الثبيتي لـ «الشرق الأوسط»: العرب في السنة يترجمون كتابا واحدا لكل مليون عربي

قال إن الترجمة أضحت رهينة الأحداث السياسية والاقتصادية

تركي الثبيتي رئيس قسم اللغات الأجنبية في جامعة الطائف («الشرق الأوسط»)
TT

حذر تركي الثبيتي، عضو اللجنة الدائمة للترجمة في جامعة الطائف في حواره مع «الشرق الأوسط»، من خطورة تضاؤل مشاريع الترجمة في العالم العربي، مؤكدا أنه يجب تخصيص ما لا يقل عن ربع ميزانيات البحث العلمي على عمليات الترجمة. وضرب الثبيتي الذي يشغل رئيسا لقسم اللغات الأجنبية في جامعة الطائف مثلا بأن ما يترجم في عالمنا العربي لا يزيد على كتاب واحد لكل مليون عربي في السنة الواحدة، وأن الترجمة أضحت رهينة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فكان هذا الحوار.

* يقال إن الترجمة رهينة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، فكيف تستطيع الترجمة أن تحصل على استقلاليتها وماهيتها؟

- المتتبع لحركة الترجمة في أي زمان ومكان يلحظ مدى ارتباط واقع الترجمة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال لو نظرنا لواقع الترجمة في العصر العباسي المزدهر اقتصاديا وسياسيا لوجدنا أن حركة الترجمة قد نشطت بعد الفتوحات واتساع رقعة الدولة العباسية التي امتدت نحو الشرق والغرب، مما ترتب عليه حتمية الاتصال المباشر بالفرس والرومان وغيرهم من الشعوب المجاورة، وبالتالي ظهرت حاجة ملحة إلى الترجمة. حينها قام العرب بترجمة العلوم من اليونانية، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية. وبلغت حركة الترجمة ذروتها آنذاك - إن لم تخني الذاكرة - في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون الذي أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط الترجمة، وبرز وقتها الكثير من المترجمين مثل حنين بن إسحق وابنه إسحق بن حنين وثابت بن قرة وابن الحمصي.‏ هناك أيضا في العصر الحديث اليابان مثلا عندما أصبح وضعها السياسي والاقتصادي في وضع جيد برزت فيها حركة ترجمة قوية جدا، فيقال إن اليابان تترجم ما لا يقل عن ثلاثين مليون صفحة سنويا. طبعا، هذان المثالان يؤكدان مدى ارتباط الترجمة بالأوضاع السياسية والاقتصادية لأي مجتمع.

ولو نظرنا لواقع الترجمة الحالي في وطننا العربي لأدركنا تماما هذا البعد، فواقع حركة الترجمة العربية لا يرضي وهو مقلق جدا، فمعظم جهود الترجمة في وطننا العربي مرهونة بجهود ومبادرات فردية تقف في وجهها غالبا عقبات كبيرة تحول بينها وبين الاستمرارية. وهنا دعني أستعر معلومة ذكرها الأستاذ الدكتور محمد زياد كبه - أستاذ اللغة والترجمة والفائز بجائزة أبوظبي للترجمة العام الماضي - حين تحدث قبل عدة أيام عن واقع الترجمة المعاصرة، وذلك في ندوة ثقافية أقامها قسم اللغات الأجنبية بجامعة الطائف، حيث ذكر أن ما يترجم في عالمنا العربي لا يزيد على كتاب واحد لكل مليون عربي في السنة الواحدة!! ولكي تبرز حركة ترجمة جيدة لها استقلالية، لا بد من إنشاء مراكز ترجمة متخصصة يكون لها أهداف وخطط واضحة، مما يجعل المترجم يعمل وفق معايير منضبطة بعيدا عن الفردية، وبالتالي يكون جهده تكامليا مع باقي المترجمين في المركز وفق توجهات وتخصص ذلك المركز. ويجب هنا أن تشارك الجامعات - بصفتها مركزا للتنوير والفكر - بدور كبير في هذا المجال من خلال دعم وتشجيع حركة الترجمة والعمل على إنشاء مراكز ترجمة تساهم في خدمة المجتمع وإثراء حركتها بشكل عام.

