المراقبون في المدارس.. «الأذن» تسرق قبل العين أحيانا

التكنولوجيا سلاح عالمي «استعمر» قاعات الامتحانات

طرق متواصلة لجعل قاعات الامتحانات خالية من استخدام التكنولوجيا في عمليات الغش
TT

كان للأذن في الموروثات العربية بالغ الأثر إذ طالما عرفت بأنها تعشق قبل العين أحيانا، وتوصف بأنها المسؤولة عن الجهاز السمعي الداخلي المسؤول عن المعالجة الأولية للصوت، حيث تعد «المستشعر» الأول لكثير من موجات التلقي لا سيما في عمليات «الغش» المحتملة في كثير من المدارس والجامعات العالمية.

واعتبرت أوساط تربوية أن «الأذن» في ظل التكنولوجيا متلاطمة الأمواج، هي الطريقة الأقصر نحو استراق السمع من مجاميع طلابية كونت لنفسها شبكة متكاملة في إجابات فورية لطلاب ما برحوا على اتصال مباشر مع شبكات متكاملة.

وأوعز كثير من المعلمين والمعلمات على حدٍ سواء تركيز مجهوداتهم في المراقبة على المجاميع الطلابية، للكشف على «الأذن» باعتبارها تقف كـ«خط» دفاع أولي، قبيل شروع الطلاب ودخولهم إلى الفصول الدراسية، حيث تشكل التكنولوجيا تهديدا حقيقيا لكثير من المدارس التي تحاول أن تكون سدا مانعا ضد حالات غش كبيرة.

وبحسب فواز الدهاس، أكاديمي متخصص في علم الاتصال والتكنولوجيا، فإن مجاميع طلابية عالمية نجحت في حالات كثيرة من الغش، واستطاعت باحترافية كسر الروتين الذي تعارفت أجيال في استخدامه في حالات غش مماثلة منها ما عرف كثيرا بـ«البراشيم» وما كان يعقبها من ملصقات في الأيدي والبنطلونات.

وقال الدهاس: «إن عمليات الغش أضحت خطرا حقيقيا بفض قدرتها على مواكبة تقنيات متقدمة يجهلها كثير من أنصار التربية والتعليم، حيث كشف مراقبون للامتحانات مؤخرا في جامعتين بدبي خمس حالات غش، حاول خلالها بعض الطلبة توظيف تكنولوجيا متقدمة متمثلة في جهاز كومبيوتر شخصي صغير بحجم ساعة اليد، ووضعوه في سوار جلدي، بحيث يبدو مثل الساعة ولا يلفت الانتباه خلال أداء الامتحان».

وضرب الدهاس مثلا بحادثة الغش الواسعة التي هزت العام المنصرم مدارس في طوكيو، حيث كانت بمثابة الصدمة التي هزت وزارة التعليم العالي الياباني في حينها مؤكدة حظرها حمل جميع أنواع الهواتف الجوالة والذكية لقاعات الامتحانات، وهو ما تقوم به كوريا التي تستعد لامتحانات القبول في جامعاتها وسط إجراءات مشددة خاصة بعد حادثة الغش الشهيرة في عام 2004 والتي كانت عن طريق الهواتف الجوالة، مبينا أن الإذاعة اليابانية «إن إتش كيه» أعلنت مرارا لقطات للطلاب الكوريين من خلال تمرير أجهزة الكشف عن المعادن قبل إجراء الامتحانات لهم.

وأشار إلى أن تطور التقنيات يستتبع تطورا متزايدا في عمليات الإرشاد والتوعية للمراقبين والملاحظين للجان الامتحانية، بحيث يتم اكتشاف مثل هذه الحالات، خاصة بعد يأس هؤلاء الطلبة من استخدام أساليب تقليدية في الغش سواء باستخدام أوراق مصغرة أو الحفر على بعض الأقلام أو الكتابة على اليد أو غيرها من أساليب استخدام البلوتوث والهواتف المتحركة للوصول إلى هذه الطريقة الجديدة المتمثلة في الكومبيوتر الساعة.

وقال الدهاس: «هناك دراسات كثيرة حول ظاهرة الغش في الامتحانات، لمعرفة العلاقة بين بعض العوامل الذاتية للطالب، وبين لجوئه إلى الغش، مقترحا استراتيجية مختلفة تعتمد على التفتيش عن الأسباب في داخل البناء الاجتماعي بصفة عامة، وإذا كانت ظاهرة الغش في الامتحانات مشكلة أخلاقية، فقد تسهم فيها بعض الظروف الاجتماعية المحيطة بالطلاب، فما هي يا تري تلك العوامل التي تتعلق بالطلاب أنفسهم، فتجعلهم يتجاوزون عن سلوك الغش، ومن ثم ينخرطون في ممارسته؟ وما علاقة كل هذا بدرجة اهتمام الطالب بالتحصيل العلمي، وحرصه على التزود بمعرفة علمية على درجة عالية من الجودة، وحرصه على التفوق العلمي بجدارة، ومقارنته لتحصيله بتحصيل الآخرين في مجتمعه أولا، وفي خارج مجتمعه ثانيا بعد أن أصبح العالم من حيث سهولة الاتصالات والوقوف على ما يجري في بقية أنحاء المعمورة كالقرية؟

حصة الندوي، باحثة تربوية ومتخصصة في الإرشاد النفسي تقول: «طبيعة هذا الخلل التربوي في المناهج تعرف انعكاسا سلبيا على العلاقات بين التلميذ والمدرس، حيث نجد أنها أصبحت مع هاجس التضخم، علاقة متأزمة زاد من حدتها، دخول الدروس الخصوصية (كشر لا بد منه)، في المنظومة التربوية، لدوافع يعرفها جميع الآباء، فأسقط بالتالي العملية التعليمية في نوع من الارتزاق التربوي، وتم بذلك استبدال القدرات العقلية بالقدرات المالية، مما أفضى إلى تدهور انعكاس هذا المعطى سلبا على مستوى تحصيل التلميذ، مما يضطره في غمرة الامتحانات إلى البحث عن أقرب السبل للنجاح».

وزادت في حديثها: «هذه الظاهرة الانحرافية تعد من أخطر المشكلات التربوية حاليا في مجتمعنا والتي تهدد نظامنا التعليمي. وهذا نداء إلى أبنائنا الطلبة أن لا ينجرفوا إلى ظاهرة الغش في الامتحانات عن طريق أصدقاء السوء لأنها ظاهرة غير أخلاقية تؤدي بفاعلها إلى المزالق في الحياة فتفقده مستقبله ويصبح جاهلا متسكعا مرفوضا من قبل المجتمع».

واختتمت: «يعتبر اللجوء إلى الغش في الامتحانات من بعض طلبة الجامعات من أسوأ المظاهر، وما مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحق بالطالب نفسه وبالمستوى التعليمي للكليات على أنواعها بشكل عام فعلى المستوى الفردي يلجأ الطالب إلى الغش عندما لا يكون متمكنا من معلوماته حول المواد التي يمتحن فيها من جراء الإهمال أو لاعتياده الغش، وبالنتيجة إنشاء جيل من أشباه المتعلمين».