عقليات الطلبة في فصل الصيف.. غيبوبة مؤقتة

6 عقبات تفصل بين كلاسيكية «التلقين» وعصرنة التعليم الحديثة

TT

أجمع تربويون متخصصون على أن الأسلوب التلقيني الذي تنتهجه معظم المدارس العربية، والذي يلعب فيه المعلم الدور الرئيسي، يفضي إلى غيبوبة مؤقتة يتعرض لها معظم الطلاب أثناء فترة الإجازات الطويلة وإبان التحول من مرحلة لأخرى.

وحدد التربويون 6 عقبات تعتري البيئة التعليمية والتربوية أثناء تكريسها للأسلوب التلقيني، مبينين أن المعلم بتوجهاته الكلاسيكية في التعليم، يقف حجر عثرة نحو تغيير كثير من المفاهيم الفكرية لعصرنة مشاريع التعليم في العالم العربي.

ممدوح العقيدة، باحث تعليمي وتربوي، علق بأن السبب يكمن في الألفة والدفء اللذين يكونان بين المعلم والأساليب التقليدية طيلة السنوات الماضية، وما اكتسبه من قناعات تجذرت في عقليته، مما أدى ليس فقط إلى ممارستها بل الحرص عليها والدفاع عنها وإقناع الآخرين بأنها الأفضل.

وأضاف العقيدة، من ضمن الأسباب في عمليات التلقين التعليمية هي ظهور العقبات والصعوبات نتيجة التغيير والانتقال من الطرائق التقليدية إلى الأساليب الإبداعية، مما يؤدي إلى تراجع المعلم إلى الأساليب التي يتقنها، وقد سيطر بخبرته على كل صعوباتها ومشكلاتها وتعود على تلك المشكلات وألفها وما عادت تشكل أي خطر يهدد وجوده وشخصيته أمام طلابه.

واستطرد الباحث التربوي في تحليل الأسلوب التلقيني بأن مؤشر ظهور الصعوبات والعقبات من استخدام الأساليب الحديثة يوهم بأنها قليلة الفائدة للطلاب وتحتاج إلى جهود عظيمة لتجاوزها والسيطرة عليها، كما أن قوة شخصية المعلم الذي بذل جهدا كبيرا لبناء شخصيته وقد عرفها هو في نفسه وعرفها مديروه الذين توالوا على إدارة مدرسته تمنعه من التنازل عن هذا الدور الذي أصبح جزءا مهما من شخصيته لانتهاج دور آخر - في ظنه - أنه قد يذوِّب هذه الشخصية أو يؤثر عليها أو يضعفها أحيانا وبالتالي يثير ذلك الفهم الخاطئ ردود الفعل الرافضة للانتقال إلى استخدام أساليب جديدة أو حديثة.

وقال الباحث التربوي: «من الأسباب قناعة المعلم بأن الطالب بحاجة إلى كل معلومة يملكها المعلم، وأنه المصدر الرئيسي والوحيد في تعليم الطالب وتلقينه وعدم اعترافه بأن الطالب قد أصبح شريكا في بناء المواقف التعليمية ولا يمكن بناء أي موقف تعليمي ناجح تتحقق فيه أهداف تعليمية إلا إذا شارك الطالب فيه وأسهم بفكره ورأيه وأسئلته واستفساراته وخبرته ليصبح التعلم الجديد جزءا من المنظومة العلمية والفكرية لكل طالب شارك وأسهم في ذلك التعليم».

وذهب الباحث التربوي بالقول: «وللأسف فإن هذا الدور الجديد للطالب لا يعترف به في المدرسة وفي داخل الحجرة الصفية لكنه قد يعترف به خارجها إذ يتعامل المعلم بصفته أبا مع أبنائه بطريقة ديمقراطية يسألهم عن آرائهم ويسمح لهم بمخالفته ويتقبل هذه المخالفة لا بل أحيانا يستجيب لهم على الرغم من أنها تخالف رأيه أو وجهة نظره. ولا يتعامل بهذه الطريقة مع طلابه في الغرفة الصفية».

وزاد في حديثه: «ما يخشاه بعض المعلمين هو الخوف من التغيير بسبب عدم وضوح الرؤية فيه، والإنسان عموما بطبيعته يهاب التغيير ولا يجرؤ على اتخاذ القرار فيه، ولا سيما إذا كان هذا الدور الجديد غير واضح المعالم، وربما يكتنفه بعض المخاطر التي قد تكلف المعلم جهودا كبيرة وخسائر غير متوقعة وليست في الحسبان، والتغيير لا يمكن أن يأتي إلا بقناعة داخلية ومبادرة ذاتية».

من جانبه، قالت الباحثة فاطمة العريشي، متخصصة في قسم التربويات بجامعة أم القرى، إن البرامج الإرشادية والتوجيهية هي مطلب ضروري ليس للطلبة المتفوقين والموهوبين فحسب، ولكن للمحيطين بهم من معلمين وأولياء أمور وزملاء.

وزادت العريشي بالقول: «يجب محاولة التوصل إلى كل ما يحيط بالطلبة من مشكلات تتعلق بالنمو بمختلف أشكاله أو مشاكل نفسية وانفعالية، أو اجتماعية تتعلق بعلاقتهم بمن يحيط بهم من زملاء وأهالي، أو مشكلات معرفية ترتبط بالمناهج والمقررات الدراسية التي تشكل إشكالية كبيرة للمتفوقين والموهوبين من حيث عدم مراعاتها لخصائصهم المعرفية واعتمادها وبشكل واضح على أسلوب التلقين والحفظ للمعلومات واستعادتها، أكثر من استخدام مختلف أنواع التفكير، كل هذه المواضيع تتطلب الإرشاد والتوجيه لجميع الأطراف المعنية. ومحاولة إيجاد برامج إرشادية وتوجيهية لتحقيق النمو المتوازن والمتكامل للطالب، في جميع الجوانب الأكاديمية، والنفسية، والاجتماعية والمهنية.

إلى ذلك، ذهب إبراهيم الثبيتي، معلم رياضيات بالطائف، إلى أن المشكلة تكمن في نظامنا التعليمي الذي يعتمد على التلقين كوسيلة وحيدة في عملية نقل المعرفة وتكوين المفاهيم والطرائق التقليدية التي تقوم على العقاب، مضيفا أن التلقين ليس مجرد وسيلة لتبليغ المعارف، بل إنه في حقيقة أمره الشكل الأكثر تنظيما من أشكال فرض السلطة، لا يترك للطفل مجالا للفهم والإدراك والتساؤل، فهو لا يسمح بتبادل العلاقات بين الطرفين، بل يجعل دور المعلم يقتصر على الإلقاء الذي يسمح لخطابه بالسيطرة والهيمنة على جو الفصل، ويعلي موقع المعلم ويمنع مشاركته في موقعه أو مناقشته.

واختتم الثبيتي بأن طرائق التعليم السائدة تلقينية إجمالا، تذهب في اتجاه واحد من المعلم الذي يعرف كل شيء، ويقوم بالدور النشيط إلى التلميذ الذي يجهل كل شيء، ويفرض عليه دور التلقي الفاتر دون أن يشارك أو يناقش أو يمارس أو يعمل فكره فيما يلقن له.