاليف المرتفعة للطرق المستخدمة الحالية في تحلية المياه، هل لك أن تخبرنا عن جهدك في هذا المجال؟ وما هي الطريقة الجديدة في تحلية المياه المالحة واستخراج طاقة كهربائية بتكلفة قليلة؟

ـ إن الذي يطالع ما يقوم به علماء الغرب في هذا المجال من أبحاث وتجارب في تكنولوجيا تحلية المياه، يلاحظ وجود طرق واقتراحات كثيرة، منها ما هو مستخدم عملياً اليوم ومنها ما هو قيد الدراسة. ولكنني أعتقد بأن هنالك مصدراً مهماً جداً وهو مصدر واعد للطاقة الكهربائية المستخدمة في تحلية ماء البحر. هذه الطريقة تعتمد على استغلال الطاقة الهائلة التي تحملها أمواج البحر! إن تكلفة تحلية المياه المالحة تتعلق بالتكنولوجيا المستخدمة والصيانة وتكاليف الإنشاء والتشغيل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تتعلق التكلفة بمدى استهلاك الطاقة الكهربائية اللازمة لتغذية وحدات التحلية. وعندما نقوم باستغلال الطاقة الكبيرة المتوافرة في أمواج البحر ونقوم بتغذية وحدات التحلية منها، فإننا نكون بذلك قد خفضنا تكاليف استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة تصل إلى 20 بالمائة، وهذه النسبة سوف تزداد مع التمكن من الاستغلال الأمثل لطاقة الأمواج. أما عن جهدي في هذا المجال فقد قمت ببعض الأبحاث العلمية حول الاستغلال الأمثل للطاقة المجانية في مياه البحر، وسيتم نشرها على موقعي على الإنترنت www.kaheel7.com وهو موقع يمزج بين العلم والإيمان.

> هناك فريق كبير من المختصين يرى أنه ليس هناك طرق جديدة تستطيع أن تنافس الطرق الحالية في تحلية المياه المالحة، وأن ما يعرض من طرق جديدة ما هو إلا خيال علمي لا جدوى منه. ما هي وجهة نظرك بهذا الرأي؟ والى ماذا ترجع إصرارهم على ذلك؟

ـ إن كل بحث جديد لا بدّ أن يواجه بانتقادات حتى يتم تطويره والاستفادة منه بشكل عملي، ويمكنني أن أضرب لك مثالاً عندما بدأ العلماء بابتكار تقنية التناضح العكسي لتحلية ماء البحر قبل مائة سنة تقريباً، كانت التكلفة مرتفعة جداً وقتها، ولذلك واجهت انتقادات ومعارضات، ولكننا اليوم نرى بأن معظم الدول يعتمد هذه التقنية في تحلية المياه المالحة بعدما أصبحت تكلفتها معقولة. ولذلك فإننا سنشهد قريباً وفي العقود القادمة طلباً متزايداً على المياه وبخاصة في الدول التي تعاني من شح في المياه، ولديها شواطئ ممتدة مثل السعودية. لا سيما أن هنالك مؤشرات كثيرة تدل على ارتفاع أسعار النفط مستقبلاً وزيادة الطلب عليه أيضاً، وعندها سيبدأ البحث عن مصادر جديدة تكون أكثر أمناً وسلامة واستمرارية. وينبغي علينا أن نقوم بالبحث عن أساليب جديدة وتطويرها لتصبح قابلة للتطبيق العملي، وألا ننتظر الغرب حتى يقوم بالتجارب عنا، ونجلس وننتظر نتائج أبحاثه! لا بد أن يكون هنالك اهتمام عربي بموضوع تحلية المياه، وبخاصة أن البحر مصدر لا ينضب من الماء.

> حسب ما بينت فإن الطريقة الجديدة تعتمد على استغلال أمواج البحر وذلك لتحلية المياه المالحة. ما هي آخر الأبحاث في هذا المجال؟