* ألا ترى أن الوهن الذي اعترى الترجمة ألقى بظلاله على التقدم في حقل العلوم والتكنولوجيا والصناعة؟ ومتى تعتقد أن الترجمة ستروم ضمن الأولويات على طاولة خبراء سياسة التعليم؟

- بلا شك.. حركة الترجمة في أي بلد هي مؤشر على مدى التقدم العلمي والتكنولوجي لذلك البلد، فغالبا ما تؤدي الترجمة إلى إحداث نهضة ثقافية وعلمية واقتصادية في الثقافة المترجم إليها. فمن خلال الترجمة، يتم التعرف على آخر ما توصلت إليه العلوم، وبالتالي يتم استيعاب تلك العلوم ومنها تأتي الانطلاقة نحو آفاق أرحب في سماء الاختراع والابتكار والصناعة. أنا أرى الترجمة جسر تواصل وتفاعل بين الثقافات، تفاعل بكافة أشكاله الثقافية والصناعية والاقتصادية، وهنا استحضر وصف الدكتور علي القاسمي للترجمة، فهو يراها بمثابة «البوابة التي تعبر منها الذات إلى الآخر أو يقتحم الآخر الذات». ولو تتبعنا تطور أي حضارة إنسانية وتقدمها العلمي لوجدنا أن الترجمة تكاد تكون ظاهرة سبقت ذلك الإنجاز الحضاري، فأي بلد يسعى للتقدم العلمي لا بد له من الاهتمام بنقل أسرار التكنولوجيا والصناعات والعلوم المختلفة للغته.

وفي أيامنا هذه، أرى بعضا من ملامح الاهتمام بالترجمة من قبل المهتمين والمنشغلين بالتعليم العالي وذلك استشعارا منهم لأهميتها. فبدأنا نلحظ اهتماما كبيرا من قبل الجامعات على سبيل المثال في تشجيع المشاركة في جوائز دولية خاصة بالترجمة. فعلى مستوى الخليج العربي، هناك جائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز للترجمة، وكذلك جائزة الشيخ زايد للكتاب حظيت بمشاركات كبيرة من أكاديميين في الجامعات. كذلك على مستوى دعم وتشجيع البحث العلمي في الجامعات أصبح هناك توجه كبير لدى بعض الجامعات في تخصيص جزء من ميزانياتها في البحث العلمي لتشجيع الترجمة، وهنا دعني أضرب مثالا بسيطا بجامعة الطائف، وذلك بحكم عملي فيها رئيسا لقسم اللغات الأجنبية وأمينا للمجلس العلمي بها. خصصت جامعة الطائف - بتوجيه من مدير الجامعة ومتابعة من قبل وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي - ما يقارب من ربع ميزانية البحث العلمي لدعم وتشجيع مشاريع الترجمة. وهذا بلا شك سيترك أثرا جيدا في إثراء حركة الترجمة على المستوى المحلي. ونأمل أن نرى قريبا مزيدا من الخطوات العملية التي ستساهم في دعم حركة الترجمة من مؤسسات التعليم العالي والعام.

* هناك عوائق تعترض تعليم اللغة الإنجليزية في السعودية، حتى إن المراقبين وضعوا علامات استفهام واسعة على مخرجات التعليم العالي والعام، كيف تقيم المشهد؟ وما أبرز الدعائم التي تجسر تعليما متقدما في هذا المجال؟

