أميركا: تهدئة التوتر في المدارس للارتقاء بمستوى الطلاب المتعثرين

طرق ممنهجة لعلاج الطلاب ذوي الاضطرابات السلوكية

TT

أومأ العديد من الطلاب، الذين كانوا يجلسون إلى طاولات في المكاتب الإدارية الضيقة في المدرسة، برؤوسهم تعبيرا عن الموافقة. لقد شاهدوا طالبا، والده نزيل مستشفى ويعاني من مرض عضال، يغرق في حالة من الاكتئاب الشديد. وتبين لهم أن طفلا آخر ينتقل من شقة إلى أخرى، ولا يحضر إلى المدرسة إلا بصورة متقطعة. وحينها، كان هناك باحث يركز على المواضيع المتعلقة بالهوية الجنسية. وسرعان ما امتلأت القائمة بأسماء عشرات الطلاب الذين يمكنهم القضاء على حالة الهدوء والانضباط أو تحطيم لوح زجاجي في نافذة أحد الفصول في ثانية واحدة.

وكانت المنظمة الداعية للاجتماع هي «تيرن أروند فور تشيلدرن»، وهي منظمة غير هادفة للربح أتت بها المدرسة التي تضم طلابا يعانون من اضطرابات سلوكية والكائنة في حي فقير بالقرب من برونكس زون هذا العام لمحاولة إحداث تغيير لمسار الأمور داخلها.

«هذه هي المشكلة التي أنشئت مؤسستنا خصيصا لأجل حلها»، هذا ما قالته الدكتورة باميلا كانتور، مؤسسة منظمة «تيرن أروند» ومديرتها. وأضافت: «المعلم الذي يعمل في مجتمع مثل هذا ويعتقد أن هؤلاء الأطفال يمكنهم إلقاء مشكلاتهم وراء ظهورهم بمجرد اجتيازهم بوابة المدرسة والدخول لحضور الدروس في الفصول الدراسية والوصول إلى مستوى أداء جيد وأهم».

وأكدت الحركة أن المدارس يجب أن تركز على ما يمكن أن يحققه المعلمون أصحاب المستوى العالي من الكفاءة والتدريب داخل الفصول الدراسية، بدلا من التركيز على التحديات الاجتماعية التي تخرج عن نطاق المدرسة.

وقد بدأت المنظمة، التي أنشئت في عام 1994 مثل اتحاد الصحة النفسية للأطفال، تعمل في مدارس مدينة نيويورك منذ عام 2002. وتعمل المنظمة في 20 مدرسة في المدينة، و3 مدارس في واشنطن بتكلفة تقدر بـ250.000 دولار لكل مدرسة، معظمها يدفع من قبل المدارس. (وتتحمل المدارس أيضا تكلفة الاستعانة بموظفي الخدمة الاجتماعية).

وفي عام 2009، كشفت دراسة مستقلة أجرتها المعاهد الأميركية للبحوث عن أنه بعد 3 سنوات من العمل مع مؤسسة «تيرن أروند»، أصبحت 5 مدارس متوسطة في برونكس، دون ما عداها، أماكن مبهجة. وسجلت كل مدرسة انخفاضا في عدد حالات فصل الطلاب والغياب بين المعلمين، وقللت 4 مدارس من بين الـ5 اتصالاتها بخدمة 911.

ويبدو التأثير على مجموع الدرجات في الاختبارات القياسية أقل وضوحا. ففي المدارس الـ5 التي دخلت في إطار الدراسة التي أجريت عام 2009، اجتازت نسبة تقدر في المتوسط بـ50 في المائة ممن خضعوا للاختبارات امتحانات اللغة الإنجليزية في عام 2009، بعد أن كانت النسبة 29 في المائة في عام 2006. لكن حينما جعلت الولاية المقاييس أكثر صرامة منذ عام مضى، انخفض مجموع الدرجات التي أحرزتها المدارس ضمن برنامج مؤسسة «تيرن أروند» إلى جانب بقية المدارس في المدينة. وتعتبر مدرسة «جونيور هاي سكول 118»، التي كانت تعمل مع مؤسسة «تيرن أروند» لمدة 6 سنوات، من بين أعلى المدارس التي شملها البرنامج من حيث مجموع الدرجات، لكن أقل من نصف طلابها هم من لبوا معيار الكفاءة في اللغة الإنجليزية الذي حددته الولاية في العام الماضي.

