خروج الطلاب بعد نهاية اليوم الدراسي.. دروس «إخلاء» للدفاع المدني

يومياتهم بين «الديسلسكيا» وانعدام الدافعية نحو التعلم

المدارس تفتقر إلى العناصر الجاذبة في كثير من المناشط
TT

تدافع قوي لأرتال بشرية بصفة عشوائية.. هذا المشهد الذي اعتادته العيون ليس لرمي الجمرات كما في السابق، بل هو أثناء خروج الطلبة من المدارس في السعودية، وهو ما يفسر انعدام القابلية لدى الطلاب بسبب غياب العناصر الجاذبة لدى المدرسة.

ومن يسمع قرع الأجراس في حين انتهاء اليوم الدراسي، يدرك مقدار النفور الذي يراه ويتأمله في كيفية الخروج من يوم دراسي امتلأ تماما بالتنظير بعيدا عن التطبيق، وهو ما يجعل الطالب في انقطاع عن محيطه الحركي، فليجأ إلى الخروج عن الإطار المدرسي عقلا وجسدا.

ويعرف فهد اليوسفي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز، قلة الدافعية بأنها هي السلوك الذي يظهر فيه الطلاب شعورهم بالملل والانسحاب وعدم الكفاءة والشرود وعدم المشاركة في المناشط المدرسية والأنشطة التعليمية الصفية.

ويبرر ذلك بالممارسات الصفية التي تسهم في تدني الدافعية بسبب التباين الشديد بين الطلاب في مستوياتهم، مما يجعل بعض الطلاب يسيئون إلى عاجزي التعلم والتباين في أعمار الطلاب وأجسامهم، مما يتيح للبعض استغلال قوتهم في السيطرة، وخلق جو منفر للتعلم والحياة، بالإضافة إلى كثافة الصف التي تسهم في اختفاء كثير من الصعوبات القائمة عند الطلاب، مما يؤدي إلى إهمالها وعدم معالجتها، ناهيك عن عجز المناهج عن تلبية حاجات الطلاب وحل مشكلاتهم.

وقال أستاذ علم الاجتماع، إن من مسببات النفور المدرسي أيضا السلبيات المرتبطة بالتعلم الصفي كالعقاب والفشل، وشعور الطلاب بالملل والضجر من روتين اليوم الدراسي، وغياب النماذج الحية الناجحة والصالحة للتقليد، وسيادة الدافعية الخارجية لدى الطلاب وإنجازهم مهام ترضي المعلمين والآباء.

إلى ذلك، اعتبرت فاطمة الجهني، مديرة مدرسة في مكة المكرمة، أنه ينبغي على المعلم والمعلمة زيادة الظروف الصفية المدرسية المثيرة للتعلم، وزيادة تفاعل المعلم والمتعلم، وزيادة فاعلية المادة الدراسية والخبرات والأنشطة المختلفة، وتقديم التعزيز المتكرر المناسب للطلبة وفق حاجاتهم، وزيادة وعي الطالب بالهدف من التعلم، وزيادة مبادرة الطلاب وسعيهم إلى تحقيق الإنجاز، وزيادة الفرص التعليمية المؤدية للنجاح.

وعن دور المرشد أو المرشدة، قالت الجهني، إن دوره يكمن في تهيئة المواقف التي تزيد من رغبات الطلاب للإسهام في العملية التعليمية، وأهمية النجاح واستثارة دوافع النجاح لدى الطلاب، وإيجاد المعززات الفورية لحظة ظهور السلوك البديل، وزيادة دور الطلاب في المواقف التعليمية، وتهيئة المواقف التي تتضمن شعور الطلاب بأهمية ما يقدم لهم من خبرات في حياتهم العملية.

من ناحيتها قالت الدكتورة مهلة الطيب، أكاديمية وباحثة، إن هناك علاقة سلبية بين القلق والتحصيل الدراسي، حيث تظهر فروق ذات دلالة إحصائية تؤثر سلبا على التحصيل الدراسي لدى الطلاب تعتمد على عناصر الدافعية.

وقالت الطيب إن تربية الدافعية لدى المتعلم لم تشارك في رفع درجة تحصيله الدراسي، وهذا يدل على غياب دور أولياء الأمور والمدرسة في تزويد الطالب أثناء تربيته بدوافع إيجابية تسهم في رفع معدلات تحصيله الدراسي، لعدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية لدى الطلاب ذوي الدافعية المتدنية للتحصيل الدراسي، وهذا يدل على غياب دور أولياء الأمور في تزويد الطلاب أثناء تربيتهم بدوافع إيجابية تسهم في رفع معدلات تحصيلهم الدراسي.

