«التربية والتعليم» السعودية: الإجازات القصيرة رفعت معدلات المشاكل السلوكية

%35 حصيلة الارتفاع.. ولجنة خاصة لمتابعة الدمج

الإجازات القصيرة يصحبها ارتفاع في معدلات المشاكل السلوكية
TT

أكد الدكتور إسماعيل آل مفرح، رئيس قسم الإرشاد الطلابي في وزارة التربية والتعليم، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن أكثر المخالفات السلوكية ترتفع وتيرتها في الإجازات القصيرة، وأن تلك الإجازات تصيب العملية التعليمية والتربوية في السعودية بأذى كبير، بسبب تنامي معدلات المشاكل السلوكية للفئات العمرية المختلفة.

وذكر آل مفرح أن جملة من المشاكل تنضوي تحتها تلك الأيام، ومن أهمها اتساع رقعة غياب الطلاب والطالبات لأكثر من الإجازة الموضوعة لذلك، بمعنى إذا كانت الإجازة المعتبرة أسبوعا، فإنها تمتد لأسابيع لتخرج بمحصلة ثلاثة أسابيع، وهو توقيت يعتبر هدرا للقدرات والطاقات والتحصيل.

وأشار رئيس قسم الإرشاد الطلابي إلى أن هناك مطالب تربوية واسعة بضم وتوحيد الإجازات القصيرة، وهو ما نادى به وزير التربية والتعليم الذي أبدى عدم رضاه عن ديمومية تلك الإجازات، التي وصفها في حينه بغير المقنعة.

من جانبها، قالت الدكتورة ليلى المزروع «تعاني المجتمعات في شتى بلدان الدول العربية والإسلامية من تفشي ظواهر وسلوكيات مستجدة ومغايرة لعادات وتقاليد الشعوب العربية والإسلامية، والتي أرهقتها وسائل التكنولوجيا الحديثة، إذ عززت هذه الوسائل كثيرا من الظواهر الغريبة، خاصة في الأوساط التعليمية، سواء تحت بند التقليد والمحاكاة أو بسبب الإهمال وسوء التربية، أو قد يكون بسبب الترف المصاحب لتربية النشء وطرق تقويمه، لا سيما في فترة المراهقة والشباب التي تعتبر المحك والفيصل في صقل هوية الأبناء وتحديد ملامح شخصياتهم».

وقالت المزروع «حذر التقرير السنوي الصادر من قبل إدارة الخدمة الاجتماعية والنفسية في وزارة التربية والتعليم من تصاعد وتفاقم بعض الظواهر الغريبة، بعد أن تم رصد وجودها في المدارس المتوسطة، والثانوية وفي الكليات، والجامعات». وأضافت المزروع «كما لمسنا الاستياء الواضح والتذمر في نفوس العاملات في الحقل التعليمي، واللاتي بدأ ينتابهن شعور بالخوف في ظل التغيرات النفسية والسلوكية التي بدأت تنتشر بشكل مخيف في الأوساط التعليمة، وأدت إلى حالة من اللااستقرار النفسي والخوف من الطريق الذي تتجه إليه شريحة كبيرة من أبنائنا».

وقالت الأكاديمية التربوية «بحسب تقرير آخر من وزارة التربية والتعليم، فقد بلغت النسبة الأكبر لرصد الحالات السلوكية في مدارس التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، حيث انتشرت بعض الظواهر الغريبة والمخيفة والمنافية للعادات والتقاليد والفطرة الدينية والأخلاقية التي تربت عليها شعوبنا العربية والإسلامية». وأشار التقرير إلى أن هناك توجها كبيرا من قبل بعض الطالبات إلى الانحراف واللجوء إلى كل ما هو غريب وشاذ، والأخطر من ذلك تلك الظواهر التي تمس الجانب العقائدي والتي انتشرت بشكل لافت للانتباه.

