القحطاني لـ «الشرق الأوسط»: اللغة العربية مهملة.. والحاجة لنشرها وتعليمها أكبر من سعة المؤسسات التعليمية القائمة

مساعٍ لتطوير المعهد العربي للغة العربية للناطقين بها وبغيرها

جمعان القحطاني مدير عام المعهد العربي للغة العربية
TT

على الرغم من الجهد الذي يبذله المعهد العربي للغة العربية والجهات ذات الصلة في الرياض، في سبيل نشر اللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين والناطقين بها داخل السعودية وخارجها، فإن جمعان القحطاني، مدير عام المعهد، يجزم بأن الحاجة لتعليم ونشر اللغة العربية أكبر من سعة المعاهد والكليات التي تنشط في هذا المجال.

وقال القحطاني لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه في الرياض، إن اللغة العربية لم تلق الاهتمام الكافي حتى الآن، مؤكدا في نفس الوقت توجه المعهد العربي لأن يطور إلى جامعة عربية لخدمة هذا الهدف داخل وخارج السعودية. وفي الحوار التالي المزيد من التفاصيل..

* حدثنا عن المعهد العربي كفكرة وكهدف؟

- المعهد العربي فكرة ريادية تبنتها مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية، وهدفها خدمة الإسلام والمسلمين والعرب وغير العرب ممن يرغبون إما باكتساب هذه اللغة وإما بتجويد أدائهم وترويض كتاباتهم ومحادثاتهم، خاصة أن ميدان اللغة العربية غير مخدوم الخدمة التي تليق به.

ويستهدف المعهد الناطقين بغير اللغة العربية والناطقين بها ويحاول أن يقدم خدمات متنوعة بعضها يتعلق ببناء المناهج والمواد التعليمية المتنوعة منها التعليم عن بعد واستخدام الوسائط المتعددة واستخدام تقنيات التعليم واستخدام البرمجيات المنوعة، بالإضافة إلى الدراسات والبحوث حول القضايا المتعلقة بتعليم اللغة العربية.

* كيف استطاع المعهد أن يرسم خريطة طريق لانطلاقته بشكل علمي وتطبيقي في نفس الوقت؟

- أول ما بدأ المعهد به، قام بدراسات ميدانية لتحليل الاحتياجات اللغوية لدى المقيمين في السعودية، من غير الناطقين باللغة العربية، وماهية المواقف الاتصالية التي يتعرضون لها، والاحتياجات اللغوية لكل موقف من هذه المواقف.

وبالنسبة العرب، قسم المعهد البحث على فئتين كبيرتين، وهما فئة المتعلمين من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية، حيث إن هؤلاء طلاب لهم احتياجاتهم اللغوية التي لا تسدها المدارس أو المناهج أو المناشط اللغوية التي تمارس في هذه المراحل، إذ إننا وجدنا في هذا الجانب أن اللغة العربية مخدومة خدمة ضعيفة جدا لدى هذه الفئات.

وجدنا طلابا يعانون من صعوبات لغوية بالغة وتعثر في القراءة وتعثر في الكتابة، مع أن وزارة التربية والتعليم خصصت لهؤلاء فرق عمل، علما بأنهم متخصصون في صعوبات التعلم، ولكنهم متخصصون في صعوبات التعلم جملة وليس في صعوبات التعلم اللغوي بصفة خاصة.

ووجدنا أن معظم الصعوبات تكون في تعلم الرياضيات والعلوم وفي التعلم في طرق التعلم، وبعضها يتعلق بالقراءة والكتابة وبعضها يتعلق بالقراءة والكتابة، ومع أن معلمي اللغة العربية يقدمون خدمة جيدة ولكن ليس لديهم الأدوات المصنوعة صناعة علمية جيدة ليستخدموها مع هؤلاء الطلاب وإنما هي نتاج اجتهادات شخصية، حيث إن كل معلم يقدم خدماته بحسب خبرته، وبحسب الحالة الفردية للطالب.

