السعودية: 85% من الطلبة السعوديين يتجاوزون اختبارات «المتعثرين»

موسم الاختبارات.. مرحلة خصوبة للسلوكيات السلبية والعكسية

المتعثرون دراسيا لديهم أسبوع واحد للتعويض قبيل استمتاعهم بإجازة الصيف («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت وزارة التربية والتعليم في السعودية أهمية الالتفافة الأسرية إزاء الطلاب المتعثرين، موضحة أن فترة أسبوع واحد قبل الاختبارات النهائية للمتعثرين هي فترة كافية للمراجعة والاستذكار.

وأكد إسماعيل آل مفرح، رئيس قسم الإرشاد الطلابي في وزارة التربية والتعليم، لـ«الشرق الأوسط»، أن الطلاب المتعثرين بحاجة إلى تعامل مختلف من الناحية السيكولوجية، لأن التعثر والرسوب أمران متلازمان في عقلية بعض الأهالي، وهو ما يعني نهاية المطاف في اعتقاد كثيرين. وأسف آل مفرح لما سماها ثقافة «الانهزام» عند كثير من الطلبة الذين تركوا الهمة والإصرار وتراخوا في عملية الاستذكار طيلة فصلين دراسيين متلازمين، مشيرا إلى أهمية أن تقوم الأسر بواجباتها خلال الأسبوع الحالي.

من جهتها، قالت الدكتورة ليلى الحساني، أكاديمية سعودية، في دراسة رصدتها عبر استبانة علمية، إن 85 في المائة من الطلبة السعوديين يتجاوزون اختبارات المتعثرين في الترمين الدراسيين وكامل المقرر الدراسي. من جانب آخر لوحظ وجود طلبة من أعمار ومراحل دراسية مختلفة يجوبون شوارع المدينة بعد الانتهاء من الاختبار الدراسي المقرر لكل يوم، حيث يكاد ذلك يصبح ركنا مساندا لعملية الإنعاش الاقتصادي بنسبة بسيطة للمطاعم والمقاهي ومحال التموينات، فتلك الأماكن تخضع لمرحلة نشطة حيث يتردد عليها الطلبة بعد انتهاء فترة الاختبار الصباحية من باب الترويح وسد رمق التعب والشد النفسي من الاختبارات، وبعد انقضاء فترة الظهيرة يعود الطلبة أدراجهم نحو منازلهم، لتبدأ نفس المرحلة بإيجابياتها وسلبياتها في اليوم التالي، وبذلك يصبح موسم الاختبارات بيئة خصبة للنشاط الاقتصادي والسلوكيات السلبية.

سعيد عبد الله، طالب بالمرحلة الثانوية، يقول «لا بد من لم شتاتنا الفكري وإراحة أجسادنا التي أنهكها السهر والدراسة بـ(فرّة) بسيطة حول المقاهي أو المطاعم لاختيار أكثرها شعبية وتناول كوب من الشاي أو القهوة مع بعض الأكلات، وفي حال تعذر ذلك لفترة الاختبار الثاني ولقصر الفترة الزمنية ما بين الفترتين فإن التموينات هي الملاذ الوحيد.

وحول عدم استغلال الوقت الذي هو بين الفترتين من اليوم للمذاكرة والمراجعة يقول رائد مفلح، طالب بالمرحلة المتوسطة «عادة ما تكون الفترة الثاني هي اختبار لمادة أكثر سهولة من الفترة الأولى، وإن لم تكن فإن إعادة جمع معلومات المادة لتلك الفترة وفتح الكتاب قد تطيح بما سبق حفظه وفهمه، والسبب هو العامل النفسي وضيق الوقت».

رعد القحطاني، طالب بالمرحلة الثانوية، يتكئ على حائط المدرسة الخارجي مع أحد أصدقائه يراقب المارة، ولم يشارك في ذلك النشاط الحركي الاقتصادي.. وعند سؤال «الشرق الأوسط» له عن السبب ذكر أن خوفه من تعرضه لموقف معين قد يترتب عليه التأخر عن الفترة الثانية يرعبه. وقال «حينما يكون اليوم على فترة اختبار واحدة فإنني أتوجه حالا نحو المنزل تحاشيا لأي مشاكل وحتى تطمئن والدتي ووالدي وأتمتع بقسط من الراحة لأبدأ بعدها استجماع قواي والاستعداد للمادة التي حدد لها يوم غد».

حميد ولي، بائع في أحد محال التموينات الغذائية، يقول «إنه على الرغم من الأرباح التي يدرها الطلبة على المحل في فترة الاختبارات الدراسية فإن مشاكلهم تعادل أرباحهم، فهم يدخلون جماعات ويبدأون في استفزاز العمال في المحل، وبعضهم يأخذ ما يريده ويتسلل إلى الخارج من دون أن يدفع حساب ما أخذه». وذكر حميد أن «هناك عددا من طلبة المرحلة المتوسطة يستغل تلك الفترة للترويح عن النفس بشراء علب التدخين رغم التحذيرات الصارمة بعدم بيع السجائر لفئة عمرية محددة، ولكن لتفادي المشاكل والمشاجرات بين البائع والطالب نضطر إلى إعطائهم حتى وإن كان ذلك من دون مقابل، لأن حالات الانتقام لدى هؤلاء الطلبة ترتفع في ظل الضغوط الدراسية والأسرية بسبب تلك الفترة من الاختبارات».