وقال إن المراهق إنسان له شخصية خاصة وطبيعة خاصة، وهاتان الخصوصيتان يجب أن تكون لهما معاملة خاصة، فالمراهق يكره العنف المقابل، لكنه حينما يواجهه يتعامل معه بعنف مضاد، لأنه في مرحلة تتشكل فيها شخصيته وينظر إلى نفسه من خلال الآخرين، ومن هنا تبدأ مراحل إثبات الوجود حتى وإن كانت كارثية، إلا أنه يراها طبيعية خاصة إذا امتزجت بعنصر اللامبالاة وعدم الاكتراث.

وأضاف أن الموجودين في الميدان قليلو الخبرة في التعامل مع المراهق، والأسوأ من هذا تصورهم للمراهقة أنها مرحلة خطيرة، ويجب التعامل معها بحزم وشدة، ومن العيب أن يهينك المراهق، ومن هنا يصبح المعلم مشدودا طول الوقت ومرتبكا، مما يجعله يتصرف مع أول موقف للمراهق تصرفا خاطئا. وأضاف أن المدرسة في بلادنا تعليمية تثقيفية وليست تربوية، فالغالب أن الكل يعمل على تفوق الطالب وزيادة محصوله الثقافي، ونجد المتفوق يكرم، وللأوائل نصيب من اهتمام الدولة.

من جهتها، قالت هيفاء العمري، استشارية طب الأسرة «أعتقد أن مدارسنا بحاجة كبيرة إلى تفعيل جانب المرشد الطلابي والاجتماعي والنفسي داخل المدرسة، فالمدرسة مؤسسة تربوية وليست تعليمية فقط، والتربية كما يعلم الجميع هي أعم وأشمل من التعليم، وبما أن المدرسة عدت مؤسسة تربوية، فهذا يقتضي إشباع جانبي التربية والتعليم، لكن الواضح الآن هو تركيز المدرسة على جانب التعليم والتحصيل الدراسي، كما بين ذلك الأخ أبو عامر، في حين أن هناك إهمالا كبيرا للجوانب التربوية والاجتماعية متمثلا في إهمال جانب المرشد الطلابي أو الاجتماعي، فالكثير من المدارس لا تعرف هذا المسمى، وإن وجد يكون ذلك بتكليف من أحد المعلمين».

واستطرد العمري في حديثها «أرى أن كل مدرسة تحتاج إلى أكثر من مرشد طلابي واجتماعي، يكونون متخصصين في هذا المجال، فالكثير من المشاكل تحل بطرق غير صحيحة وبطريقة نقول عنها ارتجالية من دون مراعاة لخصائص الطالب وسيكولوجية المرحلة التي يمر بها». وقالت العمري «لا بد من إيجاد برامج متكاملة وفعالة لبحث الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة، فلا بد من توعية الطالب بحقوقه وواجباته، ولا بد من معرفة المعلم بالأساليب الحديثة في التدريس واستراتيجياته والتزامه بأخلاقيات مهنة التعليم».

واختتمت العمري حديثها بأنه «لا بد للأسرة أن تقوم بدورها في تربية الأبناء على الفضيلة واحترام المعلم، ولا بد لوسائل الأعلام أن تقوم بدورها التوعوي المضاد لما يشاهد الطالب ويسمع من مظاهر عنف مختلفة عبر وسائل الإعلام، كما لا بد للجامعات وكليات التربية أن تقوم بدورها للقضاء على هذه الظاهرة سواء من خلال البحوث أو من خلال اختيار الطالب المتزن نفسيا والمنضبط سلوكيا ليقوم بدور المعلم مستقبلا. كما لا بد على وزارة التربية والتعليم من تهيئة بيئات محفزة ومشجعة للطالب، إضافة إلى إيجاد إخصائيين نفسيين واجتماعيين في المدارس لتصحيح أي خلل سلوكي لدى الطلاب».