ولذلك اكتشفنا حاجة ماسة عند هؤلاء لخدماتنا من إعداد مواد وبرمجيات وحقائب تدريبية وحقائب للمعلمين أنفسهم لمساعدة هؤلاء الطلبة، حيث وجدنا أشياء تتعلق بالمعلمين وأخرى تتعلق بالمشرفين النشاط الطلابي وثالثا يتعلق بالمشرفين على الموهوبين وهذا في قطاع التعليم.

أما في قطاع الجمهور العام، فوجدنا الاحتياجات تتعلق بمستخدمي اللغة العربية في المواقف التواصلية مثل الخطباء والإعلاميين والمراسلين والمدربين والمعلمين غير المتخصصين في اللغة العربية.

* ما الآلية التي اعتمدتموها كمرجعيات ومعايير لتعليم اللغة أو التدريب على الأداء اللغوي؟

- استعنا بدراسات أجريناها على احتياجات العرب واحتياجات غير العرب، انتقلنا بها إلى المرحلة الثانية، وهي تطوير مرجعيات ومعايير لتعليم اللغة أو التدريب على الأداء اللغوي، وكان أمامنا أكثر من معيار عالمي معتمد ومعروف ومن أشهرها المعيار الأوروبي لتعليم اللغات واسمه الإطار الأوروبي المشترك لتعليم اللغات، ثم الإطار الأميركي وهو إطار معد في مراكز بحث متخصصة في علوم اللغة التطبيقية وتعليم اللغات.

وهناك أيضا معيار كندي قد لا يرقى لمستوى المعيار الأوروبي ولكن به توجهات وأفكار جديدة ورائعة في تعليم اللغات ومن هذه المعايير العالمية بجانب الجهود العربية التي قدمت، وخاصة تلك التي قدمها معهد التربية العربي لدول الخليج والجهود التي قدمتها وزارة التربية والتعليم السعودية في وضع كفايات لكل مرحلة وأداة من أدوات اللغة العربية في التحدث والقراءة والكتابة.

* هل اعتمدتم على المعايير المستوردة كليا أم كان للمعهد معايير خاصة به؟

- طبعا، صغنا من هذه المعايير العالمية، معايير المعهد العربي لتعليم اللغة العربية ثم انطلقنا بعد ذلك لبناء المواد التعليمية، الموجهة للعرب وتلك الموجهة لغير العرب، وكنا قد قدمنا في قسم غير العرب برامج عامة منها اللغة العربية للكبار واللغة العربية للصغار، والتي تهدف لتعليمهم اللغة للحياة العامة.

وقدمنا مجموعة من البرامج المتخصصة، والتي تكون فيها المواقف التواصلية لمحيط العمل أو محيط المهنة ومنها اللغة العربية للدبلوماسيين واللغة العربية للعاملين في القطاع الصحي واللغة العربية للعاملين في القطاع الخاص، سواء التجاري والبنوك، واللغة لحديثي العهد بالإسلام، باعتبارها المفتاح للاستزادة من المعلومات الدينية ولقراءة القرآن الكريم وفهم الخطب وفهم الفتاوى وفهم العقل.

وهناك برامج متنوعة منها برنامج المحادثة الشفهية ودورات قصيرة وأخرى مطولة بحسب هدف المتعلمين.

وبالنسبة للعرب أيضا صممنا مجموعة من البرامج الموجهة للموهوبين لغويا، وكذلك لأصحاب التعثر الكتابي والقرائي وصعوبات التعلم اللغوي لعامة الطلاب الذين يرغبون في تطوير أدائهم اللغوي أو حتى في دعم مناهج اللغة التي يتلقونها في المدارس، كما قدمنا مجموعة من البرامج التأهيلية للتأهيل اللغوي كخطباء أو كإعلاميين أو كصحافيين أو كمتحدثين رسمين بأسماء جهات رسمية.