ـ عندما ننظر إلى الكرة الأرضية من الخارج نلاحظ أن هنالك تغيرات في الضغط والكثافة من نقطة لأخرى على سطح الأرض. وهذا ينتج بسبب اختلاف درجات الحرارة، وهذه الاختلافات تؤدي إلى تولد الرياح. وهذا يؤدي إلى حركة الماء على سطح البحار وتشكل الموجات، والتي تتحرك باتجاه الشاطئ، وميزة هذه الأمواج انها تحمل كميات من الطاقة الحركية وتحتفظ بها طيلة رحلتها من وسط البحر وحتى الشاطئ. هنالك الكثير من الأبحاث العلمية الجديدة التي يحاول أصحابها الاستفادة من طاقة أمواج البحر، وطاقة المد والجزر في البحر، وكذلك الطاقة الحرارية في أعماق المحيطات، وغير ذلك كثير. ويؤكدون أن البحر يحوي طاقة هائلة ومجانية ونظيفة وغير ناضبة.وتشير الدراسات إلى أن موجة واحدة ارتفاعها 15 متراً وزمنها 15 ثانية، سوف تحمل طاقة تقدر بـ 1700 كيلو واط لكل متر مربع من جبهتها. وتأمل معي كم تحمل أمواج البحر من طاقة هائلة لا تنفد. ويتم الاستفادة اليوم في بريطانيا من التيارات تحت سطح البحر والناتجة عن أمواج المدّ. ويعتبر هذا المصدر للطاقة المتجددة من المصادر النظيفة والآمنة. وتستخدم التقنية مراوح تثبت تحت سطح البحر وتدور بسبب تيارات المد، وبالتالي تتحول فيها الطاقة الميكانيكية التي تولدها الأمواج إلى طاقة كهربائية يمكن الاستفادة منها في تغذية وحدات التحلية الموجودة على شاطئ البحر. ويعتقد العلماء بأن هذا المصدر أفضل من طاقة الرياح، بسبب انتظام الأمواج وإمكانية دراستها بشكل جيد وتوقع حجمها وطاقتها، مما يتيح تصميماً أفضل للتوربينات المولدة للطاقة الكهربائية. وعلى سبيل المثال فقد بلغ استهلاك الطاقة الكهربائية بالوسائل المختلفة في بريطانيا عام 2001: الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة نسبة 2 بالمائة. أما الطاقة الكهربائية من الفحم فقد بلغت نسبة 33% والطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي 37% والطاقة الكهربائية النووية 22%.

> ما هي توقعاتك المستقبلية في مجال الاستفادة من أمواج البحر كوسيلة لتحلية المياه المالحة؟ وهل سيكون لذلك تأثير في حل مشاكل شح المياه في العالم؟

ـ إن أهم ما يميز هذا المصدر الجديد للطاقة من أمواج البحر هو أنه مصدر أمن وليس له أية مخاطر. وكذلك فإن طاقة أمواج البحر أكبر بكثير من طاقة الرياح. وأيضاً طاقة أمواج البحر ثابتة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام السنة تقريباً، بينما طاقة الشمس يستفاد منها أثناء النهار، وطاقة الرياح يستفاد منها في فترات متقطعة. هذه التقنية لا تزال بدائية ومكلفة جداً، ولذلك هي غير مستخدمة اليوم بشكل عملي. إلا أن الأبحاث مستمرة في هذا المجال ويمكن إحراز تقدم في السنوات المقبلة. ويمكنني أن أخبرك بأن التجارب في هذا المجال بسيطة جداً، ويمكننا القيام بها في بلداننا العربية وبخاصة دول الخليج، ويمكن أن نحصد نتائج مذهلة بشرط أن تلقى هذه الأبحاث الدعم والرعاية من قبل المهتمين.

> في ختام الحوار هل من كلمة أخيرة تود ان تقولها؟

ـ أود أن أختم هذا الحوار بالقول بأنه علينا نحن كباحثين عرب ومسلمين أن نكون سباقين إلى البحث العلمي واكتشاف أساليب جديدة ووضعها قيد التجربة والاستفادة منها مستقبلاً، فعلماء الغرب يؤكدون اليوم على أن الطاقة الموجودة في البحر لا نهائية ومجانية. ولو رجعنا إلى كتاب الله تعالى لوجدنا إشارة صريحة إلى هذا الأمر في قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” «النحل: 14». وكلمة «سخّر” تعني قدّم عملاً مجانياً بلا أجر، وكأن الله تعالى ينبهنا إلى وجود مصدر مجاني في البحار ينبغي علينا الاستفادة منه.يذكر أن «الشرق الأوسط» في الثالث من ديسمبر 2002، تناولت شرحا لتصميم بريطاني لتوربينات تنصب على طوافات بحرية تنتج البخار الجوي تهدف الى إنتاج أجهزة رخيصة لتوليد الأمطار من مياه البحر في المناطق الجافة. وقبله تناولت في 29 يونيو من العام نفسه توصل فريق مصري إلى توليد الكهرباء من أمواج البحر. والسؤال الذي يطرحه في نفسه في هذا المجال هل سيشهد المستقبل القريب تسارعا في وتيرة نتائج البحوث الخاصة باستغلال طاقة أمواج البحر لتثبت أنها وسيلة واعدة لتحلية المياه المالحة وتقصي الطرق الحالية المكلفة في تحلية مياه البحر من طريقها أم ستكون مجرد خيال علمي؟!