وذهبت أميمة الظاهر، الباحثة النفسية في مجال الطفولة، إلى أهمية التركيز نحو مسألة الاهتمام بالتحصيل الدراسي في المدارس باعتبارها قضية جوهرية تعد لها البرامج وتجرى حولها الدراسات، بل وتعقد من أجلها الندوات والمؤتمرات، بحجة رفع مستوى التحصيل الدراسي، وذلك سيؤدي حتما إلى رفع مستوى مخرجات التعليم، الأمر الذي سينعكس على إنتاجية المجتمع وتقدمه وقوة دعائمه المتمثلة في أفراده دونما تعطيل مشروع بإجازات متقطعة ومتواصلة. واعتبرت الباحثة أميمة الظاهر مسألة التحصيل الدراسي أحد الجوانب المهمة في النشاط العقلي الذي يقوم به الطالب، الذي يظهر فيه أثر التفوق الدراسي، ويرتبط مفهوم التحصيل بمفهوم التعلم ارتباطا وثيقا، إلا أن مفهوم التعلم أكثر شمولا واتساعا من الإجازات المتقطعة، فهو يشير إلى كل التغيرات الأدائية تحت ظروف الممارسة والتدريب في المدرسة، فهو يتمثل في اكتساب المهارات والمعلومات وطرق التفكير وتغير الاتجاهات والقيم وأهم أساليب التكيف لدى الفرد ونظرته نحو ذاته، وهذا يقودنا إلى أن التحصيل الدراسي قد يؤثر على تكيف الفرد ونظرته نحو ذاته سواء بطريقة سلبية أو إيجابية.

إلى ذلك اعتبرت أمينة علي، المعلمة في المرحلة الثانوية، أن الإجازة لها أهمية قصوى على عكس المتعارف عليه بين الناس، من أنها فترة هدوء وراحة واسترخاء، بل هي فترة لتجديد النشاط وإعادة ترتيب الأفكار والمعلومات، وإذا كان معظم الأطفال ينالون منهجا واحدا خلال العام الدراسي، فإن الفارق بينهم هو كيف يقضي الطفل أو الشاب فترة إجازته، فإذا كان البعض يقضيها لا في عمل ولا نشاط، فتكون فترة للهدم، يقضيها البعض الآخر في اكتساب الكثير من المهارات والمعلومات والأنشطة فتكون فترة بناء.

وأفادت بالقول «إذا لم يستثمر الطفل إجازته فأسهل ما يلجأ إليه الأطفال هو التلفاز أو الألعاب الإلكترونية، وقد أثبتت الدراسات أن الجلوس أمام التلفاز أو الإقبال على الألعاب الإلكترونية يعرّض الطفل للمخاطر، ولبعض الإصابات بالرقبة والأطراف وآلام الظهر عند الجلوس بطريقة غير صحيحة، خصوصا عند البالغين».

واختتمت أمينة حديثها بأن «الكثير من الآباء والأمهات مسؤولون عن حالة التأخر الدراسي التي يعاني منها أبناؤهم، غير مدركين للأسباب الحقيقية وراء هذا التأخر وسبل علاجها، وقد يلجأ البعض منهم إلى الأساليب غير التربوية والعقيمة، كترك أبنائهم طيلة الإجازات الطويلة، التي عادة ما تكون في الصيف من دون تنشيط للعقل، ولا يمكن أن تؤدي إلى تحسين أوضاع أبنائهم، بل على العكس يمكن أن تعطينا نتائج عكسية لما نتوخاه».

وزادت «إن معالجة مشكلة الفراغ وطول الوقت في الإجازات لدى أبنائنا تتطلب منا الاستعانة بالأساليب التربوية الحديثة، والقائمة على العلم، فهي المنار الذي يمكن أن نهتدي بها للوصول إلى ما نصبو له لأبنائنا ولأجيالنا الناهضة من تقدم ورقي، وهذا بدوره يتطلب منا وقفة ومناصحة متلازمتين».