* متى مارس المعهد تطبيق هذه المعايير عمليا؟

- بدأنا نمارس العمل منذ مطلع 1432ه بهذه الاتجاهات، وأعتقد أننا قطعنا شوطا كبيرا في تجهيز المواد التعليمية، كما شكلنا فريقا كبيرا من الخبراء المتخصصين في كل من هذه الجزئيات المختلفة، إذ لدينا خبراء يتعاملون مع الموهوبين، وآخرون يتعاملون مع صعوبات التعلم اللغوي، وآخرون يتعاملون مع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهكذا في كل فرع وجزء من قطاعات أعمالنا، حيث لدينا قسم كامل للبحث والترجمة وقسم للدراسات الميدانية.

وأجزم بأن المعهد حقق جزءا كبيرا من هذه الأهداف ولكن مع ذلك أقول إن الحاجة أكبر مما لدينا الخبراء. وأعتقد أننا على مدى أربع أو خمس سنوات مقبلة نكون قد قطعنا شوطا كبيرا ونسير بخطى واثقة.

* ما تقييمك لما تقدمه الجهات ذات العلاقة بالتعليم العام والعالي في السعودية في هذا الصدد؟

- أعتقد أن المملكة هي من أكثر الدول المهتمة بنشر اللغة العربية وتعليمها ولها في ذلك بصمات كبيرة ومتواصلة في شتى أنحاء العالم، وما فتح الأكاديمية السعودية لنشر وتعليم اللغة العربية في الخارج وفتحها في الفترة المسائية لأبناء البلد وأبناء الجاليات العربية هناك، إلا واحدة من الوسائل الكثيرة التي تدعم بها المملكة الدول والشعوب في هذا الجانب.

ويوجد في المملكة أكثر من جهة ومركز متخصصة لنشر وتعليم اللغة العربية، منها معهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود ومعهد اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي جامعة أم القرى وجامعة المدينة المنورة والجامعة الإسلامية، «كرسي صحيفة الجزيرة للغة العربية» في جامعة الأميرة نورة، بالإضافة لمركز الملك عبد الله لتطوير اللغة العربية، وهو مركز أنشئ حديثا في جامعة الملك سعود، ومركز الأمير سلمان للغويات التطبيقية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالإضافة إلى كراسٍ كثيرة داخل السعودية وخارجها، حيث هناك كرسي لتعليم اللغة العربية في روسيا والصين وغيرها من البلدان بهدف تطوير اللغة العربية وتعليمها.

* هل للمعهد عمل مشترك ملموس مع أي من هذه الجهات؟

- هناك عمل مشترك بين وزارة التعليم والمعهد العربي للغة العربية، وهو إجراء مسابقة للغة العربية لمدارس الجاليات المقيمة في السعودية ويشترك فيها هذا العام، منطقة الرياض، ومنطقة جدة والمنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، وهذا أول عمل مشترك بيننا لخدمة اللغة العربية ونشرها وتطويرها ودعم تعليمها في المدارس الأجنبية في السعودية.

وخصص لهذا العمل ميزانية تفوق 800 ألف ريال، يتكفل بها المعهد، وسيكون العمل تحت رعاية وزير التربية والتعليم، ونأمل أن تكون هذه البذرة فتحا لنشاطات أخرى تشترك فيها الوزارة مع المعهد لخدمة اللغة العربية.

* برأيك ما أهم المشاريع التي تسعون لتحقيقها من خلال هذا المعهد؟

- لا شك، هناك الكثير من الأهداف والمشاريع التي نعمل على تحقيقها، ولكنني أرى أن هناك فكرة رائدة نسعى جاهدين لتحقيقها وهي مسألة تحويل المعهد العربي إلى جامعة عالمية تنطلق من السعودية وتقوم بتحقيق كل الأهداف السامية التي نسعى لتحقيقها تحت مظلة هذه الجامعة، والتي منها منح الدرجات الجامعية وهي البكالوريوس والدبلومات العليا العلمية العليا مثل الماجستير والدكتوراه والأستاذية، وأتوقع أنه سيكون هناك دعم كبير من قبل القائمين على أمره هذا المعهد، فضلا عن الدعم المنتظر من وزارة التعليم العالي والوزارات والجهات ذات العلاقة والمهتمة بلغتنا الجميلة.