ماليزيا.. ما لا يتعلمه الطلاب العرب في الجامعات

التعددية أكسبتها مزيجا من الانفتاح وصهرت أعراقها لخدمة التقدم

الطلاب العرب استطاعوا خلق حالة انسجام مع جميع الأعراق في ماليزيا
TT

في الوقت الذي احتفل فيه الصينيون بماليزيا في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) بالسنة الجديدة، وهي سنة التنين، شاركت الأعراق الأخرى من السكان المحليين والأجانب في الصخب الذي سبقه، وتخلله، والذي استمر نحو أسبوع، كما يقول الحماد، وهو شاب سوري يدرس في معهد لغة إنجليزية بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، مضيفا: «إن تعدد الأعراق والأديان من أرقى ما شاهدت في حياتي هنا، لدرجة تصل إلى أنك تعتبر نفسك تعيش في مبنى للأمم المتحدة إذا ما تنبهت إلى كمية الجنسيات التي تقطن هذه البلاد أو تزورها للسياحة أو الدراسة، والجميل أيضا أن الجميع يستمتع بحسب طقوسه».

وخارج أسوار الجامعات ومعاهد اللغة والمكتبات، تمتلئ حياة الشبان العرب والأجانب في ماليزيا بمكتسبات متعددة، بتفاصيلها الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو ما أكده شبان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» من بيوتهم ومقاهيهم المفضلة، ومن خلال صفحاتهم على الـ«فيس بوك».

من جانبه، يؤكد مشعل الطامي، مدير الشؤون الثقافية بالملحقية الثقافية السعودية في ماليزيا، أن أهداف برنامج الابتعاث للخارج لا تقتصر على التحصيل العلمي، بل في زيادة تفاعل الطلبة المبتعثين مع الثقافات الأخرى، مما ينتج بدوره توسيع مداركهم الثقافية ورفع مستوى مهاراتهم التحليلية، الذي يؤثر على شخصية الطالب.

ويقول الطامي: «إن التجربة ترفع نسبة الوعي لدى الطالب عبر تفاعله مع المجتمع واحترام الأنظمة والقوانين، إلى جانب احترام الآخر مهما كان لونه أو جنسه أو ديانته». ويضيف: «تؤثر المكتسبات التي يجنيها الطالب إيجابيا على المجتمع وقتما يعود إلى وطنه، بعيدا عن العنصرية والمناطقية، وقد يكون لمخرجات هذا البرنامج دور في ذلك».

وفي رده على سؤال «الشرق الأوسط» حول المكتسبات الثقافية والاجتماعية للطلاب بماليزيا، يشير الطامي إلى «هدوء المجتمع ونظامهم في التعامل، حيث يختلف ذلك عما هو موجود في العالم العربي حيث تنتشر العشوائية في كثير من التعاملات، فضلا عن احترام نظام السير وندرة الحوادث، إلى جانب الانسجام مع الأجواء الممطرة بشكل مستمر».

وبعيدا عن العاصمة، تحتضن مدينة «سايبرجايا» غير المزدحمة نهارا والهادئة ليلا، على خلاف العاصمة وبقية الضواحي الأخرى عددا واسعا من الطلاب العرب الذي يدرسون في جامعتي «مالتيميدا» و«ليمكوكوين». كونها مدينة أقرب ما تكون إلى المدن الاقتصادية من حيث تخطيطها وخدماتها.

وداخل فيللا على طراز صيني، تقع في مجمع سكني خلف إحدى الجامعات، أنهى الشاب أحمد البديوي، وهو سعودي يدرس نظم المعلومات بماليزيا، مسح طبق بمنديل ورقي لإزالة طبقة الزيت المتبقية من طعامه. ثم شرع في فتح الصنبور وأخذت المياه تجري مع قليل من الصابون لينهي جلي أطباقه الثلاثة خلال خمس دقائق.