- حقيقة، إن المتأمل لواقع تعليم اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام في المملكة يشعر بالأسى حيال الضعف الشديد في مخرجاته. فالطالب ينهي مراحل التعليم العام وهو غير قادر على إجراء محادثة بسيطة باللغة الإنجليزية أو قراءة نص بسيط أو حتى كتابة جملة بشكل صحيح. وفي تقديري إن ذلك الإنتاج اللغوي الضعيف للطالب يرجع لعدة عوامل نفسية وفنية وإدارية وعوامل أيضا نظامية تربوية. فالطالب السعودي يبدأ تعلم اللغة الإنجليزية وفي ذهنه صورة أولية مرسومة له بأن هذه اللغة صعبة ومستحيلة. وبالتالي، يساهم ذلك في فقدان الطالب للثقة بمقدرته على تعلم وإتقان اللغة، وبالتالي يكون استعداده النفسي للتعلم شبه معدوم، وكما نعلم فالاستعداد النفسي عامل مهم في نجاح أي تجربة. ولا نغفل أيضا جانبا آخر مهما وهو الخلل في المناهج. فمعظم المناهج في التعليم العام تنحو باتجاه الجوانب الأكاديمية الجافة وتغفل الجوانب التطبيقية، مبتعدة عن الواقعية في الحياة العلمية والعملية، ولا يستطيع من خلالها الطالب ممارسة اللغة في مواقف يومية من الممكن أن يتعرض لها في حياته توازي الواقع خارج أسوار الفصل الدراسي الذي لا تتحدث بيئته اللغة الإنجليزية. وضعف التجهيزات بالمدارس الحكومية من معامل صوتية وخلافه لممارسة مهارات الاستماع والتحدث - هو أحد العوامل المؤثرة في جودة المخرجات. ويبدو الحال نوعا ما أفضل في مراحل التعليم العالي للاهتمام الكبير الذي توليه الجامعات لتعليم اللغة الإنجليزية.

وفي ضوء ذلك، أرى أنه لا بد من الاهتمام أكثر بتعليم اللغة الإنجليزية في مراحل التعليم العام، وذلك بتدريس اللغة الإنجليزية من الصفوف الأولية للمرحلة الابتدائية شريطة الاهتمام بتصميم المناهج وتوفير التجهيزات التقنية الخاصة بالمعامل لممارسة مهارات التحدث والاستماع بالشكل الأمثل. ولا بد أيضا من إيجاد قنوات تعاون وشراكة مع مراكز تعليمية دولية متخصصة بتدريس اللغة الإنجليزية للاستفادة من تجاربها وخبراتها في هذا المجال. أما في ما يخص الجامعات، فأنا أرى أن تطبيق أنظمة التعليم الإلكتروني ونظام السنة التحضيرية الذي يركز بشكل كبير على مهارات اللغة الإنجليزية قد يساهم في التغلب على الكثير من هذه العوائق.

* لماذا أصبح اهتمام السعوديين منصبا على تعليم اللغة الإنجليزية فضلا عن سائر اللغات؟ وهل ترى أنها لغة اقتحمت المشهد بفضل عالميتها؟ وإلى أي مجال ترشح دخول لغات أخرى على نفس الخط؟

- اللغة كائن حي ينمو ويترعرع متى ما توافرت له المقومات اللازمة للنمو والازدهار مثل القوة الاقتصادية والسياسية. مقومات هذا النمو توافرت للغة الإنجليزية منذ نهايات القرن السابع عشر الميلادي وبدايات القرن الثامن عشرـ وبالتحديد مع بدايات الثورة الصناعية والاستعمار والتي ساهمت بشكل كبير في انتشار اللغة الإنجليزية في شتى أرجاء المعمورة حتى أصبحت في عصرنا الحاضر اللغة الأوسع انتشارا، بل أصبحت لغة العالم والعلم والتكنولوجيا. لذلك، ليس مستغربا هذا الاهتمام من قبل السعوديين على تعلم اللغة الإنجليزية التي أصبحت بمثابة البوابة للعبور لعالم المعرفة والتوظيف. وبالتالي، اللغة الإنجليزية أصبحت حتمية في عصر العولمة ولا أرى فرصة لأي لغة أخرى لمنافستها عالميا على المدى القريب، وإن كنا نتمنى أن تحظى لغتنا العربية بشيء من هذا الاهتمام والانتشار الواسع.

