السعودية: بعد إجازة تعدت الـ100 يوم لطلبة الصفوف الدنيا.. «الصيف ضيعت اللبن»

الطالب والمنهج.. علاقة تنتهي عند باب المدرسة

مخاوف من انقطاع الطالب عن المنهج المدرسي لأكثر من 100 يوم في السعودية
TT

حذر خبراء في مجال التربية والتعليم من خطورة ترك الأطفال أكثر من 100 يوم من دون إعطائهم جرعات تعليمية، مؤكدين أن ذلك سبب مباشر في عملية التأخر الدراسي وتعطيل القدرات الذهنية والمعرفية لدى الطلبة، خاصة في المدارس التي تعتمد على الطريقة الكلاسيكية (التلقين).

وأفادت الدكتورة رقية المعايطة، الخبيرة التربوية بمركز خبراء التربية والتعليم، بأن الشهور الطويلة للإجازة الصيفية تعمل بشكل يربك العملية التربوية، ويتسبب في إضعاف المستوى التعليمي والتحصيلي للطلاب والطالبات على حد سواء، وتعمد إلى أن تفوق سلبياتها إيجابياتها بشكل كبير.

وعقدت الدكتورة المعايطة مقارنة لوضع الإجازات الصيفية في بلدان كأميركا واليابان وأوروبا؛ حيث تتراوح مدة العطلة الصيفية في هذه الدول بين شهر وشهرين فقط، وهو ما اعتبرته منطقيا حتى لا يفقد الطلبة ما حصلوه طوال العام الدراسي الذي سبق.

وقالت الباحثة الأكاديمية: «يقضي طلاب الصفوف، على سبيل المثال في السعودية، ما يربو على الـ100 يوم إلى حين انتهائهم من الإجازة بعد عيد الفطر المبارك، وهي فترة طويلة جدا على طلبة يتدرجون ما بين 6 و12 ربيعا، وبالتالي يؤثر ذلك بشكل سلبي على عقليات مهيأة، في الأساس، نحو مبادرات تعليمية جادة».

وأضافت أن الكثير من الدول المتقدمة لا تكتفي بفصلين دراسيين خلال العام، كما هو حال النظام التعليمي في معظم البلدان العربية؛ حيث لا يقل عدد الفصول الدراسية عن ثلاثة وبعض الدول تطبق نظام 4 فصول دراسية خلال العام، والإجازة الصيفية تكون شهرا واحدا فقط، وهو ما يجعل الطالب أكثر ارتباطا بالمناهج التي يدرسها.

ولم تنس الدكتورة المعايطة أهمية أن تعطي المدرسة طلبة كل مرحلة دراسية مشروعا يعملون عليه خلال فترة عطلتهم حتى لا يصابوا بالخمول والكسل.

من جانبه، أوضح الدكتور محمد الفعر، رئيس قسم العلوم التربوية في جامعة الطائف، أن الإجازة الصفية تكمن خطورتها في طولها، وتنضوي تحت تلك الإطالة عدة إشكالات تربوي عميقة تؤدي إلى فجوات في عمل التحصيل الدراسي، خاصة إذا كان النظام التعليمي في أي بلد قائم على الحفظ وتلقين المعلومات، بدلا من الفهم والتحليل والبحث عن المعلومة، مما يؤدي، في النهاية، إلى النسيان، حتى إن زاد عدد شهور الدراسة؛ لأن المشكلة تكمن في النظام التعليمي بالأساس.

وعزا الدكتور الفعر السبب الرئيسي في المشكلة إلى اعتقاد بعض أولياء الأمور، في السعودية ومعظم الدول العربية، نحو الإيمان المطلق بأن المدرسة ينبغي عليها عمل كل شيء وأن الطالب لا يتلقى علومه ومعارفه إلا من المعلم، وفي هذا خطأ كبير واعتقاد غير صائب مطلقا، موضحا أن مشكلة فقدان ما تعلمه الطلبة ترجع بشكل أساسي إلى تصرفات الأهالي الذين يلقون بكامل العبء على المدرس، دون بذل مجهود في المراجعة المستمرة مع أبنائهم حتى يظلوا باستمرار على اتصال مع المنهج التعليمي والأهالي.

سعيد الزهراني، مدير مدرسة طيبة الثانوية في مكة المكرمة، قال: إن مسألة نسيان المنهج أو تذكره تعود بشكل أو بآخر إلى مدى التزام الطالب بالمنهج الدراسي خلال العام؛ حيث يتفاوت الأمر من طالب إلى آخر؛ لذلك لا يمكن التعميم بأن جميع الطلبة يفقدون ما حصلوه خلال عامهم الدراسي.