ويتمثل النموذج القياسي للمدرسة التي يضمها برنامج «تيرن أروند» في تلك التي لا يلبي 78 في المائة من طلابها معايير الكفاءة في اختبارات الولاية و66 في المائة من طلابها رسبوا في اختبارات الرياضيات. في المتوسط، تحصل نسبة تقدر بنحو 90 في المائة من الطلاب على الوجبات المجانية أو مخفضة الأسعار بهذه المدارس، و20 في المائة من دارسي اللغة الإنجليزية و20 في المائة يحتاجون لخدمات تعليمية خاصة. يذكر أن نسبة تقدر بنحو 94 في المائة منهم من السود أو من ذوي الأصول اللاتينية.

ويعتمد أسلوب مؤسسة «تيرن أروند» على افتراض أن التدريس يمكن أن يصبح عملية أكثر سهولة، إذا ما واجهت المدارس نسبة الـ5 في المائة من الطلاب الأسوأ سلوكا. وقالت الدكتورة كانتور إنه حينما لا تقوم المدارس بذلك، فإن نسبة الـ5 في المائة هذه يمكن أن تجر نسبة الـ10 إلى 15 في المائة التالية من الطلاب المتعثرين إلى حالة من التعثر الأكاديمي.

تبدأ المؤسسة عملها بعقد اجتماعات كالاجتماع الذي عقد في مدرسة أوسينهايمر، والمقرر عقده أسبوعيا، الذي يناقش خلاله المعلمون وعاملو الخدمة الاجتماعية والإداريون الحالات الفردية بشكل تفصيلي. وتتم إحالة بعض الطلاب إلى معالجين؛ وفي حالة طلاب آخرين، يجرب المعلمون استراتيجيات جديدة لكبح جماح سلوكياتهم السيئة.

ويلزم كل معلم بأي مدرسة تدخل في نطاق برنامج «تيرن أروند» بالخضوع لتدريب يتعلق بكيفية التعامل مع حالات اهتياج الطلاب والحد منها بوسائل أخرى خلاف الصياح بصوت عال أو طرد الطالب المشاغب من حجرة الدراسة. ومع زيادة المطالب الملقاة على عاتق المعلمين، وحدوث تحول في الطريقة التي تتعامل بها مدارسهم مع مسألة الانضباط، ليس من الغريب أن يترك بعض المعلمين إحدى المدارس أثناء العام الأول من البرنامج.

كما بدأت مؤسسة «تيرن أروند» أيضا في التركيز بدرجة أكبر على النواحي الأكاديمية. فأفراد طاقم عملها يتابعون الدروس ويقترحون بعض التغييرات في المناهج ويلتقون مع المعلمين والمسؤولين الإداريين.

وفي مدينة نيويورك، يتم اللجوء إلى منح فيدرالية لإدخال برنامج «تيرن أروند» بمزيد من المدارس، من بينها مدرستان ابتدائيتان في برونكس، هما «بابليك سكول 536» و«بابليك سكول 531». كما وضعت المدينة أيضا مدرسة «جون آدامز هاي» - مدرسة متعثرة في أوزون بارك بولاية كوينز، التي تمر بعملية فيدرالية تعرف باسم «إعادة البدء»، والتي تجعلها مستحقة ملايين الدولارات - تحت رعاية «تيرن أروند» و«نيو فيجينز فور بابليك سكولز»، مؤسسة غير هادفة للربح تقدم توجيهات وإرشادات للمدارس.

وفي اجتماع مداولة عقد في مدينة نيويورك الشهر الماضي، قال جيمس شيلتون، مساعد نائب الأمين العام لشؤون الابتكار والتطوير في وزارة التربية والتعليم، إن برامج مثل «تيرن أروند» عادة ما كانت مراقبة باعتبارها «ابتكارا فريدا من نوعه».

«البحث حول ما تقوم به هذه البرامج مهم ومتنام»، هكذا تحدث، وأضاف قائلا: «وتجاهلنا ذلك لا يعرضنا لمخاطر فحسب، وإنما ينم أيضا عن عدم ذكائنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»