الدكتور علي الرايف، استشاري نفسي تربوي، يصف الحالة النفسية للطالب قبل وأثناء فترة الاختبارات، حيث قال «تعتبر فترة الاختبارات من أصعب المراحل النفسية على الطالب، فهو يكون قلقا ومتوترا وغير قابل لأي نقاش قد يخفف من تلك الحالة ظنا منه أنه لا أحد قادر على استيعاب ما يمر به وما قد يواجهه من تهديد مستقبلي علمي سواه». وأضاف «هنا تبرز لنا أهمية دور الأسرة في احتوائه والتخفيف عنه بتشجيعه وعدم التوسيع من فوهة الفكرة الخاطئة المتبادلة بن الأهالي من تخويف وترهيب الطالب وتهديده في حال لم يتجاوز الاختبارات.. كما أن إطلاع الأهل على الجدول الزمني لاختبارات أبنائهم أمر بالغ الأهمية، وسؤالهم عنه بعد انتهاء الفترات اليومية يحمي الطالب من الكثير من المشاكل التي يقع ضحيتها طوال تلك الفترة من تفحيط ومضاربات وأحزاب وعصابات مؤقتة تتكون مع أول يوم من الاختبارات».

قد يتصور البعض أنه من الصعب فرض نوع معين من الرقابة على الابن الذكر خاصة أثناء مرحلة الاختبارات، لكن الدكتور الرايف يقول «ليس من الصعب رقابة الابن في تلك الفترة، فبمجرد الاطلاع على الجدول الزمني وتوصيل والده له إلى المدرسة والعودة لتوصيله إلى المنزل وأخذ الحيطة والحذر من أن يحتك ابنه ببعض الشرائح الفكرية لبعض الطلبة، يقي الابن والأسرة من تبعات عدة تكثر في تلك الفترة الدراسية خاصة مع آخر أيام الاختبارات».

منصور خالد، باحث اجتماعي، يصف تلك المرحلة بأنها «موسم القلق الذي تدخله كل أسرة سعودية، ففيه تتغير الأحوال، وينقلب برنامج الأسرة اليومي رأسا على عقب، ويعلن عن حالة تأهب لشد الأعصاب، فالاختبارات في جميع مراحل التعليم تعد هاجسا يشكل إزعاجا وتوترا في مجتمعنا السعودي بشكل خاص والعربي بشكل عام نتيجة تراتبات كثيرة وأسباب دمجت ما بين الأنظمة التعليمية وأنظمة الاختبارات نفسها، وأسلوبنا في ممارسة الحياة، وثقافة التسويف والتأجيل للطالب نفسه وأسرته والمسيطرة على واقعنا». لذا، وبحسب قول الباحث الاجتماعي، فإن «فترة الاختبارات تشكل هاجسا لكل الآباء والمربين ومسؤولي الأمن من أجل حفظ أبنائنا الطلاب من أي وسيلة سلبية يحاول استغلالها بعض الطلبة أثناء هذه الفترة الحرجة بطريقة هادمة وعدوانية».

ومن أبرز تلك السلبيات والمشاكل، كما يقول منصور خالد «التفحيط وتعاطي المخدرات والقتل، وكلها جرائم تتكاثر وتعتبر فترة الاختبارات فترة خصبة تساعد على انتشارها، فالمشكلة أن التعاطي ربما تكون بدايته تسرب الطلاب من المدرسة أيام الاختبارات وانتشارهم في الشوارع والحواري من دون رقيب تربوي أو أمني أو أسري، فتغيب الأهل، وضعف حرص البعض من أولياء الأمور على الوجود في الوقت المناسب لعدم ترك أبنائهم الطلاب فريسة يسهل الوصول إليها من قبل ضعفاء النفوس مروجين المخدرات، يرفع من نسبة نشوء تلك الظواهر الإجرامية السلبية». وزاد «كما أن أبناءنا الطلاب قد يصبحون عرضة لتعلم سلوكيات سيئة نتيجة مشاهدتهم لجملة من السلوكيات المخيفة لشباب يتعمدون الوجود أمام المدارس وممارسة التفحيط، والقيادة بشكل متهور، وتدخين السجائر، وربما ممارسة سلوكيات غير أخلاقية تضر بمستقبل الطالب نفسه خاصة في ظل الاختلافات العمرية ما بين المشاهد لتلك السلوكيات ومن يقوم بها».

وحول السبل الوقائية لتلك الممارسات قال الباحث الاجتماعي «لا بد من تكاتف دور الأسرة والمؤسسات التربوية والجهات الأمنية لتحاشي مثل تلك السلوكيات التي تخلق من فترة الاختبارات بيئة خصبة تتم خلالها ممارسة تلك الأفعال السلبية».