وأضافت الطيب أن هناك تأثيرا واضحا لتنويع الوسائل التعليمية والتربوية في رفع معدلات التحصيل الدراسي، إذا ما أحسن اختيار وتطبيق أنواع من الوسائل المناسبة التي تراعي مستوى وميول الطلاب ذوي الطرق المتنوعة في الوسائل التعليمية والتربوية.

أما بخصوص لماذا يكره الطلاب المدرسة، قال الدكتور إبراهيم الدربعي، مستشار نفسي تربوي، إن ذلك بسبب كون المدرسة لا يوجد فيها ملاعب رياضية أو أماكن للترفيه أو أنشطه تنمي المهارات وتشبع رغبات الطلاب، فهم يدرسون في مبنى مستأجر أنشئ أساسا ليكون سكنا عائليا لا مدرسة تربوية، وبالتالي تفتقر إلى الأماكن الواسعة والتصميم التربوي المناسب والحدائق الفسيحة.. إلخ.

وأضاف: «يكره الطلاب المدرسة المكتظة بأعداد هائلة من الطلاب، لأن الطالب يضيع بينهم ولا يلقى الرعاية والاهتمام الكافي من مدرسيه، بل إن مدرسة كهذه تكثر فيها المشاكل السلوكية التي تشغل المدرسين والإدارة عن واجباتهم الرئيسية، لا سيما إذا لم يكن هناك تعاون بين البيت والمدرسة، أو كانت المدرسة في حي شعبي تغلب على سكانه الأمية والفقر».

ويستطرد الدربعي بأن الطالب أحيانا يكره المدرسة بسبب زملائه الذين يضايقونه ويسببون له المشاكل، إما لضعف شخصية الطالب، أو عدم ثقته بنفسه، أو وجود إعاقة لدى الطالب تجعل زملاءه يستهزئون به ويسخرون منه.

وأشار الدربعي إلى أن من ضمن الأسباب التي تجعل الطالب يكره المدرسة ضغط الأسرة عليه، والمغالاة في متابعتهم له، وإجباره على الاستذكار وأداء الواجبات، وتحميله فوق طاقته، وعدم منحه ساعات مخصصة للعب، وبذلك يتمنى عدم الحضور إليها، ناهيك عن صعوبة الاختبارات وتحدي بعض المدرسين للطلاب، حيث إن ذلك يجعل الطلاب يكرهون المعلم وبالتالي يكرهون المدرسة، وقد يؤذي بعض الطلاب المعلمين خارج المدرسة إما بتكسير سياراتهم أو إلحاق الأذى بالمعلم نفسه.

وأفاد المستشار النفسي بأن الطالب يكره المدرسة لأنه لا يجد تعاملا جيدا من قبل مدرسيه، فكيف يرتاح الطالب لمدرسة يسودها الضرب والشتم والاستهتار بالطلاب واحتقارهم؟ ومن الأمور التي تجعل الطالب يكره المدرسة أن ينشأ بينه وبين بعض زملائه خلافات ومشادات تجعله ينفر منهم، وبالتالي يكره الذهاب إلى المدرسة إما خوفا منهم أو تحاشيا للمصادمة معهم.

وقال الدربعي في حديثه: «بعض الطلاب يكرهون المدرسة لأنهم يكرهون المادة العلمية لصعوبتها، فلا يجدون أحدا يعينهم على التغلب على هذه الصعوبة إلا المعلم الذي يطلب منهم الأداء الجيد، ولا يوجد في المدرسة توجيه وإرشاد صحيح يساعدهم على مواجهة الصعوبات الدراسية مثل من يعانون من (الديسلسكيا) (عسر القراءة)، فبعض المعلمين يضربون الطالب الذي لا يجيد القراءة اعتقادا منهم أنه كسلان وأن بمقدوره أن يكون مجتهدا، ولا يدرون أنه يعاني من مشكلة دراسية تحتاج إلى حل ومساعدة».

واختتم الدربعي بأن الطلاب المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه يجدون بعض المعلمين الذين لا يدركون أن هؤلاء التلاميذ لديهم إعاقة تحتاج إلى علاج، فيقسون عليهم ويضربونهم، وبعدها يكره التلاميذ المدرسة لأنهم ليس بمقدورهم السيطرة على أنفسهم والامتناع عن الحركة والإصغاء للمعلم.