وبوجه يشير إلى سعادته بهذه الطريقة السهلة نوعا ما، يؤكد البديوي (22 عاما) أن أصدقاءه الذين يشاركونه السكن شددوا عليه بالحرص على هذه الطريقة كي لا يضطر الجميع لدفع نفقة عامل السباكة في أي وقت، ويعلق بالقول: «تضايقت في البداية، لكنني أستمتع الآن بطريقة لا تسرق الوقت».

ولا تقتصر حياة البديوي مع الشبان الماليزيين من أصول صينية على ذلك فقط، فهو يتبع جملة أنظمة شبيهة بنظام غسيل الصحون، فهناك تداول رمي النفايات، وإعادة تعبئة الماء الساخن في حال استخدامه، إلى جانب تشذيب حديقة المنزل الصغيرة.

الطريف أن الطريقة التي يتواصل بها شركاء المنزل ذاته نادرا ما تكون تواصلا مباشرا أو مكالمات هاتفية، لا سيما فيما يتعلق بالأوامر والنواهي، إذ يستخدمون أوراقا وملصقات متوسطة الحجم تتوزع في أرجاء المنزل الكائن بالمدينة سايبرجايا (25 كلم جنوب غربي العاصمة كوالالمبور)، وباللغة الإنجليزية تقرأ عبارات مثل «الأحذية لا تتجاوز هذا الخط»، «فني جهاز غسيل الملابس يتخذ أجرا عاليا، نرجو الاهتمام عند الغسيل»، «التدخين مسموح فقط في الخارج».

ويشير البديوي إلى أنه يستمتع بوقت الفراغ بالحديث معهم ومشاركتهم بعض الوجبات، ويقول: «لقد تعلمت هنا ما لم أحلم بتعلمه، كطبخ الوجبات الخفيفة كالساندويتش، والوجبات الدسمة كالكبسة التي لا نفقدها كثيرا في ظل وجود المطاعم العربية الكثيرة».

ويؤكد البديوي أن «هذا من أفضل ما تعلمته خارج الجامعة في ماليزيا». ويضيف مازحا: «طبعا، بالإضافة إلى قيادة السيارة من الجهة اليمنى»، لافتا إلى أن حياة العرب في ماليزيا تزخر بمكاسب اجتماعية وثقافية واسعة.

وفي مركز التسوق الذي يتوسط السكن الجامعي الواقع خلف جامعة مالتيميديا، يدفع الطالب السعودي عبد العزيز الغامدي النقود إلى المحاسب بيده اليمنى ممسكا معصمها باليسرى مع انحناءة بسيطة تدل على الاحترام، «وهي طريقة تقليدية يتخذها الماليزيون عند المناولة»، بحسب الشاب الذي يدرس الهندسة الإلكترونية، مضيفا: «إنها طريقة تدفع الآخرين إلى احترامك».

ويقول الغامدي وهو يتناول كوبا من مشروب «التي تاري» الماليزي وهو خليط من الشاي الماليزي بالحليب «إن النظام هنا يساعد في تسهيل وتسريع الحصول على الخدمة المطلوبة من دون تكلف أو عناء.. صحيح، لقد واجهتنا بعض العقبات الثقافية في فهم الشعب، ولا تنس أن غالبية من نتعامل معهم في الشارع هم باعة وسائقو سيارات الأجرة ورجال الأمن الخاص بالمجمعات السكنية وعند أبواب ومداخل الجامعة».

وينتقل الغامدي إلى جانب ثقافي يتمثل فيما سماه بـ«ثقافة الاستماع». يقول: «من خلال معاشرتي للكثير من الأجانب في هذه البلد وجدت أن لديهم أمرا جميلا نفتقده وهو الاستماع والإنصات للمتحدث واستيعاب ما يقول، ومن ثم الرد عليه، وذلك بعكس طريقة حوارنا مع أصدقاءنا سابقا» (على حد قوله).

«شكرا»، «تفضل»، «آسف» «لو سمحت»، تصحبها ابتسامة. هل يمكن أن تذهب إلى مكان ما بماليزيا من دون أن تستمع إلى تلك الكلمات مصحوبة بابتسامة؟ يستحيل ذلك صدقني. يقول الغامدي مضيفا أن البيئة السياحية أيضا قد تكون عاملا مساعدا في هذه العادات التي وصفها بالجميلة.