* هناك نقد موجه ومباشر ضد مناهج اللغة الإنجليزية بأنها لم تراع متطلبات العصر، ولم تستطع محاكاة المدارس المختلفة في طرائق التعلم؟

- أتفق معك تماما في ذلك. وقد ذكرت في إجابتي عن سؤال سابق بأن أحد المعوقات لتعليم اللغة الإنجليزية هو المناهج نفسها التي نحت بشكل كبير نحو الأكاديمية وابتعدت عن الواقعية والتطبيق. ولكن، بدأت بعض المؤسسات التعليمية في قطاع التعليم بالانتباه لذلك. فلاحظنا قيام الكثير من الجامعات خلال السنوات الثلاث الأخيرة بالاعتماد على التقنية في تدريس اللغة الإنجليزية من خلال استخدام التعليم الإلكتروني ونظم إدارته مثل البلاك بورد والمودلز. إضافة إلى العمل على تطوير وتحديث الخطط الدراسية والمناهج لتكون أكثر ملائمة لمتطلبات العصر وروحه وتكون أكثر قربا من واقع واحتياجات الطالب.

* معظم خريجي الجامعات لديهم مشاكل كبيرة في التحدث والتواصل، ويفتقرون إلى مهارات اللغة الأساسية، لماذا لا تفرضون نهج الاختبارات العالمية عليهم للتقييم شريطة التخرج؟

- قد لا أتفق معك كثيرا في هذه الجزئية. فقضية التسليم والتعميم بضعف خريجي أقسام اللغة الإنجليزية من الجامعات غير منطقي. قد يكون هناك ضعف لدى بعض الطلاب ولكنه ليس ظاهره، لسبب بسيط أشرت إليه مسبقا وهو أن اللغة الإنجليزية لغة اقتحمت حياتنا اليومية، بمعنى أنه حتى غير الدارسين للغة الإنجليزية يستخدمونها في حياتهم اليومية من دون وعي أحيانا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل فرض اختبار عالمي مثل التويفل أو الايلتس سيحل من إشكالية ضعف الطالب في مهارات اللغة الإنجليزية؟ فالإجابة بالطبع ستكون بالنفي، لأن هذه الاختبارات هدفها قياس مدى الإتقان لمهارات اللغة الأساسية فقط، ولا تهدف لتحسين المستوى في تلك المهارات. فهذه الاختبارات ممكن اعتبارها مؤشرا للأداء أكثر منها وسيلة لتحسين المنتج.

* ما أهم الاستراتيجيات التي تأملون تنفيذها في التعليم العام الجامعي في ما يختص باللغة الإنجليزية؟ وما الذي تعتقدون أنه يميز الجامعات الأجنبية على المحلية؟

- دعني أبدأ بالإجابة عن الشق الثاني من السؤال، فربما ما يميز الكثير من الجامعات الأجنبية على جامعاتنا هو استقلاليتها وحريتها، مما يخلق أجواء تنافسية كبيرة بين الجامعات لتحقيق أعلى معدلات الجودة في التعليم والبحث العلمي. وكم أتمنى أن نرى جامعات وقد تحولت إلى جامعات متخصصة، بمعنى أن تكون الجامعة متخصصة بمجال واحد مثل العلوم الطبية أو التكنولوجية أو اللغات، وهذا أضحى مطلبا ملحا في عصرنا الحالي.

أما في ما يخص تعليم اللغة الإنجليزية في جامعاتنا، فنتمنى أن تسعى الأقسام العلمية إلى توظيف استراتيجيات تساهم في رفع كفاءة ومستوى خريجيها مثل الاعتماد على التقنية التكنولوجية الحديثة وعلى طرق تدريس اللغة الحديثة التي تعتمد على الفهم والتجريب والممارسة بعيدا عن التلقين والحفظ.