في الصدد ذاته، اقترح الزهراني تغيير المفهوم الفعلي للعطلات، موضحا أنه الاحتياج إلى الراحة بعيدا عن العمل أو الدراسة لاستعادة النشاط مرة أخرى، وينبغي أن تتناسب فترات الراحة مع حجم الجهد المبذول، فإذا زادت فترة الإجازات، التي عادة لا يتم فيها تشغيل الفكر بالشكل المعتاد طوال العام، فإن ذلك يؤدي إلى الخمول وقلة الكفاءة؛ لذلك فاستمرار الإجازة الصيفية أكثر من 3 أشهر متواصلة بالنسبة لطلبة المدرسة له أبعاد خطيرة وغير صحية على شخصية الطفل.

وذهبت أميمة الظاهر، الباحثة النفسية في مجال الطفولة، إلى أهمية التركيز على مسألة الاهتمام بالتحصيل الدراسي في المدارس باعتبارها قضية جوهرية تعد لها البرامج وتجرى حولها الدراسات بل وتعقد من أجلها الندوات والمؤتمرات، لأن رفع مستوى التحصيل الدراسي سيؤدي حتما إلى رفع مستوى مخرجات التعليم، الذي سينعكس على إنتاجية المجتمع وتقدمه وقوة دعائمه المتمثلة في أفراده.

واعتبرت الظاهر مسألة التحصيل الدراسي من الجوانب المهمة في النشاط العقلي الذي يقوم به الطالب والذي يظهر فيه أثر التفوق الدراسي، ويرتبط مفهوم التحصيل بمفهوم التعلم ارتباطا وثيقا، إلا أن مفهوم التعلم أكثر شمولا واتساعا، فهو يشير إلى جميع التغيرات في الأداء تحت ظروف الممارسة والتدريب في المدرسة، فهو يتمثل في اكتساب المهارات والمعلومات وطرق التفكير وتغير الاتجاهات والقيم، وأهم أساليب التكيف لدى الفرد ونظرته نحو ذاته، وهذا يقودنا إلى أن التحصيل الدراسي قد يؤثر على تكيف الفرد ونظرته نحو ذاته سواء بطريقة سلبية أو إيجابية.

واعتبرت أمينة علي، معلمة في المرحلة الثانوية، أن الإجازة الصيفية لها أهمية قصوى، على عكس المتعارف عليه بين الناس من أنها فترة هدوء وراحة واسترخاء، بل هي فترة لتجديد النشاط وإعادة ترتيب الأفكار والمعلومات، وإذا كان معظم الأطفال ينالون منهجا واحدا خلال العام الدراسي فإن الفارق بينهم هو كيف يقضي الطفل أو الشاب فترة إجازته، فإذا كان البعض يقضيها في لا عمل ولا نشاط، فتكون فترة للهدم، يقضيها البعض الآخر في اكتساب الكثير من المهارات والمعلومات والأنشطة فتكون فترة بناء.

وأفادت بالقول: «إذا لم يستثمر الطفل إجازته فأسهل ما يلجأ إليه الأطفال هو التلفاز أو الألعاب الإلكترونية، وقد أثبتت الدراسات أن الجلوس أمام التلفاز أو الإقبال على الألعاب الإلكترونية يعرض الطفل للمخاطر، ولبعض الإصابات بالرقبة والأطراف وآلام الظهر عند الجلوس بطريقة غير صحيحة، خصوصا عند البالغين».

واختتمت أمينة حديثها بأن الكثير من الآباء والأمهات مسؤولون عن حالة التأخر الدراسي التي يعانيها أبناؤهم، غير مدركين للأسباب الحقيقية وراء هذا التأخر وسبل علاجها، وقد يلجأ البعض منهم إلى الأساليب غير التربوية والعقيمة، كترك أبنائهم طيلة الإجازات الطويلة التي عادة ما تكون في الصيف من دون حث للعقل، ولا يمكن أن تؤدي إلى تحسين أوضاع أبنائهم، بل على العكس يمكن أن تعطينا نتائج عكسية لما نتوخاه. وزادت: «إن معالجة مشكلة الفراغ وطول الوقت في الإجازات لدى أبنائنا تتطلب منا الاستعانة بالأساليب التربوية الحديثة، والقائمة على العلم، فهي المنار الذي يمكن أن نهتدي به للوصول إلى ما نصبو له لأبنائنا ولأجيالنا الناهضة من تقدم ورقي، وهذا بدوره يتطلب منا وقفة ومناصحة متلازمتين».