ويلفت طالب الهندسة الإلكترونية أيضا إلى جملة مكتسبات، لخصها في انضمامه لنادي القراءة رغبة في تطوير الإنجليزية، والمشاركة الاجتماعية.

وفي مقهى محلي يشتهر بتقديم عصير جوز الهند والبطيخ، قال شبان عرب من جنسيات يمنية وليبية لـ«الشرق الأوسط» إن حياتهم هنا تزخر باحترام القانون، إلى جانب أن الجميع يلمس التقدم في كل مرة يخرج فيها إلى الشارع، أو إلى المراكز التجارية، أو حتى عندما يفتح التلفزيون، ويتصفح المواقع الإلكترونية الماليزية.

علي المحمودي (22 عاما)، يؤكد أن دراسته للاقتصاد تدفعه للتركيز دائما صوب المشاريع الناجحة هنا وهناك، ويشير بإصبعه إلى أحد الدكاكين في ناصية الشارع، يضيف: «انظر هناك.. هذا الدكان يبيع الملابس محلية الصنع بأسعار منخفضة، لكنه يبتكر طريقة جميلة في التواصل مع زبائنه بمنحهم بطاقات اشتراك، ويوظف شبانا وفتيات بدوام جزئي بمتابعة العملاء على صفحتهم في (فيس بوك)، يحدثونها ويتناقشون كثيرا عند عرض البضائع الجديدة».

ويستطرد الشاب الذي كان يتحدث بحماسة: «إن غالبية قطاع الأعمال يوجد على صفحات (فيس بوك)، ويبتكرون طرقا واسعة في التسويق والتواصل مع العميل، هذا ما نفتقده في العالم العربي، خاصة في التسويق».

ولم يكد ينهي الشاب جملته الأخيرة حتى شرع باسل المحمودي، شقيقه الذي يدرس الإعلام، في الإشارة إلى أن الإعلانات في ماليزيا أيضا تستفزه «بطرق جميلة وإبداعية، فضلا عن برامجهم السياحية التي وصف بأنها تكاد تكون ضربا من الجنون».

ويشرح قائلا: «انظر على سبيل المثال إلى شارع العرب وقتما تكون هناك احتفالات أو مناسبات، إن مناسباتهم تقام وسط الشوارع».

ويشير إلى أن كل ما يحتاجونه هو تحويل المرور والازدحام إلى الشوارع الفرعية: «ينصبون المسرح وأنت نائم، تستيقظ صباحا على وقع الموسيقى والبروفات تجهيزا لحفلة المساء، تستيقظ اليوم التالي بعد انعقاد الحفل وكأن شيئا لم يحصل، إذ أنهى العاملون تفكيك المسرح وعادت حركة المرور إلى طبيعتها».

إلى ذلك، يربط الشاب اليمني جمال الدوبحي، طالب هندسة البنى التحتية، ويدير تحرير مجلة «الاستثمارية» الماليزية، تدرجه في مجاله العملي واكتساب الخبرة والفنون والمهارات اللازمة في الصحافة بتقدم البلاد وسلاستها. ويقول الدوبحي (26 عاما) لـ«الشرق الأوسط» عبر صفحته على موقع «فيس بوك»: «بحكم مهنتي وعملي فأنا بعيد كل البعد عن تخصصي لكن ساعدتني البيئة في ماليزيا في تطوير حياتي المهنية، وأكسبتني خبرة، وعلمتني فنونا متعددة في الإعلام»، لافتا إلى أن ذلك يظهر في مراحل مختلفة شهدت فيها تطورا إذ شرعت في العمل كمتعاون في مجلة عربية تطبع في ماليزيا، ثم انضممت إلى هيئة التحرير وتدرجت حتى جاءني عرض من مجلة أخرى وبدأت العمل كمدير للتحرير.